الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : أما بعد
فأيها المحب ... اللسان وما أدراك ما اللسان ... هو نعمة من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبة .. صغير جرمه عظيم طاعته وجرمه .. إذ باللسان يستبان الكفر والإيمان ...
اللسان رحب الميدان .. واسع المجال .. هو ترجمان القلوب والأفكار .. آلة البيان وطريق الخطاب .. له في الخير مجال كبير وله في الشر باع طويل .. فمن استعمله للحكمة والقول النافع .. وقضاء الحوائج .. وقيده بلجام الشرع .. فقد اقر بالنعمة ووضع الشيء في موضعه .. وهو بالنجاة جدير.. ومن أطلق لسانه وأهمله .. سلك به الشيطان كل طريق .. ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ... بل أن جوارح الإنسان كلها مرتبطة باللسان في الاستقامة والاعوجاج .. روى الأمام الترمذي وحسنه الألباني عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا اصبح ابن أدم فان الأعضاء كلها تكفر اللسان ـ أي تخضع له ـ فتقول : اتق الله فينا فإنما نحن بك فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا "
تأمّل يرعاك الله في هذا الحديث العظيم ... في "الصحيحين " من حديث أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات وان العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في نار جهنم "
ومن هنا جاء التأكيد العظيم على حفظ اللسان .." ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد" ومن هنا أيضا جأت تلك الوصية العظيمة ... " يا معاذ كف عنك هذا وأخذ بلسانه .. وهل يكب الناس ا في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم " .....
ولعظم هذا الآمر فقد ضرب السلف أروع الأمثلة في حفظهم لألسنتهم : فهذا أبو بكر صديق هذه الأمة رضي الله عنه يمسك بلسانه ويقول :" هذا أوردني الموارد " .. وقال ابن بريده : رأيت ابن عباس أخذا بلسانه وهو يقول : ويحك قل خيرا تغنم أو اسكت عن سوء تسلم وألا فاعلم انك ستندم قال : فقيل له : يابا عباس لم تقول هذا ؟ قال : انه بلغني أن الإنسان ـ أراه قال ـ ليس علي شيء من جسده اشد حنقا أو غيظا يوم القيامة منه على لسانه إلا ما قال به خيرا أو أملى به خيرا ...
وكان ابن مسعود يحلف بالله الذي لااله إلا هو : ماعلى الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان ..
أيها المحب .. الكلام أسيرك .. فإذا خرج من فيك صرت أنت اسيره .. والله عند لسان كل قائل " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " .. وإذا أردت أن تستدل على مافي القلب فاستدل عليه بحركة اللسان فانه يطلعك على مافي القلب شاء صاحبه أم آبى .. قال يحي بن معاذ : " القلوب كالقدور تغلي بما فيها وألسنتها مغارفها فانظر إلى الرجل حين يتكلم فان لسانه يغترف لك مما في قلبه حلو وحامض وعذب وأجاج وغير ذلك ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه " ...
ومن العجب إن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنى والسرقة وشرب الخمر ومن النظر المحرم وغير ذلك ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه ؟!!
فان معصية النطق يدخل فيها الشرك وهي أعظم الذنوب عند الله عز وجل ويدخل فيها القول على الله بغير علم وهو قرين الشرك .