ما هو حكم خروج المرأة متعطرة ؟ والرد على شوقي علام وآمنة نصير
سؤال الفتوى:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الدكتور شوقي علام ، إن التعطر للرجال والنساء يدخل في حيز النظافة ومظهر الإنسان، مؤكدا أنه لابد أن يعيش الإنسان نظيف، وهذه مطلوبات شرعية. و التعطر للمرأة يعني الظهور بسلوك حضارى، مشيرا إلى أن استخدام العطور بالنسبة للمرأة لابد وأن يكون غير ملفت، حيث إنه لابد أن يكون هناك اعتدال في استعمال العطور. وقالت في هذا الشأن "هاتفيًا"، النائبة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، عضو مجلس النواب، إن تعطر المرأة خارج منزلها "جائز"، طالما لم يقصد من ورائه هدف معين، مثل فتنة الرجال، أو إعطاء موعد لشخص كما كان يحدث في الجاهلية، مضيفة أن التعطر بشكل عام لإزالة الروائح الكريهة أو لانعاش النفس مستحب وجائز. وأضافت آمنة نصير في تصريحات إن الكثيرون يخطئون في تفسير الأمر الخاص بتعطر المرأة خارج المنزل، موضحة أن التعطر بالجاهلية كان يقصد به لفت النظر، وجذب الرجال، وكانت نساء ذلك الزمان لا يملكون وسائل للتواصل، فكانت المرأة تتفق بالمكاتبة مع أحد الرجال عن طريق وضعها عطر مميز، وهو ما تسبب في تحريم تعطر النساء في ذلك الوقت. فبرجاء الرد على هذا الكلام؟ وجزاك الله خيراً.
< جواب الفتوى >
وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته
أولاً:
الشيخ عفى الله عنا وعنه له فتاوى يخالف فيها الأصول المتعارف عليها بين أهل العلم. قال الإمام مالك رحمه الله: "كلٌ يُؤخذ من كلامه ويُرد إلا صاحب هذا القبر"
ويقصد بقول مالك بأن كلٌ يؤخذ من قوله ما وافق الدليل، ويُرد عليه ما خالف الدليل، وهذا فقط دون المسائل العقدية لأنها مسلًمة مبنية على التوقيف وليس فيها خلاف. أما المسائل الفقهية الاجتهادية فيتبع فيها ما وافق الدليل.
ثانياً:
القاعدة الأصولية: "لا مساغ للاجتهاد في مورد النص" قاعدة فقهية جليلة القدر، عظيمة المنفعة، تندرج تحتها كثير من الفروع الفقهية. والمراد من القاعدة الفقهية المشار إليها، أنه: "لا يصح اجتهاد في حكم مسألة، ورد بشأنها نًص صريح من الكتاب، أو السنة الصحيحة، أو الإجماع الثابت".
ولقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن خروج المرأة متعطرة من بيتها، واعتبر أن المرأة إذا خرجت كذلك كانت زانية والأحاديث الدالة على ذلك متعددة صحيحة ثابتة رواها العدول عن العدول حتى دونت في دواوين السنة.
ومن ذلك ما رواه الترمذي في سننه، عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس، فهي كذا وكذا، يعني زانية" حسن، أخرجه الترمذي.
وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية" أخرجه الحاكم ، والنسائي والدارمي وابن حبان وصحيح ابن خزيمة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الآخِرَةَ" أخرجه مسلم في الصلاة.
وعنه أيضاً قال: قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ لَمْ تُقْبَلْ لَهَا صَلَاةٌ حَتَّى تَغْتَسِلَ" اخرجه ابن ماجه في الفتن.
وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ، وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ" أخرجه أحمد وابن حبان. ومعنى «تفلاتٍ» أي: "تاركاتٍ للطِّيب".
ثالثاً:
أما ما قالته هذه المخرفة آمنه نصير من عله النهى في الأحاديث كلام باطل مردود عليها. لقد نهت الشريعةُ الإسلامية عن وضع العطر، والطيب للنساء عند غير محارمهنّ من الرجال، وذلك بسبب الأثر السّيء الذي يوقعه الطيبُ في قلوب الرجال، وهذا يقع في أي زمان ومكان فمن يخصصه بزمن الجاهلية فهو جاهل جهول لم يشم رائحة العلم.
والقاعدة الأصولية تقول: " الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً " وهذه القاعدة
يدل عليها كلُّ دليل دال على العلية، فإن معنى كون الوصف علة أن يثبت الحكم بوجوده، وينتفي بانتفائه. وحيث أن العلة في نهي تعطر النساء عند الخروج من بيتهن، لعدم صرف قلوب الرجال لهن، ويكون سبب من أسباب الفتنة. فالحكم هنا لا ينتفى بل ثابت بثبوت العلة.
فلا يجب أن يسمع لهذه المرأة ، التي خرجت علينا بدين جديد تنكر فيه بعض أحكام الشريعة من باب الفلسفة التي تخصصت فيها، وما تقوله هذه المرأة إما عن جهل بالدين أو ضلال مبين وهوى في القلب، واعتقد بأنه الاثنين معاً.
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ» رواه مسلم.
رابعاً:
استعمال المرأة للطيب له حالات مختلفة، ويختلف حكمها بحسبها :
الحالة الأولى :استعماله للزوج .فهو مستحب مندوب ، لأنه من حسن المعاشرة بالمعروف ، وهو أدعى لزيادة المودة بين الزوجين ، وتأكيد المحبة بينهما ، وذلك حين يعتني كل منهما بما يحبه الآخر . ولهذا كان من وصايا نساء العرب لبعضهن : إياك أن تقع عين زوجك على شئ لا يستملحه ، أو يشم منك ما يستقبحه " .
الحالة الثانية :وضع الطيب والخروج به بقصد أن يجد ريحَه الرجالُ الأجانبُ فهذا محرم، بل من كبائر الذنوب .
الحالة الثالثة :أن تصيب من الطيب والعطر وتخرج ، ويغلب على ظنها أنها ستمر بمجامع يجد فيها الرجال من طيبها وريحها ، فهذا فعلٌ محرم أيضا وإن لم تقصد فتنة الرجال أو لم يكن ذلك في نيتها ، لأن الفعل فتنةٌ في نفسه ، وقد جاء في الشرع أيضا ما يدل على تحريمه والمنع منه .يقول الله عز وجل:( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور:31
فنهى المرأة عن إبداء زينتها للرجال الأجانب، والطيب من زينتها ولا شك، فيدخل في النهي والتحريم .
الحالة الرابعة :أن تصيب من العطر والطيب ويغلب على ظنها أن طيبها لن يصل مجامع الناس ، ولن يجد شيئا منه الرجال ، كأن تخرج في سيارة زوجها في رحلة في مكان خلاء ، أو لزيارة أهلها ، أو تخرج في سيارة زوجها لأحد مجامع النساء الخاصة ، أو تخرج إلى المسجد في السيارة وتنزل على باب مصلى النساء المفصول كلية عن الرجال ، ثم ترجع بسيارة مباشرة دون المرور في الطرقات ، ونحو ذلك من الحالات التي لا تتوقع المرأة فيها أبدا مرورها بشيء من طرقات المسلمين، وكان غرضها من تطيبها هو التنظف العام الذي أمرت به الشريعة، فلا حرج عليها من استعمال الطيب حينها، لعدم تحقق علة التحريم التي هي مظنة أن يصيب طيبها الرجال .انتهى