600 عائلة مسيحيّة تغادر الموصل... واتفاق على ردع داعش
أعلنت لجنة استقبال المهجّرين العراقيين في محافظة أربيل، فجر الأحد، عن استقبال 600 أسرة مسيحية من الموصل، غادرت مساكنها بسبب تهديدات تنظيم "داعش" لها بدفع الجزية أو الإسلام أو المغادرة.
وقال عضو اللجنة، سامان كركوكلي، لـ"العربي الجديد"، إن "تلك الأسر وصلت بحالة مزرية للغاية، وغالبية أفرادها من الأطفال والنساء، وخرجوا دون أن يأخذوا من منازلهم أية أغراض سوى ملابسهم وبعض الحاجيات الشخصية، ومنهم مَن جاءنا بملابسه فقط".
وأضاف أن "تنظيم داعش حقّق نصراً على مئات الأطفال والنساء العُزّل، وقد استفسرنا من بعض الأسر فقالت إن "داعش" طالبنا، في بيان عبر مكبرات الصوت، بالمغادرة أو القدوم إلى مقره في وسط الموصل لإعلان إسلامنا أو ترك ديارنا".
وأوضح أن "حكومة كردستان وفّرت لهم أماكن سكن خاصة، ومنهم مَن رغب بالذهاب إلى أقرباء أو أصدقاء لهم داخل أربيل، وتركناهم كما يشاؤون".
وأكد كركوكلي أن "هناك عشرات الأسر التي لا تزال في الموصل، وعلمنا أنها في ضيافة عشائر عربية تقطن جنوب وغرب الموصل، وآخرين عند جيران مسلمين لهم، ونحن نسعى لإبقاء التواصل معهم وتسهيل إيصال مساعدات إليهم".
إلى ذلك، قال القيادي في المجلس العسكري لعشائر العراق، الشيخ عبد الله الشمري، لـ"العربي الجديد"، إنه "علينا الآن الاعتراف أن لدينا ورماً خبيثاً في ثورتنا التي أردناها ناصعة بيضاء تحمل مظالم وهموماً سبّبها نوري المالكي لنا، لكننا أصبنا بداء داعش كما أصيبت به سورية".
وأضاف الشمري: "بينما يقوم مقاتلو الفصائل المسلّحة بعمليات الصد والرد على جيش المالكي ومليشياته ومرتزقة إيران، ينشغل "داعش" بالاستبسال على العُزّل". وتابع: "نحن كعشائر، كنا ولا زلنا نعتبر أنفسنا في الموصل ضيوفاً لدى المسيحيين، فهم أهل الدار".
وكشف الشمري عن "اتفاق بين الفصائل المسلحة في الموصل لردع "داعش" عن تدخله في حياة الناس وتركيبتهم الدينية والاجتماعية، أو سيكون لنا رد مختلف تماماً، لأننا نؤمن بشيء اسمه فقه الواقع والشريعة السمحاء، ولم يثبت على المسلمين، منذ عهد النبي عليه الصلاة والسلام وحتى الآن، أنهم طردوا نساءً وأطفالاً ومدنيين عزّل مسيحيين ولا حتى يهود"، مضيفاً "نحن نرفض ذلك، وأردنا طرد المالكي، فجاء داعش وطرد المسيحيين الذين أصابهم الشيء الكثير من طائفية وظلم المالكي".
من جانبه، قال عضو اللجنة الوطنية للمصالحة في العراق، زهير الجلبي، خلال مؤتمر صحافي في بغداد، إن "تنظيم داعش خيّر، في وقت سابق، المسيحيين بين إعلان إسلامهم أو دفع الجزية، وهو ما دفعهم إلى النجاة بأنفسهم الى كردستان".
وأوضح الجلبي أن "عناصر داعش منعوا المسيحيين من أخذ أي شيء من أموالهم أو ممتلكاتهم"، لافتاً الى أن "مسلحي داعش قاموا بنهب وسرقة تلك الأموال والممتلكات".
