هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العُزَّى بن رِيَاح بن عبد الله بن قُرْط بن رِزَاح بن عدي بن كعب بن لؤي،
وأمه فاطمة بنت بَعْجَة بن أمية بن خويلد بن خالد بن المعمَّر بن حيان، من خزاعة،
وكنية سعيد أبو الأعور، وهو ابن عم عمر بن الخطاب وصهره، كانت تحته فاطمة بنت الخطاب، وكانت أخته عاتكة بنت زيد بن عمرو تحت عمر بن الخطاب.
خبر زيد بن عمرو بن نفيل
أخرج ابن سعد في الطبقات بسنده عن عامر بن ربيعة قال : كَانَ وَالِدُهُ زَيْدُ بنُ عَمْرٍو مِمَّنْ فَرَّ إِلَى اللهِ مِنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ ، وَسَاحَ فِي أَرْضِ الشامِ يَتَطَلَّبُ الدِّيْنَ القَيِّمِ، فَرَأَى المسيحيين وَاليهود، فَكَرِهَ دِيْنَهُمْ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي عَلَى دِيْنِ إبراهيم، وَلَكِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِشَرِيْعَةِ إِبْرَاهِيْمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- كَمَا يَنْبَغِي، وَلاَ رَأَى مَنْ يُوْقِفُهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّجَاةِ"
وقال : يا عامر، إني خالفت قومي، واتبعت ملة إبراهيم وماكان يعبد وإسماعيل من بعده ، وكانوا يصلون إلى هذه القبلة ، فأنا أنتظر نبيًا من ولد إسماعيل يبعث ، ولا أُراني أُدْركُهُ ، وأنا أومن به وأصدقه ، وأشهد أنه نبي ، فإن طالت بك مدة فرأيته فأقرئه مني السلام ،
قال عامر: فلما تنبأ رسول الله أسلمت وأخبرته بقول زيد بن عمرو، وأقرأته منه السلام فرد عليه رسول الله ورَحَّمَ عليه، وقال: «وَلَقَدْ رَأَيْته فِي الْجَنَّة يَسْحَب ذُيُولًا». قَالَ سَعِيْدٌ: "فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّ أَبِي كَانَ كَمَا قَدْ رَأَيْتَ وَبَلَغَكَ، وَلَو أَدْرَكَكَ لآمَنَ بِكَ وَاتَّبَعَكَ، فَاسْتَغْفِرْ لَهُ. قَالَ : (نَعَم، فَأَسْتَغْفِرُ لَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ).
قالَ اللَّيْثُ كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ :
رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ يَقُولُ : يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ ، وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي .
وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ : إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ لَا تَقْتُلْهَا ، أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا ؛ فَيَأْخُذُهَا ، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا : إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا . رواه البخاري (3828) .
قال: وسئل عنه النبي فقال: «يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ». وقد ذكر عن سعيد بن المسيب أنه ذكر زيد بن عمرو بن نفيل فقال : توفي وقريش تبني الكعبة قبل أن ينزل الوحي على رسول الله بخمس سنين، ولقد نزل به وإنه ليقول : أنا على دين إبراهيم، فأسلم ابنه سعيد بن زيد أبو الأعور واتبع رسول الله ، وأتى هو وعمر بن الخطاب رسولَ الله فسألاه عن زيد بن عمرو فقال رسول الله : «غَفَرَ اللَّه لَهُ وَرَحِمه ، فَإِنَّهُ مَاتَ عَلَى دِين إِبْرَاهِيم».
قال : فكان المسلمون بعد ذلك اليوم لا يذكره ذاكر منهم إلا ترحم عليه واستغفر له، ثم يقول سعيد بن المسيب : رحمه الله وغفر له.
ذكر إسلام سعيد بن زيد وجهاده
أسلم سعيد بن زيد قبل دخول النبي دار الأرقم وقبل أن يدعو فيها، وساق ابن سعد في طبقاته قال : لما هاجر سعيد بن زيد إلى المدينة نزل على رفاعة بن عبد المنذر أخي أبي لبابة.
