أعزائي القراء.. أرحب بكم مجدداً من أرض البرازيل الشاسعة..لنكمل معاً التعرف على أحوال المسلمين هناك في العصر الحديث بعد أن تعرفنا في اللقاء السابق على كيفية دخول المسلمين إلى البرازيل منذ أن ساهموا في اكتشافها وصولاً إلى العصر الحديث، حيث تعد الجالية المسلمة أكبر جالية من حيث العدد في أميركا اللاتينية إذ تقدر بـ مليوني مسلم، ينحدرون من أصول شامية وبعض الجنسيات الأخرى وممن اعتنق الإسلام من أبناء البرازيل .
ماذا عن الهجرات الحديثة إلى البرازيل ؟ بدأت الهجرة الحديثة للعرب إلى البرازيل عام 1867م، بعد زيارة قام بها إمبراطور البرازيل لكل من لبنان وسورية ومصر، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بدأت طلائع المهاجرين الجدد تصل إلى البرازيل من بلاد الشام، أملاً في كسب لقمة العيش، وجمع المال بعد الفقر الذي عانوه في بلادهم، ولقد جاء هؤلاء المهاجرون الجدد بثقافة دينية عبارة عن عاطفة فطرية نحو هذا الدين، الأمر الذي أدى إلى انعكاس هذا الضعف الديني على الجيل الأول، فخرج لا يعرف من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه. وبعد الحرب العالمية الثانية، كثرت هجرات المسلمين إلى البرازيل ولا سيما بعد احتلال فلسطين وما رافق ذلك من توترات سياسية في المنطقة العربية. يشكل المسلمون اليوم في البرازيل ما نسبته 1.5% من مجموع عدد السكان، وأكثر تجمعاتهم في ولايات ساوباولو وريو دي جانيرو وبارانا وريوغراندي دي سول، ولا توجد إحصائيات دقيقة بالنسبة إلى عددهم، إذ تقدر بعض المصادر عدد المسلمين في البرازيل بحوالي مليونين.
ومنذ ذلك الحين بدأ المسلمون يهتمون بشؤونهم الإسلامية كنتيجة حتمية لاستقرارهم في البرازيل، وكان أغلب الذين هاجروا من أصحاب الحرف والمزارعين البسطاء، وقد انصب اهتمامهم في المحافظة على أداء بعض الشعائر الدينية، وتعليم دروس اللغة العربية لأبنائهم، ولذلك لم تنتقل الدعوة الإسلامية خطوات إلى الأمام وظلت أسيره داخل بعض المساجد أو ممارسة بعض العادات والتقاليد.
وغالبية هؤلاء المهاجرين وصلوا من لبنان ثم فلسطين فسورية وبقية البلدان الإسلامية الأخرى. ويتمركزون في ولاية "ساو باولو" حيث يوجد فيها 70 % من المسلمين، ثم ولاية بارانا، ثم بقية الولايات «ريو جراندي، دوسول، باهيا، ريو دي جانيرو ».
الواقع الدعوي في البرازيل: في دراسة قيّمة أعدها فضيلة الأستاذ الشيخ " خالد تقي الدين" رئيس المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل، يشير فيها إلى الواقع الدعوي فيقول: أرض البرازيل واسعة وكذلك أعداد المسلمين الذين يتوزعون على الولايات البرازيلية المختلفة، ونستطيع تشبيه العمل الدعوي فيها مثل المطر الخفيف الذي ينزل على الأرض القاحلة، فمهما قدمت من أعمال دعوية فالبرازيل تحتاج إلى المزيد. ولا يوجد إحصاء دقيق لعدد المؤسسات الإسلامية ولكنها تقدر بـ 80 مؤسسة، وكذلك يقدر عدد المساجد والمصليات بحوالي 110 مسجدا، فيما يبلغ عدد الدعاة والمشايخ 65 شيخا وداعية، ويعجز هذا العدد عن القيام بشؤون المسلمين المختلفة ويحتاج لمزيد من الترتيب والتنسيق والتعاون وتوزيع الأدوار حتى يقوم بهذه المسؤولية العظيمة.
