بصوت خفيض، ووجه سمح، يطل عالم الدين الشيخ مصطفى البحياوي الإدريسي على ثلة من طلبته وجمهوره في قناة السادسة للقرآن الكريم، كما يقدم دروسا في العلوم الشرعية في عدد من المساجد، غير أن قليلين جدا من يعرفون هذا الشيخ الذي يصفه محبوه وطلبته بالعلامة.
سعيد الكملي (الصورة أعلاه)، شيخ آخر يتحدث فيقنع، ويشرح فيُبهر، تبدو ذاكرة حفظه قوية في شتى متون النحو والصرف والبلاغة والفقه والحديث والقراءات والمنطق والأدب، يشرف على كرسي الإمام مالك بأحد مساجد الرباط، يشرح فيه موطأ الإمام مالك، دون أن يتخلى عن روحه المرحة.
وغيْر البيحاوي والكملي دعاة وعلماء دين مغاربة عُرفوا بسعة الاطلاع، وقوة الإدراك، ومتانة الحفظ، وغزارة المعرفة في مختلف أصناف العلوم الشرعية والدينية، غير أن قليلا من المغاربة من يعرفهم، ما يطرح سؤال التأثير الذي يمارسه عالم الدين على مجتمعه، ومدى تقدير المجتمع لعلمائه ودعاته.
ويعزى ضعف إشعاع علماء دين مغاربة لدى الجمهور الواسع، بخلاف نجوم الرياضة والفن والإعلام والسياسة، إلى عوامل ذاتية وموضوعية، فمن هؤلاء العلماء من يكرهون الظهور والأضواء، ويفضلون العمل في صمت وتؤدة، لكن منهم أيضا من يجهلون ما للإعلام من تأثيرات قوية، فرُب جمهور أمام قناة فضائية بالملايين، أفضل من جمهور في مسجد لا يتجاوز العشرات القليلات.
مسارات وسير
الشيخ البحياوي ولد بمراكش، وحفظ القرآن الكريم في صغره على يد والده رحمه الله بروايتي قالون وورش، وأخذ عنه مبادئ العلوم من عربية وفقه وتفسير وأداء، حيث نشأ في بيت علم وبيئة تحتفي بالعلم والعلماء، وفق ما أورده الموقع الإلكتروني الذي يحتفي بسيرته ومساره.
وجالس الشيخ البيحياوي في بيت والده كبار علماء مراكش، وأخذ عنهم وناقشهم، واستفاد من مناظراتهم العلمية والأدبية، وحضر دروسهم الخاصة والعامة. وهو عالم قراءات متقن، فتح الله عليه في فنون عديدة، ويتمتع بخصال حميدة وطباع، وتخرج على يديه ثلة من القراء والمشايخ والدعاة وطلبة العلم والفضلاء في مراكش وطنجة.
ويشارك الشيخ البيحياوي، الذي اتخذ طنجة مقاما له، كل سنة في منتدى الإسلامي للشارقة الذي ينظم مجلسا لقراءة كتاب الموطأ للإمام مالك رضي الله عنه، حيث يلقي دروسا ومحاضرات في الفترة بين 28 فبراير على حدود 12 مارس المقبل بإمارة الشارقة بالإمارات.
وأما الشيخ سعيد الكملي فتلقى تعليمه الثانوي بالرباط، وحصل على شهادة الماستر في تسيير وإدارة المقاولات السياحية من المعهد العالي الدولي للسياحة بطنجة، ثم التحق بجامعة محمد الخامس بالرباط، فحصل على شهادة العالمية ثم شهادة الماجستير، بأطروحة عنوانها "الأحكام الشرعية في الأسفار الجوية".
حفظ الكملي كتاب الله، وكان يسافر طيلة 6 سنوات، كل أسبوع لمدينة مراكش، عند الشيخ المقرئ، عبد الرحيم النبولسي، فحصل على إجازته في القراءات العشر، كما قام أيضا بالتدريس في شعبة الدراسات الإسلامية بجامعة محمد الخامس بالرباط ، وكانت دروسه في الفقه والحديث والمواريث والنحو والأصول والأدب.
مكانة عالم الدين
ويقول في هذا الصدد الدكتور محمد بولوز، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إنه "لا يخفى ما للعلماء وأهل الفضل من مكانة عالية، في ميزان الله وعند عباده المؤمنين، وما لهم من قدر عظيم، ودور رائد في مجتمعاتهم، فالعلماء مصابيح الدجى، وبعلمهم يستقيم السير في دروب هذه الحياة".
وتابع بولوز، في تصريحات لهسبريس، بأن أهل الفضل بركة على مجتمعهم، بهم ترسخ القيم وتثبت الأصول"، مضيفا أنه "لا يخفى فضل أهل العلم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد ضرب الصحابة الكرام أروع الأمثلة في توقير ذوي السابقة والعلم فيهم".
وأوضح الواعظ بمشاجد الرباط بأنه "كلما بقيت المكانة عالية لعلوم الشرع والدين في حياة الأفراد والجماعات والمؤسسات، كانت مكانة العلماء مرموقة سامقة"، مبرزا أنه بالمقابل "إذا ضعف ذلك في الناس ضعف اعتبار العلماء، وضعف شأنهم فيهم" وفق تعبيره.
وتطرق بولوز إلى مكانة العلماء العظيمة في زمن سلف الأمة الخيرين، وضرب مثالا بابن عباس رضي الله عنه، كان ذات يوم يمشي، فإذا به يقابل زيد بن ثابت، أحد كتاب الوحي وأحد علماء المدينة في الفقه والقضاء والفرائض، فلما هم زيد بالركوب، إذا بابن عباس يأخذ بزمام دابته، فقال له زيد: خل عنه يا ابن عم رسول الله، فقال ابن عباس : "هكذا يفعل بالعلماء والكبراء".
العلماء والأضواء
وجوابا على سؤال بشأن ضعف مكانة عالم الدين في المجتمع، قال بولوز إنه "لما ضعفت في الناس معاني وقيم توقير الموقعين عن الله، أي العلماء، ضعف تقديرهم واحترامهم"، مضيفا أن "سيطرة العلمانية على دواليب الأمور والمؤسسات كان له دور كبير في تهميش العلماء".
واسترسل المتحدث بأنه "سار في الركب والواجهة قوم آخرون يحتفون بأهل الفن بمختلف أصنافه وأشكاله، وأهل الرياضة بمختلف أنواعها، وأما العلماء فلا يكاد يسمع بهم إلا النزر اليسير من الناس"، مضيفا أن "العلماء يتفاوتون من جهة الأثر والإشعاع، لعدة عوامل ذاتية وموضوعية".
ويشرح بولوز بأن بعض العلماء يكره الأضواء والبروز، ويفضل العمل الهادئ الرصين في التدريس، وبث العلم وتكوين الخلف، أو الانشغال في مشاريع التصنيف والتأليف، وآخرون تتاح لهم فرص المنابر الرسمية وغير الرسمية، أو يتهيأ لهم تلاميذ نجباء متحمسون لهم ينشرون دروسهم وأفكارهم وكتبهم".
وخلص المتحدث بأن "المهم هو الإخلاص وسلامة القصد والمنهج، وإنما هي أرزاق يدبرها المولى عز وجل كيف يشاء، وكذلك الأمر كان في التاريخ علماء تهيأت لهم ظروف الشهرة، وانتشار المذهب، وآخرون لم يتيسر لهم ذلك، فبقي ذكرهم عند الناس خاملا، وإن كانت مكانتهم عند الله عظيمة".