وقال : آخى رسول الله بين سعيد بن زيد ورافع بن مالك الزَّرَقي، بينما قال ابن الأثير في أسد الغابة: آخى رسول الله بينه وبين أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه . لم يشهد بدرًا رضي الله عنه، وذلك لأنه كان قد أرسله رسول الله هو وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قبل خروجه من المدينة بعشر يتحسَّسَان خبر العير، فبلغا الحوراء، فلم يزالا مقيمين هناك حتى مَرَّتْ بهم العير، فَتَسَاحَلَتْ، فبلغ نبي الله الخبر قبل مجيئهما، فَنَدَبَ أصحابه وخرج يطلب العير، فتساحَلَتْ وساروا الليل والنهار، ورجع طلحة وسعيد إلى المدينة ليخبرا رسول الله الخبر، ولم يعلما بخروجه، فقدما المدينة يوم الوقعة ببدر، فخرجا من المدينة ليلحقا برسول الله ، فلقياه بتُرْبَانَ بين مَلَلَ والسَّيَّالة منصرفًا من بدر، فلم يشهد طلحة وسعيد الوقعة، وضرب لهما رسول الله بسهمانهما وأجورهما ببدر، فكانا كمن شهدها. وشهد سعيد رضي الله عنه مع رسول الله أحدًا والخندق والمشاهد كلها. وقال ابن الأثير في أسد الغابة : وقال سعيد بن جبير : كان مقام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد ؛ كانوا أمام رسول الله في القتال، ووراءه في الصلاة. وقف زيد بن عمرو بن نفيل بعيداَ عن زحمة الناس يشهد قريشاً وهي تحتفل بعيد من أعيادها , فرأى الرجال يلفون العمائم السندسية الغالية , و يختالون بالبرود اليمانية الثمينة , و أبصر النساء والولدان وقد لبسوا زاهي الثياب وبديع الحلل , ونظر إلى الأنعام يقودها الموسرون , بعد أن حلوها بأنواع الزينة , ليذبحوها بين أيدي الأوثان .
فوقف مسنداً ظهره إلى جدار الكعبة وقال : يا معشر قريش ... الشاة خلقها الله , وهو الذي أنزل لها المطر من السماء فرويت , وأنبت لها العشب من الأرض فشبعت , ثم تذبحونها على غير اسمه , إني أراكم قوماً تجلهون !!
فقام إليه عمه الخطاب والد عمر بن الخطاب , فلطمه , و قال : تباً لك , مازلنا نسمع منك هذا الكلام السفيه ونحتمله , حتى نفد صبرنا,
ثم أغرى به سفهاء قومه فآذوه, ولجوا في إيذائه , حتى نزح عن مكة و التجأ إلى جبل حراء , فوكل به الخطاب طائفة من شباب قريش, ليحولوا
بينه وبين دخول مكة, فكان لا يدخلها إلا سراً .
ثم إن زيد بن عمرو بن نفيل اجتمع في غفلة من قريش إلى كل من ورقة بن نوفل , وعبدالله بن جحش, وعثمان بن الحارث, و أميمة بنت عبد المطلب عمة محمد بن عبدالله , وجعلوا يتذكرون ما غرقت فيه العرب من الضلال ؛
فقال زيد لأصحابه : إنكم والله لتعلمون أن قومكم ليسوا على شيء, و أنهم أخطأوا دين إبراهيم وخالفوه, فابتغوا لأنفسكم ديناً تدينون به, إن كنتم ترومون النجاة.فهب الرجال الأربعة إلى الأحبار من اليهود والنصارى وغيرهم من أصحاب الملل , يلتمسون عندهم الحنيفية دين إبراهيم .أما ورقة بن نوفل فتنصَّر . وأما عبدالله بن جحش, وعثمان بن الحارث فلم يصلا إلى شيء .
