فاتورة مرتفعة للغاية يدفعها الشعب السوري، على مختلف المستويات، في رحلته التاريخية المباركة للتحرر من الجبروت والاستبداد وحكم الفرد الديكتاتور.
فأرواح السوريين تزهق كل يوم بالعشرات وربما بالمئات، وبيوتهم تهدم، وقراهم تزال من الوجود، ومزارعهم يتم تخريبها، ولا مدارس أو جامعات لأبنائهم، بل هي زنزانات سجون نظام بشار وما يحدث فيها من كل أنواع الانتهاكات.
وفوق ذلك أزمات مستمرة في الكهرباء والمياه والوقود والغذاء، لدرجة أن يفتي العلماء للناس بأكل الدواجن النافقة .. لندرة الغذاء نتيجة للحصار الذي تفرضه قوات النظام.
إزاء هذا الوضع الذي لا يطيقه بشر، بدأ عشرات بل مئات الآلاف من السوريين يهربون من هذا الواقع، من خلال اللجوء للبلاد العربية المجاورة، أو الهجرة إلى الدول الأوروبية، في رحلات مخاطرة بالحياة لا يكاد يصدقها العالم.
لكن لأن المصائب لا تأتي فرادى، بل يتجمع بعضها فوق بعض، فقد بدأ هؤلاء السوريون يتعرضون لمحاولات تنصير، سواء في مقرات لجوئهم في الدول العربية أو في البلاد الأوروبية التي اختاروها لهجرتهم، وهذا كله استغلالًا لأوضاعهم البائسة، فيكون التنصير مقابل الغذاء أو الدواء أو السفر واللجوء الآمن، أو دفع إيجار المسكن، أو الكساء والغطاء .. وهذه وسائل يجيدها أهل الصليب في التبشير بباطلهم.
ففي الأردن، ينتشر دعاة التنصير في الملاجئ التي أوى إليها المنكوبون منهم، وهم في غالبهم من أهل السُّنَّة الفارين من بطش النظام النصيري الذي استباح دماء المسلمين وأعراضهم. وفي مخيمات اللاجئين السوريين بالأردن، يتردد المنصرون على الأسر السورية؛ لإغرائهم بالمال والمساعدات العينيَّة لترك الإسلام والتحول إلى النصرانية.
ففي مقطع فيديو نشر عبر "يوتيوب" قالت إحدى الفتيات السوريات الموجودات بإحدى مخيمات اللاجئين السوريين بالأردن، وبيديها كتب للإنجيل ومجموعة أخرى من الكتب المسيحية التي تدعو إلى اعتناق الديانة المسيحية، قالت: إن مجموعة من المنصرين مروا على أسرهم وأعطوهم كتبًا نصرانية منها الإنجيل. وأضافت: أن موزعي هذه الكتب طلبوا من اللاجئين السوريين مدارستها وحفظها، وبيّنت الفتاة أن من يحفظ أجزاء منها يُصرف له مكافأة نقدية وعينية، إضافة إلى تسديد إيجارات المساكن التي يعيشون بها!!
وقالت الفتاة: "إننا أرامل وأيتام، وقد استغلوا ظروفنا، فهم أرادوا شراء ديننا مقابل المال"!
وبينت الفتاة السورية أن هذه الكتب وزِّعت على أكثر من عشرين عائلة في منطقتهم فقط، وأنهم اضطروا إلى أخذها؛ لكي يحصلوا على المعونة التي وعدوا بها، لتساعدهم على مواصلة العيش، وناشدت الفتاة المسلمين من دعاة ومشايخ إلى التصدي لهذه الحملة التنصيرية التي تستهدف الشعب السوري المنكوب، والتدخل لحمايتهم حتى لا يتحولوا إلى النصرانية.
ونشرت صحيفة الأنباط الأردنية في 19/5/2013م أن رئيس المجمع البابوي للكنائس الشرقية في حاضرة الفاتيكان الكاردينال ليوناردو ساندري التقى عددا من العائلات السورية اللاجئة في الزرقاء، وأشرف على توزيع معونات مقدمة من جمعية الكاريتاس الأردنية الخيرية.
