هل هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ليرسي قواعد الوطن والأرض؟
سؤال الفتوى:
سمعت من أحد الناس بأن النبي صلى الله عليه وسلم هاجرمن مكة إلى المدينة ليرسي قواعد الوطن والأرض فهل هذا الكلام صحيح؟ وجزاكم الله خيراً
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أولاً:
من قال هذا فهو جاهل كاذب وعليه الاستغفار والتوبة إلى الله تعالى لأنه نعت النبي صلى الله عليه وسلم بصفة من صفات أهل الجاهلية ، برفع لواء الانتماء إلى الأرض والطين والتراب، بدل الانتماء لهذا الدين ورفع لواءه، والدعوة إلى توحيد رب العالمين.
إن من صفات الجاهلية الأولى والتي أصابت الأمة الآن التعصب للوطن والعشيرة والقبيلة والتفاخر بالأحساب والأنساب وهذا مما حرمه الشرع وذمه أشد الذم.
عن الحارث الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلمقال:(ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم) قالوا : يا رسول الله ، وإن صام وإن صلى قال وإن صام وإن صلى وزعم أنه مسلم، فادعوا المسلمين بأسمائهم بما سماهم الله عز وجل المسلمين المؤمنين عباد الله عز وجل) أخرجه أحمد وأبي شيبة.
عن جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( ليس منا من دعا إلي عصبيةٍ، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبيةٍ ). أخرجه أبو داود في سننه وإسناده ضعيف . لكن يشهد له حديث أبي هريرة في صحيح مسلم.
ثانياً:
الذي اطلع على السيرة النبوية والتاريخ، والذي يعرفه عامة المسلمين وخاصتهم، أن من أسباب الهجرة من مكة إلى المدينة تكذيب قريش للنبي صلى الله عليه وسلم ومحاربته والاجتماع على قتله هو والفئة الموحدة المؤمنة القليلة التى كانت معه في مكة والتضيق عليهم والإذاء لهم.
ذكر الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: " تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم : إذا أصبح فاثبتوه بالوثاق- يريدون النبي صلى الله عليه وسلموقال بعضهم :بل اقتلوه .وقال بعضهم بل أخرجوه. فأطلع الله نبيه على ذلك؛ فبات علي-رضي الله عنه- على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلموخرج النبي حتى لحق بالغار. وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبي فلما أصبحوا ثاروا إليه, فلما رأوه عليا رد الله- تعالى- عليهم مكرهم، فقالوا : أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري ! فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم، فصعدوا في الجبل, ومروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاث ليال".
قلت: ومن هذه القصة يتضح لنا بأن الهجرة من مكة واختيار المدينة، وحي وأمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم حتى يستطيع أن يبلغ دين ربه تعالى في أمان من مكر المشركين له.
ثالثاً:
على المسلمين أن يتقوا الله تعالى في دينه ولا يتكلمون فيه إلا بعلم وعن دراية، فهذا دين الله تعالى لا يصلح أن يخرج علينا كل يوم إما ناعق أو جاهل أو عالم مفتون يُخرب في هذا الدين ويلوي النصوص إما بالتأويل أو بالتحريف. والذي اتعجب منه لماذا تحترمون التخصص في كل العلوم الدنيوية، وفي علوم الدين يخوض فيه من يخوض بدون علم أوضابط وبلا رقيب ومحاسب؟!
قال تعالى : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) الأعراف:33.
والمفتي بغير علم يقول على الله ما لا يعلم ، وقد قرن الله تعالى تحريم ذلك بتحريم الإشراك به ، مما يدل عل عظم ذنب من قال على الله ما لا يعلم .
قال ابن القيم رحمه الله: وقد حرم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء ، وجعله من أعظم المحرمات ، بل جعله في المرتبة العليا منها فرتب المحرمات أربع مراتب :
وبدأ بأسهلها وهو الفواحش .
ثم ثَنَّى بما هو أشد تحريما منه وهو الإثم والظلم .
ثم ثَلَّث بما هو أعظم تحريما منها وهو الشرك به سبحانه .
ثم ربَّع ما هو أشد تحريما من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم ، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه .
ومما يدل أيضا على أنه من كبائر الإثم قول الله تعالى : (وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النحل:116-117.
فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه ، وقولهم لما لم يحرمه : هذا حرام ، ولما لم يحله : هذا حلال، وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا بما علم أن الله سبحانه وتعالى أحله وحرمه " انتهى.
والله تعالى أعلى وأعلم
التعديل الأخير تم بواسطة محمد فرج الأصفر ; 08-23-2020 الساعة 08:15 PM.