وأما زيد ين عمرو بنقال زيد بن عمرو : وَقَفْتُ على اليهودِيَّة والنَّصْرانِيَّة فأعْرَضْتُ عنهما، إذْ لم أجِدْ فيهما شيئاً أطْمَئِنُّ إليه - طبْعاً بعد أنْ حُرِّفَ كلٌّ منهما- وجَعَلْتُ أضْرِبُ في الآفاق بحْثاً عن مِلَّة إبراهيم، حتى صِرْتُ إلى بلاد الشام، فَذُكِرَ لي راهِبٌ له علْمٌ من الكِتاب، فأَتَيْتُه وقَصَصْتُ عليه أمْري ،
فقال : أراك تُريدُ دين إبراهيم يا أخا مكَّة ، قُلْتُ : نعم، وذلك ما أبْغي ، فقال : إنَّك تطْلب ديناً لا وجود له اليوم، ولكِنَّ الحق بِبَلَدِك، فإنَّ الله يبْعَثُ مِن قَوْمِك مَن يُجَدِّدُ دين إبْراهيم، فإنْ أدْرَكْتَهُ فالْتَزِمْهُ .
فقفل زيد راجعاً إلى مكة يحث الخطى التماساً للنبي الموعود . ولما كان في بعض طريقه بعث الله نبيه محمداً بدين الهدى والحق ؛ لكن زيداً لم يدركه إذ خرجت عليه جماعة من الأعراب فقتلته قبل أن يبلغ مكة, وتكتحل عيناه برؤية رسول الله . وفيما كان زيدٌ يلفظ أنفاسه الأخيرة رفع بصرة إلى السماء وقال :
اللهم إن كنتَ حرمتني من هذا الخير فلا تحرم منه ابني (سعيداً) .
وشاء الله سبحانه أن يستجيب دعوة زيد , فما إن قام الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو الناس إلى الإسلام حتى كان سعيد بن زيد في طليعة من آمنوا بالله , وصدقوا رسالة نبيه . ولاغرو ؛ فقد نشأ سعيد في بيت يستنكر ما كانت عليه قريش من الضلال, ورُبِّيَ في حجر أبٍ عاش حياته وهو يبحث عن الحق ... ومات وهو يركض لاهثاً وراء الحق ... ولم يسلم سعيدٌ وحده, وإنما أسلمت معه زوجته فاطمة بنت الخطاب أخت عمر بن الخطاب.
وقد لقي الفتى القرشي من أذى قومه ما كان خليقاً أن يفتنه عن دينه ؛ ولكن قريشاً بدلاً من أن تصرفه عن الإسلام استطاع هو وزوجه أن ينتزعا منها رجلاً من أثقل رجالها وزناً , وأجلهم خطراً ... حيث كانا سببا في إسلام عمر بن الخطاب .
وضع سعيد بن زيد طاقاته الفتية كلها في خدمة الإسلام إذ أنه أسلم و سنه لم تجاوز العشرين بعد, فشهد مع رسول الله المشاهد كلها إلا بدراً , فقد غاب عن ذلك اليوم لأنه كان في مهمة كلفه إياها النبي عليه الصلاة والسلام . وأسهم مع المسلمي في استلال عرش كسرى وتقويض ملك قيصر , وكانت له في كل موقعة خاض غمارها المسلمون مواقفُ غرٌّ مشهودةٌّ , وأياد بيض محمودة . ولعل أروع بطولاته, تلك التي سجلها يوم اليرموك , فلنترك له الكلام ليقص علينا طرفاً من خبر ذلك اليوم ,
قال سعيد بن زيد :لما كان يوم اليرموك كنا أربعاً وعشرين ألفاً أو نحواً من ذلك, فخرجت لنا الروم بعشرين ومائة ألف , وأقبلوا علينا بخطى ثقيلة كأنهم الجبال تحركها أيدٍ خفيةٌ, وسار أمامهم الأساقفة والبطارقة والقسِّيسون يحملون الصلبان وهم يجهرون بالصلوات ؛ فيرددها الجيش من ورائهم وله هزيم كهزيم الرعد .
