من أشراط الساعة موت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ففي الحديث عن عوف بن مالك، قَالَ: (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ ، فَقَالَ: اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ المَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لاَ يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ العَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً ، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا)البخاري.
فقد كان موت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، من أعم المصائب التي وقعت على المسلمين، فقد أظلمت الدنيا في عيون الصحابة رضي الله عنهم، قال أنس: (لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ ، وَمَا نَفَضْنَا أَيْدِيَنَا مِنَ التُّرَابِ ، وَإِنَّا لَفِي دَفْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا ) رواه الترمذي.
قال ابن حجر: " يريد أنهم وجدوها تغيرت عما عهدوه فيي حياته من الألف والصفاء والرقة، لفقدان ما كان يمدهم به من التعليم والتأدب" فتح الباري.
وكذلك بموته بأبي هو وأمي انقطع الوحي من السماء، كما في جواب أم أيمن لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، عندما زارها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انتهيا إليها، بكت، فقالا لها: "ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله. فقلت: ما أبكي أن لا أكون أعلم أنً ما عند الله خيرٌ لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكني أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء. فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها" رواه مسلم.
فقد مات بأبي هو وأمي كما يموت الناس: لأن الله تعالى لم يكتب الخلود في هذه الحياة الدُنيا لأحد من الخلق، بل هي دار ممرً لا دار مقر، كما قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}الأنبياء:34ـ35. إلى غير ذلك من الآيات التي تبيًن أن الموت حق، وإن كل نفس ذائفة الموت، حتى ولو كان سد الخلق وإمام المتقين. قال القرطبي: "كان موت النبي صلى الله عليه وسلم، أول أمرٍ دهم الإسلام.. ثمً بعده موتُ عمر، فبموت النبي انقطع الوحي، وماتت النبوة، وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب، وكان أول انقطاع الخير، وأول نقصانه.
ومن اشراط الساعة فتح بيت المقدس، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول اللهصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ست من أشراط الساعة، موتي، وفتح بيت المقدس، وموت يأخذ في الناس كقُصاص الغنم، وفتنة يدخل حريمُها بيت كل مسلم، وأن يعطى الرجل ألف دينارٍ فيسخطها، وأن يغمُرَ الروم فيسيرون بثمانين بنداً تحت كل بند اثنا عشر ألفاً) رواه أحمد.
وعنه أيضاً قال: قال رسول اللهصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عمران بيت المقدس، خراب يثرب، وخراب يثرب ، خروج الملحمة، وخروج الملحمة، فتح قسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال) رواه مسلم.
وقع هذا الفتح في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة خمس عشرة أو ست عشرة من الهجرة ، على ما ذكره أئمة السير، حيث حاصرهم أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أمير الجيوش الإسلامية بالشام، وضيًق عليهم، حتى أجابوا إلى الصلح، بشرط أن يقدم إليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إليه أبو عبيدة بذلك، فسار إليهم عمر رضي الله عنه، وصالحهم، ودخل المسجد من الباب الذي دخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، وصلى بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد، ثم جاء إلى الصخرة فاستدل على مكانها من كعب الأحبار، وقال له: "أين ترى أن أصلي؟ قال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة، فكانت القدس كلها بين يديك. فقال عمر: ضاهيت اليهودية، لا ولكن أصلي حيث صلى رسول اللهصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فتقدم إلى القبلة فصلى، ثم جاء فبسط رداءه وكنس الكناسة في ردائه وكنس الناس" رواه أحمد، والبداية والنهاية.
وهذا هو الفتح المقصود بحديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يدخل فيه فتح صلاح الدين الأيوبي رحمه الله لقوله صلى الله عليه وسلم: " ثم فتح بيت المقدس ثم مُوتانٌ" وهو طاعون عمواس على ما سيأتي.
جاء في حديث عوف بن مالك السابق قوله:صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الغَنَمِ).
قال ابن حجر: "يُقال: إن هذه الآية ظهرت في طاعون عمواس في خلافة عمر، وكان ذلك بعد فتح بيت المقدس" فتح الباري.
ففي سنة ثمان عشرة للهجرة على المشهور الذي عليه
الجمهور، وقع طاعون في كورة عمواس، ثم انتشر في
أرض الشام، فمات فيه خلق كثير من الصحابة رضي الله
عنهم ومن غيرهم، قيل: بلغ عدد من مات فيه خمسة
وعشرون ألفاً من المسلمين، ومات في من المشهورين: أبو
عُبيدة عامر بن الجرًاح، أمين هذه الأمة رضي الله عنه.
قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الطَّاعُونُ
شَهَادَةٌ لأُمَّتِي ، وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنَ الْجِنِّ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الإِبِلِ تَخْرُجُ
بِالآبَاطِ وَالْمَرَاقِّ ، مَنْ مَاتَ فِيهِ مَاتَ شَهِيدًا ، وَمَنْ أَقَامَ فِيهِ
كَالْمُرَابِطِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَمَنْ فَرَّ مِنْهُ كَانَ كَالْفَارِّ مِنَ