وأشار الجلبي إلى أن "المسيحيين بدأوا بالفعل بمغادرة الموصل"، داعياً "الجهات المعنية الى الالتفات لما يتعرض له أبناء المكوّن المسيحي من ظلم واعتداء، وإنقاذ هذه الشريحة المهمة".
فيما قال ممثل الكتلة المسيحية في البرلمان العراقي، يونادم كنا، في اتصال مع "العربي الجديد"، "إننا نشهد لحظة فارقة وسيئة في تاريخ العراق. إرهابيون يطردون الناس من بيوتهم ويسلبونهم كل ما يملكون".
وأضاف: "هذا الفعل الإجرامي لم تشهده الموصل منذ 1400 سنة حيث كان أهلها من المسيحيين والمسلمين يعيشون متحابين في سلام".
وطالب الأمم المتحدة والعالم بالتدخل وتقديم المساعدة للمسيحيين المهجّرين وإنقاذ المتبقين، قائلاً: "أنا على يقين أن مَن هجّر أهلنا في الموصل ليست العشائر بل إرهابيي داعش، ونأمل أن تكون تلك الحادثة بداية لكسر شوكة الإرهاب في الموصل".
وفي الإطار نفسه، حصل مراسل "العربي الجديد" على معلومات جديدة حيال تهجير عصابات "داعش" الإرهابية المئات من العوائل المسيحية، تفيد بنيّة "داعش" إسكان عناصر أجنبية وعربية مسلّحة في منازل المسيحيين، والتوسع على حساب الفصائل الأخرى.
وقال أحد قادة مجلس العشائر العسكري، لـ"العربي الجديد"، إن "تنظيم داعش لديه هدف أكبر وأخطر من طرد المسيحيين، وهو يتوسع بشكل خبيث ويحاول سرقة ما أنجزناه، وهذا يثبت لنا صحة ما ذهبنا إليه من أن هدف "داعش" تشويه الثورات وتأليب العالم، كما فعل في سورية، ومَن يريد إعادة المسيحيين عليه أن يتفاوض مع إيران، فهي الراعي الرسمي لداعش".
وأضاف القيادي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: "نسعى لمنح داعش مهلة زمنية لبيان موقفه والتراجع عن تصرفاته، وإلا فسيكون لنا موقف منه ونطرده كما طردنا جيش المالكي من قبل".
من جانبه، قال النائب عن كتلة "متحدون"، خالد الدليمي، لـ"العربي الجديد": "اتصلنا بعشائر الموصل وأكدوا أن رحيل المسيحيين عن أرضهم سيكون مؤقتاً وهم غير راضين ومستعدين لمواجهة الإرهابيين".
وأوضح الدليمي أنه "بات من الضروري التفريق بين عصابات تسيّرها استخبارات دول إقليمية لترسيخ التقسيم وإفشال كل مشروع ضد المالكي، وبين فصائل مسلّحة لديها مطالب يمكن التفاوض معها وحلّها".
وتُعتبر مدينة الموصل ثاني أكبر مدن العراق وأقدمها، والمرتكز السكاني للعراقيين المسيحيين ومن بعدها بغداد والبصرة. وهي تضم 13 كنيسة ودير فضلاً عن كاتدرائية موغلة في القدم، وكانت قبل الاحتلال تضم أكثر من 600 ألف مواطن مسيحي مقابل 900 ألف مسلم، لكن معظم المسيحيين هاجر البلاد إلى السويد وفرنسا وكندا وكردستان ليصبح عددهم نحو 200 ألف تفرقوا في قرى تلكيف وسهل نينوى ومركز الموصل.
وينقسم مسيحيو الموصل إلى الكلدان والسريان والكاثوليك، وتضم الموصل واحدة من أقدم الكنائس في العالم هي كنيسة مار كوركيس التي شيدت في العام 800 ميلادياً.