فإن الله تعالى هو الملك: أي المالك لجميع الأشياء، المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة، والنافذ الأمر في ملكه، ( لا يُسئل عما يفعل وهم يسئلون) ، ولذا قال:
قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء فتملّكه وتسلطه على من تشاء. ومن رحمة الله بعباده أنْ حرم عليهم دماءهم وأعراضهم وأموالهم، فلما كفر بعض العباد بربهم جل وعلا وجحدوا نعمته عليهم أحل الله للمؤمنين ذلك منهم جزاء وفاقاً، ولكن هناك فريق ثالث (ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويردون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً) أولئك هم أهل الكتاب، وحكمهم في الإسلام أنه لا يقبل منهم إلا إحدى ثلاث: الإسلام، أو الجزية، وإلا فالقتال، والجزية تؤخذ منهم (عن يد وهم صاغرون) ، فما جعل الله الكافر كالمسلم (ومن يهن الله فما له من مكرم) ، فالذلة تغشى الكافرين (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)، فعزة الله: قهره من دونه، وعزة رسوله: إظهار دينه على الأديان كلها، وعزة المؤمنين: نصر الله إياهم على أعدائهم. وهذا الموضوع أشعر فيه بالخجل بسبب ما وصلنا به نحن المسلمين من واقع آليم، بعد أنَّ أصبحنا ندفع الجزية للكافرين.ولكن الأمل باقي في هذه الأمة (أن الله يحيى الأرض بعد موتها ).
تأصيل في تصنيف الناس
لا يخرج الناس في اعتقادهم عن صنفين إما مسلماً أو كافراً
الصنف الأول: المسلمون
وهم أصحاب الدين الحق والملة الحنيفية السمحة والشريعة الناسخة لكل ملة وشريعة سابقة. والإسلام هو دين الله في الأرض والسماء والذي ارتضاه الله للبشرية ولا يَقبل غيره .
ولذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " نحن معاشرالأنبياء أولاد علات ديننا واحد " متفق عليه.
وأولاد العلات: هم الأخوة الذين أبوهم واحد وأمهاتهم مختلفة، فشرائع المرسلين تختلف، ولكن توحيدهم واحد، وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، وهذه هي أحكم كلمةٍ أرادها الله سبحانه وتعالى من عباده، أي: التوحيد
الصنف الثاني: الكفار
وينقسم الكفار إلى نوعين
النوع الأول: الكفار الأصليون وهم الذين لم يدخلوا في دين الإسلام وهما نوعين
( أ ) أهل الكتاب: وهم الذين أُنزل إليهم كتب سماوية مثل اليهود والنصارى
( ب ) ملحدون : وهم الذين ليس لهم كتب سماوية مثل الوثنيون،والمجوس،والبوذيون والشيوعيون وغيرهم.
النوع الثاني: الكفار الغير أصليون وهم الذين كانوا مسلمون ثم خرجوا عن ملة الإسلام وهم مرتدون وليس كفار أصليون .
أنواع الكفار الأصليون:
النوع الأول: الذميون ( أهل الذمة )
أهل الذمة لغة: الذمة هي العهد والأمان والضمان والحق والحرمة.
اصطلاحاً: أهل الذمة هم المستوطنون في بلاد الإسلام من غير المسلمين وأمّنوا على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم وأصبحوا في ذمة المسلمين بشرط دفع الجزية عن يداً وهو صاغرين ويدخل في الذمة أهل الكتاب من اليهود والنصارى وغيرهم من لا كتاب لهم مثل المجوس على الرأي الراجح. وهذا الصنف غير موجود الأن لعدم وجود الشرط .
هو عقد إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية والالتزام بأحكام الملة وبمقتضاه يصير غير المسلم في ذمة المسلمين أي في عهدهم وأمانهم على وجه التأييد وله الإقامة في دار الإسلام على وجه الدوام.
