تحليل: مفهوم "الدولة" يحتضر .. والمغرب "قصّة ناجحة"
اعتبرت المجلة البريطانية "ذا إكونومست"، أن المغرب يعد "قصة ناجحة" في محيط متوتر، يعيش على وقع الحروب الأهلية وعدم الاستقرار، وهذا ما جعله يمثل إلى جانب تونس، أفضل البلدان في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط. واستندت المجلة البريطانية، في تحليلها لوضعية البلدان في هذه المنطقة، على عدد من المؤشرات، أبرزها ضمان الدولة لأمن مواطنيها، والخدمات العمومية التي تقدمها، من تعليم وصحة وعدل وصرف صحي وغيرها.
ورصد التقرير عددا من الاختلالات "الهيكلية" التي تعاني منها هذه الدول، حيث بدأ بدراسة وضعية لبنان، الذي بالرغم من عدم هبوب رياح "الربيع العربي" عليه، إلا أنه يعيش أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة، أعطت المجلة أمثلة على تجلياتها، في انتشار الأزبال في جل مدنه، وسوء الخدمات الاجتماعية.
في بلدان أخرى، كسوريا واليمن، يبدو الوضع أكثر قتامة، بسبب ما يعيشه هذان البلدان من حروب أهلية طاحنة خلال السنوات الأربع الأخيرة، ولذلك يمكن اعتبارهما، تضيف المجلة، أكثر الدول الفاشلة في المنطقة، حيث تم تدمير أكثر من 43 في المائة من البنيات التحتية الخاصة بالمستشفيات والمدارس في سوريا، أما في اليمن فقدت انهار اقتصاده وأصبح يصنف ضمن الدول الأكثر فشلا في المنطقة.
أما في مصر، فلا يختلف الوضع كثيرا، خاصة في ما يتعلق بتردي الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة، حيث أكدت المجلة، استنادا على تقارير دولية صادرة خلال السنوات الأخيرة، أن مدارس "مصر الجديدة" تتذيل التصنيف العالمي حول مؤشرات جودة التعليم، وهذا ما جعل نسب الأمية في هذا البلد ترتفع.
المصدر ذاته، في تحليله لوضعية بلدان الخليج، أكد أنها قامت "بشراء" صمت مواطنيها من خلال تقديم المنح والامتيازات المالية، من أجل أن لا تثور هذه الشعوب، بفضل "توفرها على موارد طبيعية هائلة مقارنة بغيرها من الدول".
وأكد المقال التحليلي المنشور، أن المشاكل التي تغرق فيها دول المنطقة أدت إلى تنامي الجماعات الإرهابية، كـ"تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وغيره من التنظيمات التي اختارت فئة من الشباب أن تدافع عن أفكارها المتطرفة.
في المغرب وتونس، يبدو الوضع مختلفا بشكل كبير، فبالرغم من وجود بعض المشاكل خاصة على مستوى البنيات التحتية في الأرياف بهذين البلدين، إلا أنهما استطاعا أن يكونا أفضل النماذج في المنطقة بفضل الاستقرار الذي ينعمان به، مقابل احتضار مفهوم "الدولة" في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تميز إقليمي
وأكد الباحث في العلوم السياسية، منار اسليمي، أن المغرب استطاع أن يخلق لنفسه مكانة "متميزة" في المنطقة التي أضحت بعض دولها تعيش "حالة من الفشل"، وأخرى مهددة لتكون "دولا فاشلة"، إذ "يأتي المغرب في خانة الدول الأقل خطرا من ناحية الأخطار الأمنية التي تتهددها" على حد تعبيره.
وأوضح اسليمي في تصريح لجريدة "هسبريس"، أنه خلال فترة الاحتجاجات التي شهدتها بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، استطاع المغرب، أن يشرع في القيام بإصلاحات سياسية من أجل الحد من هذه الاحتجاجات مباشرة بعد اندلاعها، في مقابل دول أخرى توقفت فيها الإصلاحات.
وفي ما يخص مسألة تعاطي المغرب مع التهديدات الإرهابية، شدد الباحث في العلوم السياسية، أنه منذ حادث 16 ماي 2003، أصبحت له "مناعة" لمواجهة هذه التهديدات، وهذا ما انعكس على وضعه الأمني، حيث شهد هجمات أخرى متباعدة في الزمن، كان آخرها حادث "أركانة" بمراكش.
وبالرغم من تصنيف المقاتلين المغاربة من بين أكثر الجنسيات حضورا في الجماعات الإرهابية، إلا أن اسليمي يعتقد أن ذلك لم يؤثر على الاستقرار في المغرب، نظرا "لسياسته الأمنية القوية، والتي كان لها دور كبير في تفكيك عدد من الخلايا كانت تخطط لتنفيذ هجمات على عدد من المصالح"، يضيف المتحدث.