ونقلت صحيفة أحرار برس في 23/5/2013م أن كنيسة الاتحاد بمدينة المفرق الأردنية قد دأبت منذ بداية اللجوء السوري إلى الأردن على توزيع كتب دينية وأناجيل مع الطرود الغذائية التي تقدم للاجئين السوريين مستغلين حاجتهم للمساعدات المادية والغذائية، كما قامت الكنيسة المذكورة بضم بعض أبناء اللاجئين السوريين إلى الصفوف المدرسية ليتلقوا تعاليم الدين المسيحي.
التقارير القادمة من الأردن تؤكد أن حملات التنصير التي ازدادت وتيرتها في الآونة الأخيرة بدأت منذ بداية اللجوء السوري إلى الأردن وفي كل المدن الأردنية تقريبًا، وبالذات المفرق ومخيم الزعتري، حيث النسبة الأكبر من اللاجئين السوريين، ففي كنيسة "الاتحاد" يقوم القس "أبو فادي" وشقيقه "بشارة" وشخص يدعى "عقاب" بتوزيع المساعدات الغذائية لأشخاص محددين يتم التواصل معهم بغرض تنصيرهم، ويتم تزويدهم بنسخ من الإنجيل المقدس وكتيبات دينية تبشر بالنصرانية.
وفي لبنان، تداول نشطاء وعاملون في هيئات إغاثية لبنانية تسجيلا مصورا يظهر قيام داعية مسلم بالكشف عن قيام مجموعة تنصيرية بعمليات تنصير في صفوف اللاجئين السوريين في لبنان.
وبحسب التسجيل المصور فإن مجموعة تنصيرية تابعة للكنيسة القبطية المصرية، ضبطت وهي توزع المساعدات على اللاجئين السوريين مرفقة معها كتبا تنصيرية ونسخا من الإنجيل ونشرات تتحدث عن الديانة المسيحية.
ويظهر التسجيل شيخا وهو يقول إن المجموعة التنصيرية تستغل حاجة الفقراء من النازحين وجهلهم، وتوزع عليها نشرات تنصيرية وقصصا للأطفال تتضمن روايات مسيحية، بينما يرد أعضاء من المجموعة التنصيرية بلهجة مصرية بأن هناك سوء فهم، قبل أن يقوم العاملون في الهيئات الإغاثية بطردهم من المخيم الذي يقع في منطقة عكار شمالي لبنان.
ولم تنف بعض الوجوه النصرانية اللبنانية هذا الأمر, بل قال المحامي أنطوان صفير: إنه لا يوجد نص قانوني يمنع من التبشير الديني ما دام الذي يتم التبشير به لا يتعارض مع القوانين اللبنانية, وأن كل شخص يحق له ممارسة التبشير ...الخ.
أما في أوروبا، فقد بدأت تظهر ملامح وجود حملة وخطة تنصير جديدة بحق اللاجئين السوريين المسلمين الذين يتوافدون إلى ديار الغرب من خلال أكثر من مظهر، منها دعوة البابا فرنسيس كل أسقفية ودير ومأوى في أوربا إلى إيواء عائلة من المهاجرين، فيما أكد أن إبرشيتين في الفاتيكان ستستضيف كل منهما أسرة مهاجرة.
فماذا يمكن أن يكون دافع الأبرشيات والأديرة والكنائس لاستضافة عائلة لاجئة – ومعظمهم مسلمون من أهل السنة – إلا التنصير والترغيب باعتناق النصرانية؟! ولماذا لم تعمل تلك الدول والكنائس على وقف مجازر النظام السوري لكيلا يضطر الناس للنزوج والهروب من الموت؟!