ومن أهم هذه المؤسسات:
المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل هو تجمع يضم علماء ومشايخ ودعاة أهل السنة والجماعة في البرازيل من الدعاة المحليين أو المبتعثين من وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية بالعالم الإسلامي، ويبلغ عددهم 65 شيخا وداعية، تم تأسيسه عام 2005 م، ويعتبر المرجعية العليا للجالية الإسلامية في البرازيل والمسؤول عن النواحي الشرعية، ويهدف إلى رعاية الشؤون الإسلامية الندوة العالمية للشباب الإسلامي المكتب الإقليمي للندوة في أميركا اللاتينية: تم إنشاؤه عام 2001 م، ويرأسه الشيخ جهاد حسن حمادة، ولديهم نشاط في إقامة المحاضرات والمخيمات الشبابية التربوية، واستطاع المكتب إنشاء وقف إسلامي من خلال التبرعات وتوحيد الفتوى، وإنشاء وقف إسلامي، ويتولى رئاسته الشيخ خالد رزق تقي الدين، ومقره في مسجد البرازيل بمدينة «ساو باولو».
وليس للمجلس أي مصدر مالي في الوقت الحاضر سوى بعض التبرعات المحلية لإقامة بعض الأنشطة الدعوية، ويسعى المجلس لإنشاء بيت الزكاة والوقف حتى يتمكن من تمويل المشاريع الإسلامية المختلفة وخصوصا كفالة الدعاة وترجمة وتأليف الكتب الإسلامية والعناية بالمساجد، وتعقد الجالية المسلمة آمالا كبيرة على المجلس لتحقيق الكثير من التطلعات المستقبلية، حيث أن إدارته يتم انتخابها بالاقتراع المباشر وتتكون من أحد عشر شيخا وتتمتع بالاستقلالية والشفافية التامة.
رابطة الشباب المسلم في البرازيل: تم تأسيسها عام 1995م في ضاحية «براس» بمدينة ساو باولو، وهي تجمع شبابي حديث الهجرة للبرازيل، أغلبهم من شمال لبنان «عكار طرابلس»، والمقر به مسجد صلاح الدين وقاعة – للمحاضرات، ومصلى للنساء، إضافة لقاعات للتدريس، رئيس الجمعية الشيخ أسامة الزاهد، ولهم نشاط ملحوظ مع المسلمين الجدد، والرابطة متعاقدة مع الشيخين رودريجو وأحمد الغندور، وتعتمد المؤسسة على الدعم المحلي من تجار المنطقة واستطاعت شراء وقف بمبلغ مليون دولار لتأمين المصاريف المختلفة. إلى جانب العديد من المؤسسات الإسلامية الأخرى، والتي يجمعها ظاهرة النشاط والعمل الدؤوب المنظم إلى حد كبير في خدمة الإسلام والحفاظ على على هوية الجالية المسلمة في البرازيل. وماذا عن المسلمون البرازيليون الجدد ؟
ثم يشير إلى أن معدل انتشار الإسلام في البرازيل يزداد يوما بعد يوم، لكنه أقل بكثير مقارنة بأوروبا وأميركا، ومرد ذلك لعدة أسباب منها، قلة الكتب المترجمة للغة البرتغالية وقلة الدعاة خصوصا الذين يجيدون التحدث باللغة البرتغالية، وافتقاد المؤسسات الإسلامية لمنظومة من البرامج والخطط المتكاملة التي تعنى بشؤون المسلمين الجدد.
