سؤال الفتوى:
نسمع عن بعض الراقصات وغيرهن بأداء فريضة الحج بل وصل الأمر لعمل خيام لهن فيها من الأطعمة والمساج والمكيفات ودفع مصاريف باهظة مقابل ذلك فما حكم هذا؟ جزاكم الله خيراً
< جواب الفتوى >
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بالنسبة للحج أو العمرة من مال حرام ذهب أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: وهو مذهب الجمهور من أهل العلم أبي حنيفة والشافعي وبعض المالكية ، إذا أدي الحاجُ حجَه مكتمل الأركان والشروط فقد سقطت فريضة الحج لكن حجه غير مقبول أي: بأن الحجة تجزئ ولكن يغرم المال الحرام، إن لم يكن يعلم وقت أداء حجته أن ماله حرام، أو لم يعلم الحكم وعلم بعد ذلك.
قال ابن نجيم من الحنفية: " ويجتهد في تحصيل نفقة حلال، فإنه لا يُقبل بالنفقة الحرام، مع أن يسقط الفرض عنه ولا تنافي بين سقوطه وعدم قبوله فلا يثاب لعدم القبول ولا يعاقب في الآخرة عقاب تارك الحج " انتهى .
قال النووي الشافعي: إذا حج بمال حرام أو راكباً دابة مغصوبة أثم وصح حجة وأجزاهُ عندنا.
المذهب الثاني: ذهب جماعة من المالكية والشافعية عدم قبول الحج، منهم القرافي والقرطبي من أصحابنا ـ المالكية ـ والغزالي والنووي من الشافعية، وذلك لفقدان شرط القبول في قوله تعالى:(إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) المائدة: 27.
قال برهان الدين: ورأيت في بعض الكتب عن مالك رحمه الله عدم الإجزاء، وأنه وقف في المسجد الحرام في الحج ونادى: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا مالك بن أنس، من حج بمال حرام فليس له حج؛ أوكلام هذا معناه.
وقال الإمام أحمد: لا يُجزئه، ودليلنا أن الحج أفعال مخصوصة والتحريم لمعنى خارج عنها.
المذهب الثالث: يجزئ ولا يُقبل، وهذا القول كالمذهب الأول ، لأن العبرة بالقبول، فما قيمة الإجزاء من غير قبول؟!
أما عن الإسراف هناك فرق بين الإسراف والتبذير
الإسراف: هو تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان، من أكل وشرب وجماع وذنوب، وهو في الإنفاق أشهر.
قال تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} 31: الأعراف
والإسراف صفة من صفات الكافرين، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ} طه: 127. وهو صفة من صفات الجبارين الذين يملكون بأيديهم السلطة والمال، قال تعالى: {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} يونس: 83 وقال تعالى: {وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ} الشعراء: 151
وكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنِ اكْتُبْ إِلَيَّ بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ " رواه البخاري
عَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ ) رواه البخاري
أما التبذير: فلا يكون إلا فى المالوتفريق المال على غير وجه الإسراف ، وأصله إلقاء البذر وطرحه فاستعير لكل مضيع لماله ، فتبذير البذر تفريق في الظاهر لمن لا يعرف مآل ما يلقيه . وهذا الفعل من التبذير والخيلاء والمنافي لمقاصد الحج.
نقل الإمام مالك أن التبذير حرام لقوله تعالى : ( إنَّ المُبَذِرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ) الإسراء 27 .
وقال الماوردي: أن التبذير هو الإسراف المتلف للمال ، وإن المبذر يحجر عليه للآية الكريمة ( السابقة ) ، ومن واجب الإمام منعه منه ( أي التبذير ) بالحجر والحيلولة بينه وبين ماله إلا بمقدار نفقه مثله .
وقال أبو حيان: "نهى الله تعالى عن التبذير، وكانت الجاهلية تنحر إبلها وتتياسرعليها ، وتبذر أموالها في الفخر والسمعة، وتذكر في أشعارها فنهى الله تعالى عن النفقة في غير وجوه البر، وما يقرب منه تعالى" انتهى
هذا. والله أعلى وأعلم