ومن مظاهر وملامح خطة التنصير في أوروبا، اضطرار بعض اللاجئين بألمانيا للذهاب إلى الكنيسة، طلبا للجوء عندهم والمكوث في الكنيسة وعدم الخروج منها أبدا لمدة تتراوح بين 6-18 شهرا، حتى تنقضي مدة البحث القانونية عن ذلك اللاجئ و تسقط مدة اتفاقية دبلن عنهم، وذلك هربا من السلطات التي تحاول العثور عليهم لأجل ترحيلهم بسبب عدم دخولهم بصورة رسمية.
وأعدت وكالة "اسوشيتد برس" تقريرًا عن عمليات تنصير واسعة تتم للاجئين المسلمين بألمانيا، لافتة إلى أن اللاجئين السوريين بدءوا يدخلون على خط التنصير ولكن بإعداد قليلة، إلا إن الإيرانيين والأفغان مازالوا في الصدارة.
وفي أحد عناوين التقرير قالت وكالة أنباء "أسوشيتد برس": "في كنيسة برلين، يتحول اللاجئون المسلمون إلى المسيحية أفواجًا"، وسلطت فيه الضوء على محاولات العديد من اللاجئين المسلمين القادمين من سوريا، وإيران، وأفغانستان، والعراق، وباكستان، الحصول على حق اللجوء الدائم عبر التحول واعتناق الدين المسيحي.
صحيفة الديلي ميل البريطانية، هي الأخرى نشرت تقريرًا عن أن هناك اتجاهًا في كنائس ألمانية لجذب اللاجئين من المسلمين وتنصيرهم، وأن المئات من اللاجئين الأفغان والإيرانيين قد تحولوا بالفعل إلى المسيحية، في كنيسة الثالوث الإنجيلية في برلين، حيث يزعمون بحسب التقرير أنهم تحولوا للمسيحية عن اقتناع، نافين أن يكون تحولهم رغبة في الحصول على حق اللجوء الدائم في ألمانيا.
ونقلت الصحيفة عن أحد القساوسة الألمان ويدعى "مارتنز" قوله بأنه استطاع أن يزيد رعيته في الكنيسة من 150 شخص، قبل عامين، إلى 600 شخص، بفضل تدفق اللاجئين المسلمين الذين اعتنقوا المسيحية في الآونة الأخيرة، حيث بات القس معروفًا بكونه نافذة اللاجئين لتحقيق اللجوء السريع، وهناك كنائس ألمانية أخرى، شهدت زيادة في أعداد اللاجئين المسلمين الراغبين في التحول إلى المسيحية، بيد أنه لا وجود حتى الآن لأرقام أو إحصاءات دقيقة توضح أعداد من تحولوا بالفعل إلى المسيحية.
وإذا كانت حكوماتنا قد صمت آذانها وأغلقت حدودها ابتداءً في وجوه إخواننا من اللاجئين السوريين، وبالتالي فلا يهمها من قريب أو بعيد تنصيرهم أو حتى تهويدهم، فإن المسئولية تقع على عاتق المسلمين (آحاد ومنظمات ومجموعات)، فمن يستطيع أن يقدم العون، فعليه أن يسارع، والعون إما عيني أو نقدي أو دعوي أو بالإشراف والرعاية، وعلى المسلمين في أوروبا أن يفطنوا إلى هذا الهم الإضافي وأن يتقاسموا اللقمة مع إخوانهم اللاجئين وأن يشركوهم معهم في السكن أو يقدموا غاية ما يستطيعون حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.
وليعلم المسلمين أن كفاءة الأمة المسلمة عبر تاريخها لم تكن في حكامها، بل كانت في علمائها وأعيانها وأهل الرأي فيها، فهؤلاء هم من أنشئوا المدارس وعلموا فيها، كما أنشئوا المستشفيات، وأوقفوا الوقف الذي عليه قامت الحضارة.
ونحن نستنفر في أمتنا اليوم هذه الروح، ونذكر المسلمين بأنه من أعظم الذنوب والآثام أن ينجح دعاة الصليب في صرف إخواننا المسلمين – تحت وطأة الحاجة والاضطرار– إلى ضلال التثليث بعد أن منّ الله عليهم بنعمة الإيمان.