فلما رآهم المسلمون على حالهم هذه , هالتهم كثرتهم, وخالط قلوبهم شيءٌ من خوفهم .عند ذلك قام أبو عبيدة بن الجراح يحض المسلمين على القتال , فقال :
عباد الله, انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ...عباد الله, اصبروا فإن الصبر منجاة من الكفر, ومرضاة للرب ومدحضة للعار وأشرعوا الرماح, واستتروا بالتروس, والزموا الصمت إلا من ذكر الله عز وجل في أنفسكم, حتى آمركم إن شاء الله.
قال سعيد : عند ذلك, خرج رجل من صفوف المسلمين وقال لأبي عبيدة :
إني أزمعت على أن أقضي أمري الساعة, فهل لك من رسالة تبعث بها إلى رسول الله ؟!فقال أبو عبيدة : نعم , تقرئه مني ومن المسلمين السلام , وتقول له: يا رسول الله, إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً . قال سعيد : فما إن سمعت كلامه ورأيته يمتشق حسامه , ويمضي إلى لقاء أعداء الله, حتى اقتحمت إلى الأرض , وجثوت على ركبتي, و أشرعت رمحي وطعنت أول فارس أقبل علينا, ثم وثبت على العدو وقد انتزع الله كل ما في قلبي من الخوف فثار الناس في وجوه الروم وما زالوا يقاتلونهم حتى كتب الله للمؤمنين النصر .
شهد سعيد بن زيد بعد ذلك فتح دمشق , فلما دانت للمسلمين بالطاعة, جعله أبو عبيدة بن الجراح والياً عليها , فكان أول من ولي إمرة دمشق من المسلمين وفي زمن بني أمية وقعت لسعيد بن زيد حادثة ظل أهل يثرب يتحدثون بها زمناً طويلاً .
ذلك أن أروى بنت أويس زعمت أن سعيداً بن زيد قد غصب شيئاً من أرضها وضمها إلى أرضه, وجعلت تلوك ذلك بين المسلمين وتتحدث به, ثم رفعت أمرها إلى مروان بن الحكم والي المدينة المنورة, فأرسل إليه مرواناً أناساً يكلمونه في ذلك, فصعب الأمر على صاحب رسول الله وقال : يرونني أظلمها !! كيف أظلمها ؟! وقد سمعت رسول الله يقول : (مَنْ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ طَوَّقَهُ اللَّهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) .. اللهم إنها قد زعمت أني ظلمتها, فإن كانت كاذبةً, فأعم بصرها, و القها في بئرها الذي تنازعني فيه , وأظهر من حقي نوراً يبين للمسلمين أني لم أظلمها .
يمض على ذلك غير قليل, حتى سال وادي العقيق في المدينة بسيل لم يسل مثله قط, فكشف عن الحد الذي كانا يختلفان فيه , وظهر للمسلمين أن سعيداً كان صادقاً . ولم تلبث المرأة بعد ذلك إلا شهراً حتى عميت, وبينما هي تطوف في أرضها تلك, سقطت في بئرها . ولاعجب في ذلك, فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول : (اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كان كَافِراً فإنه ليس دُونَهَا حِجَابٌ).
فكيف إذا كان المظلوم سعيدَ بن زيد, أحد العشرة المبشرين بالجنة ؟!
موت سعيد بن زيد رضي الله عنه
قال الذهبي : روى غير واحد عن مالك قال : مات سعيد بن زيد وسعد بن أبي وقاص بالعقيق .
وقال الواقدي: توفي سعيد بن زيد سنة إحدى وخمسين، وهو ابن بضع وسبعين سنة ،
وقيل: توفي سنة ثمان وخمسين بالعقيق، وخرج إليه ابن عمر رضي الله عنهما ، فغسله وحنطه وصلى عليه ،
وقالت عائشة بنت سعد بن أبي وقاص : غَسَّلَ سعيدَ بنَ زيدٍ سعدُ بنُ أبي وقاص وحنطه، ونزل في قبره سعدُ بن أبي وقاص وابن عمر، وصلى عليه ابن عمر .