فرضية الجزية
الجزية من جزى يجزى، إذا كافأ عما أسدى إليه، وهي مال يدفعه أهل الكتاب، ومن يلحق بهم، إلى المسلمين مقابل حق أو خدمة أو واجب يقوم به الطرف الأخر، وقد فرضت في مقابل أن يقوم المسلمون بحمايتهم، حيث لم يكن مسموحا لأهل الكتاب بالانتظام بالجيش. وذلك لأن أهل الكتاب هم جزء من الدولة الإسلامية، يعيشون في كنفها، ويستمتعون بخيراتها، والدولة الإسلامية عليها أن تكفل لهم الحماية والأمن وسبل المعيشة الكريمة.
الجزية كانت قبل الإسلام
فقد وضعها يونان أثينا على سكان سواحل آسيا الصغرى حوالي القرن الخامس قبل الميلاد، مقابل حمايتهم من هجمات الفينيقين، وفينيقية يومئذ من أعمال الفرس، فهان على سكان تلك السواحل دفع المال في مقابل حماية الرؤوس.
و الرومان وضعوا الجزية على الأمم التي اخضعوها، وكانت أكثر بكثير مما وضعه المسلمون بعدئذ، فان الرومان لما فتحوا (فرنسا) وضعوا على كل واحد من أهلها جزية يختلف مقدارها ما بين 9 جنيهات، و 15 جنيها في السنة، أو نحو سبعة أضعاف جزية المسلمين. و كانت تؤخذ من الأشراف، عنهم وعن عبيدهم وخدمهم.
و كان الفرس أيضا يجبون الجزية من رعاياهم: وقد ورد في العهد القديم والذي يؤمن به اليهود والنصارى : عن نبي الله داود : «وقهر أيضاً الموآبيين وجعلهم يرقدون على الأرض في صفوف متراصة، وقاسهم بالحبل. فكان يقتل صفين ويستبقي صفاً. فأصبح الموآبيين عبيداً لداود يدفعون له الجزية »سفر صموئيل الثاني 8 : 1، كما ورد أيضا عن النبي سليمان :« فكانت هذه الممالك تقدم له "سليمان " الجزية وتخضع له كل ايام حياته»سفر ملوك الأول 4: 21
من يسقط عنهم الجزية
إذا كان الإسلام قد فرض جزءًا قليلاً من المال على أهل الكتاب يؤخذ باسم الجزية، فإنه قد فرض على المسلمين تبعاتٍ أكثرَ وأوسعَ، ومع ذلك أعفى من أداء هذا الجزء النِّساءَ والصبيانَ والمساكينَ والرُّهبان وذوي العاهات، فلا تُجبى الجِزية من امرأة ولا فَتاة، ولا صبي، ولا فقير، ولا شيخ، ولا أعمى، ولا أعرج، ولا راهب، ولا مختل في عقله. بل زاد الإسلام في فضله فتكفل بالإنفاق على من شاخ وعجز من أهل الذِّمة.
وفي ذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من آذى ذميا فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة) الخطيب الجامع 2/269
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عاما ) اخرجه البخاري .
قلت : لقد جرى على لسان كثير من الدعاة وطلبة العلم في هذه الأيام قاعدة " لهم ما لنا وعليهم ما علينا " وهذه القاعدة ليس لها أصل في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل جرت على لسان فقهاء الحنفية، وتدل عليها عبارات فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة. ويؤيدها بعض الآثار عن السلف، فقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إنما قبلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا. هذا الذي ورد في الأموال والدماء وكذلك الأعراض وعليه فإنا هذه القاعدة لا تطبق على إطلاقها ، فالذميون ليسوا كالمسلمين في جميع الحقوق والواجبات، وذلك بسبب كفرهم وعدم التزامهم أحكام الإسلام.
والدليل لرد هذه القاعدة الباطلة الفاسدة هو:
1ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، واستقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، وصلوا صلاتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم ) أخرجه النسائي وأحمد.