القيادة؟ ما هي القيادة؟ ومن هو القائد؟ تتكاثر الإجابات وتكثر الشروحات. ويبقى من الصعب تعريف القيادة، كما أن جزءاً من المشكلة يكمن في غياب تعريف واحد متفق عليه. الخبير البارز في مجال القيادة "وارن بينيس" قد استخرج 350 تعريفاً مختلفاً، كان ذلك في مطلع الثمانينات من القرن المنصرم. لكن الاهتمام المتزايد بالموضوع جعل هذه التعاريف تزداد بشكل كبير ومطّرد.
كما يمكن وببساطة النظر إلى القيادة على أنها القدرة على توجيه الناس للقيام بأمر ترغب منهم إتمامه بنجاح. وقد تم استخلاص هذا التعريف من داخل العديد من التعاريف المشهورة.
يقول الرئيس الأميركي هاري ترومان "القيادة هي القدرة على ترغيب الرجال بالقيام بما لا يرغبون بالقيام به".
في حين عرّف وزير الدفاع الأميركي الجنرال عمر برادلي القيادة بأنها "فن التأثير في السلوك البشري من خلال القدرة على التأثير في الناس بشكل مباشر ودفعهم للعمل على هدف ما".
كما أن البعض ينظر إلى القيادة على أنها نشاط، في الوقت عينه بأنها سمة فردية، ولذلك فقد عرّف البروفسور في الإدارة في جامعة يال آرثر جاغو القيادة بأنها "عملية ومَلَكة في الوقت عينه. فالقيادة كعملية هي استخدام التأثير غير الملزم في توجيه وتنسيق أنشطة الأفراد في جماعة ما لتحقيق أهداف محددة...أما القيادة كملكة فهي سمة يتمتع بها الأشخاص الذين ينجحون بتوظيف هذا التأثير".
ومن الطبيعي القول إن من ينجح بتحقيق النتائج المرجوة وكذلك الوصول إلى الأهداف المحددة، فلا بد من أن يكون إنساناً يتمتع بالقدرة على القيادة الرشيدة.
ولا بد من التمييز بين المدير والقائد. فالمدراء يتقبلون الواقع الراهن وهم يقومون بالإشراف. يديرون الأمور على المدى المنظور. يركزون على اللوائح والأنظمة والبُنى ووسائل التحكم. يسألون عن الكيفية والوقت. لكن القادة يعملون في المدى غير المنظور، ويبدعون ويطورون وينتجون، ويواجهون التحدي ويسألون عن الأسباب ويمتلكون الثقة.
كما هناك من توسّع في الحديث عن دور القيادة، فقد قال ويليام دراث وتشارل بولوس إن " القيادة في الأساس تتعلق بمساعدة الناس على إيجاد المنطق فيما يقومون به حيث يفهمون ويلتزمون بعمل المؤسسة، فالقيادة تتعلق بإيجاد طرق لتذكير الأفراد بهويتهم وبسبب وجودهم على رأس عملهم، أي أن القيادة تتعلق بإيجاد نظام أو ثقافة حيث يقوم أفرادها بالعمل الصحيح حتى في حالة غياب القادة". وقد ذكر بيتر دراكر في كتابه The Leader of the Future، نقلاً عن قادة مؤثرين خصائص أربع تتعلق بالقيادة؛ وهي:
1 - القائد هو شخص لديه أتباع، فبعض الناس مفكرون وبعضهم أنبياء، وكلا الفئتين هامتان ولا غنى للواحد منا عنهما، لكن ما لم يكن هناك أتباع فليس هناك قائد.
2- القائد المؤثر ليس شخصاً محبوباً ومحترماً فحسب، بل هو شخص لديه أتباع يقومون بالأمور الصحيحة، فليست الشهرة هي المؤشر على القيادة بل النتائج.
3- القادة أشخاص شفافون للغاية، لذا فهم من يضع المثل العليا.
4- القيادة ليست مرتبة أو ميزة أو لقباً أو نعمة مادية، إنما هي مسؤولية.
كما أن دراكر قد بيّن أن القادة المؤثرين لا يسألون "ماذا أريد" بل يسألون "ما الذي يجب فعله" ثم يقومون بتحديد ما يمكنهم فعله لإحداث الفارق المميز، أي اختيار أمر يتطلب من القادة بذل أقصى ما في قدراتهم، في وقت تبقى أهداف المؤسسة واضحة أمام أعينهم. وتركيزهم الأقوى على ما يحقق ويؤدي إلى نتائج حقيقية. ورغم قدرتهم على التساهل مع أي اختلاف وتنوع في الآراء، فهم لا يهتمون لموقف الناس منهم حباً أو كراهية، إلا أنهم لا يعرفون التساهل مع الأداء السيئ والضعيف، وكذلك التهاون بالقيم. لكن القادة يشعرون بالمتعة بالزملاء المحيطين بهم والمتمكنين، ومع الحرص على أن يكون القائد مثلاً أعلى لهم، مع الاحترام الشخصي للأفكار الخاصة مما يمكنهم من تجنب الشعور بالشهرة، كما يساعد ذلك القادة على التركيز على الأداء الدقيق في العمل. لكنّ كثيراً من التعاريف عن القادة ودورهم، تُسقط أهمية الأتباع، وكذلك ما لمصالحهم من دور.
لذلك فإن القيادة، هي القدرة على إقناع الآخرين بالتعاون والمساعدة في إنجاز هدف مشترك. كما أن القيادة هي فن أكثر من أنها علم، وهي أيضاً مقدرة وعملية وسمة فردية. ولا يولد القادة بل يمكن تعلم القيادة. وحسب دراكر فإن "هؤلاء القادة هم قادة فاعلون وليسوا رجال منابر".
(باحث وأكاديمي لبناني)