سؤال الفتوى:
السلام عليكم
في أحد البرامج للدكتورة / آمنة نصير تقول عن حرية العقائد بأن بعد سن النضج يحق للابن أن يختار الدين الذي يريد ، ونحن عندنا حساسية واستياء من الانتقال من دين لأخر ، من يدخل الإسلام لن يزيد الإسلام بشيء ومن يخرج من الإسلام لم ينقص الإسلام شيء ولن يفيد المسيحية بشيء ، والله تعالى يقول: ﴿ فمن شاء فليؤمن ومن شاء
فليكفر ﴾ فالأبناء يكونون على دين الأب إلى أن يبلغ سن الرشد
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قول هذه المرأة في حق الابن بعد سن النضج أن يختار الدين الذي يريد، دعوة صريحة للكفر والردة ، ومخالفة واضحة لنصوص الكتاب والسنة والفطرة السليمة.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) البقرة: 208
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى السلم في هذا الموضع.
فقال بعضهم: معناه: ادخلوا في الإسلام كافة
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ادخلوا في الطاعة.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) آل عمران: 102
وعن مرة ، عن عبد الله هو ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ( اتقوا الله حق تقاته ) أن يطاع فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر ، ويذكر فلا ينسى " صحيح موقوف .
وقوله :( ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) أي : حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه ، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه ، ومن مات على شيء بعث عليه ، فعياذا بالله من خلاف ذلك
وقال تعالى : (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران : 85
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ومن يطلب دينا غيرَ دين الإسلام ليدين به، فلن يقبل الله منه ومن الباخسين أنفسَهم حظوظَها من رحمة الله عز وجل
وعنأبي هريرةقال: قالرسول الله صلى الله عليه وسلم:)ما من مولود إلا يولد علىالفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسونفيها من جدعاء.( ثم يقولأبو هريرةواقرؤوا إنشئتم} فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله{ الآية. رواه البخاري ومسلمواللفظ له
والفطرة هنا هي فطرة الإسلام ، وهي السلامة من الاعتقادات الباطلة والقبول للعقائد الصحيحة ، وليس المراد أن الإنسان حين يخرج من بطن أمه يعلم هذا الدين موحداً لله فإن الله تعالى يقول : (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا)النحل: 78
وإنما المراد أن فطرته مقتضية وموجبة لدين الإسلام ولمعرفة الخالق والإقرار به ومحبته. ومقتضيات هذه الفطرة وموجباتها تحصل شيئاً بعد شيء وذلك بحسب كمال الفطرة وسلامتها من الموانع .
والأدلة القاضية بصحة هذا التفسير كثيرة منها:
أولاً: ورود روايات لهذا الحديث تفسر الفطرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: (على هذه الملة).
ثانياً : إن الصحابة فهموا من الحديث أن المراد بالفطرة : الإسلام ، ولذلك سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عقب ذلك عن أطفال المشركين لوجود ما يغير تلك الفطرة السليمة وإلا لما سألوا عنهم.
أما استدلال هذه المرأة بقوله تعالى : ﴿ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ﴾. استدلال خاطئ وعدم فهم لمدلول الآية ومعناها . وللأسف الشديد تجد كثير من الدعاة يستدلون بهذه الآية الكريمة في موضع حرية الاعتقاد وهي بخلاف ذلك ، بل هي على سبيل التهديد وليس على سبيل الاختيار
قال ابن كثير في تفسير قولهتعالى : (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) : هذا من بابالتهديد والوعيد الشديد ؛ ولهذا قال : (إِنَّا أَعْتَدْنَا ) أي : أرْصَدْنا لِلظَّالِمِينَ) وهم الكافرون بالله ورسوله وكتابه (نَارًا أَحَاطَ بِهِمْسُرَادِقُهَا) أي : سُورها .
وقال البغوي: (فَمَنْ شَاءَفَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) هذا على طريق التهديد والوعيد.
ثم أين هؤلاء الذين يقولون على الله ما لا يعلمون من قوله تعالى : (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) الزمر : 7
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ) فقال بعضهم: ذلك لخاص من الناس ، ومعناه : إن تكفروا أيها المشركون بالله ، فإن الله غني عنكم ، ولا يرضى لعباده المؤمنين الذين أخلصهم لعبادته وطاعته الكفر
وقال آخرون : بل ذلك عام لجميع الناس ، ومعناه : أيها الناس إن تكفروا ، فإن الله غني عنكم ، ولا يرضى لكم أن تكفروا به.