ويقدر عدد المسلمين الجدد بحوالي بالآلاف، وهم منحدرون من أصول مختلفة إسبانية وإيطالية وألمانية وأفريقية، ويمثلون شرائح اجتماعية مختلفة فمنهم الأغنياء ومتوسطوا الدخل والفقراء، وبعضهم يحتل مناصب عالية كبعض القساوسة الذين أسلموا، ومدرسي الجامعات، والتجار، ومنهم أصحاب الثقافة المحدودة. وتحظى مدينة ساو باولو بالعدد الأكبر من المسلمين الجدد 60 %، تليها ولاية ريو جراندي دو سول 20 % ثم ولاية بارانا 10 %، ولايات الشمال 5 %، و5 % في أماكن متفرقة. ويتحرك المسلمون الجدد في الدعوة بشكل مرض على وجه العموم، وبعضهم نشط جدا دفعهم هذا النشاط للسفر إلى بعض الدول الإسلامية لدراسة العلوم الإسلامية، ولكنهم لم يستمروا طويلا لأسباب عديدة، منها صعوبة البيئة واختلافها، وصعوبة المناهج وطرق التدريس، وصرامة بعض الجامعات في التعامل مع الطلاب.
مشروع:اعرف الإسلام..! وقد أطلق اتحاد المؤسسات الإسلامية مشروع «اعرف الإسلام» للتعريف بالإسلام يهدف لتوزيع الكتاب الإسلامي باللغة البرتغالية مجانا، من خلال طاولات الدعوة والمعارض السنوية وإرسال الكتب عبر البريد والشحنات للأشخاص والمؤسسات المهتمة للتعريف بالإسلام، وقام بعمل دورات شرعية للمسلمين الجدد وبرامج مجانية للحج والعمرة قدمت خدمات لحوالي 20 من المسلمين الجدد، كما يدعم الاتحاد بعض المؤسسات التي يديرها بعض هؤلاء المسلمين شهريا.
وأخيراً.. ما هو موقف الحكومة البرازيلية من المسلمين ومن الفيلم المسييء للرسول صلى الله عليه وسلم ؟ في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، طلبت وزارة الخارجية الأمريكية من حكومة البرازيل النظر عن كثب إلى الطوائف الإسلامية، بحجة أنها قد تأوى مراكز للإرهاب، فأجابت البرازيل أنها ستدافع عن جميع المواطنين البرازيليين بلا استثناء ضد أي تدخلات أجنبية . كما حظرت محكمة برازيلية بتاريخ 26/9/2012 البث الإلكتروني لفيلم مسيء للإسلام أثار احتجاجات في أرجاء العالم الإسلامي، وأمهلت يوتيوب عشرة أيام لإزالة لقطات من الفيلم من موقعها على الإنترنت، وفي قراره قال القاضي "جيلسون ديلجادو ميراندا": (إن القضية تضع حرية التعبير بجوار الحاجة إلى حماية أفراد ومجموعات من الناس من تصرفات ربما تحرض على التمييز الديني). ووفقا للحكم الذي نشرته صحيفة إستادو دي ساو باولو؛ فإن القاضي خلص إلى أن حظر شيء غير قانوني ينبغي أن لا يؤذي حرية الفكر والتعبير، وجاء القرار الذي أصدرته محكمة في ولاية ساو باولو التي توجد بها جالية كبيرة من المهاجرين من الشرق الأوسط بعد ساعات من انتقاد رئيسة البرازيل "ديلما روسيف" ظاهرة الخوف من الإسلام في الدول الغربية في كلمة لها في الأمم المتحدة. وقد أقام الدعوى القضائية ضد الفيلم المثير للجدل الاتحاد الإسلامي الوطني، وهو إحدى المؤسسات الإسلامية للمسلمين في البرازيل ضد شركة "غوغل" المالكة ليوتيوب لبثها على الإنترنت فيلماً قال إنه مهين وينتهك الحق الدستوري في حرية الأديان .
نسأل الله سبحانه أن يعز الإسلام والمسلمين في البرازيل وفي كل بقاع الأرض..وإلى لقاء قريب إن شاء الله