خلال الأسابيع القليلة الماضية قمت بدراسة المقالات والتحليلات الخاصة بموقف الإدارة الأمريكية تجاه الصراع فى سوريا, وقد أجمعت تلك التحليلات على أن موقف الرئيس الأمريكى تجاه الأزمة السورية يتسم بالتخاذل والقيادة من وراء الستار بدلاً من المواجهة مما سوف يؤدى بالتأكيد إلى إطالة أمد الصراع فى سوريا وكذا فقدان الأمل فى حل سياسى يجبر بشار الأسد على الرحيل, والحقيقة أن الموقف الأمريكى أعطى الضوء الأخضر لبشار الأسد من أجل سفك المزيد من دماء السوريين.
وخلال الاجتماع الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة حدث تبادل للاتهامات بين الولايات المتحدة وفرنسا من جهة وبين روسيا من الجهة الأخرى, وتبادل الطرفين الاتهامات حول الأزمة السورية حيث رأى أوباما أنه لا حل فى سوريا مع وجود بشار الأسد ووصفه بالديكتاتور بينما رد "بوتين" بأن سقوط الأسد سيرمى بسوريا إلى هوة سحيقة وستصبح مرتعاً للإرهابيين على حد قوله, والآن وبعد قرار روسيا بالتدخل المباشر فى الصراع السورى فإن العالم يريد معرفة رد الفعل الأمريكى على الخطوة الروسية.
ويرى مراقبون أن "أوباما" ساهم فى تجرأ الروس بتلك الطريقة بسبب سياسته المترددة تجاه نظام الأسد, ورأى أخرون أن "أوباما" ناقض نفسه كثيراً بالنظر إلى خطابه الذى ألقاه بجامعة القاهرة فى العام 2009 وتضمن الكثير من الشعارات بينما وقف أوباما لاحقاً موقف المتفرج من جرائم النظام السورى التى فاقت حد التصوُر.
والحقيقة أن أوباما قام بدعم نظام بشار الأسد سواء كان يهدف إلى ذلك أم لا, كما أن التبرير الأمريكى لعدم اتخاذ إجراء ضد نظام الأسد والمتمثل فى وجود تنظيم الدولة الإسلامية على الأراضى السورية هو تبرير فى غير موضعه لأنه مع اندلاع الثورة السورية لم يكن هناك وجود لتنظيم الدولة على الأراضى السورية, والأهم أن الجرائم التى قام بها بشار الأسد بحق الشعب السورى هى التى وفرت الأرضية لانتشار فكر تنظيم الدولة فى سوريا.
والمعروف أن الثورة السورية لم تلجأ لاستخدام السلاح من البداية وما دفع الثوار لحمل السلاح هو انتشار المرتزقة "الشبيحة" التابعين للأسد وقيامهم بارتكاب جرائم بشعة بحق الثوار العُزل وكذا بدء نظام الأسد فى استخدام البراميل المتفجرة التى حصدت أرواح الآلاف من المدنيين السوريين, والأهم أن الإدارة الأمريكية لا زالت تغض الطرف عن التقارير الصادرة من منظمات حقوق الإنسان والتى وثقت للآلاف من الجرائم التى ارتكبها نظام بشار الأسد بحق الشعب السورى على مدار خمسة أعوام.
والمحزن أن "أوباما" لا يجد غضاضة فى التعاون مع بوتين لمحاربة تنظيم الدولة فى سوريا لكنه لا يجرؤ على الوقوف بوجه النظام الروسى الذى يدعم بشار الأسد بكل ما أوتى من قوة.
وهناك أيضاً مأساة أخرى تتلخص فى ملايين اللاجئين السوريين الذين تدفقوا على لبنان وتركيا والأردن هرباً من القتل على يد ميليشيات الأسد, فضلاً عن الآلاف الذين توجهوا إلى أوربا عبر البحر المتوسط خلال الفترة الأخيرة تلك الموجة التى تسببت فى انقسام داخل الاتحاد الأوربى حول استقبال هؤلاء اللاجئين من عدمه والتى تجلت فى خلاف شخصى بين المستشارة الألمانية "إنجيلا ميركل" ورئيس وزراء المجر "فيكتور أوربان".
والمُذهِل أن "بوتين" لم يجد غضاضة خلال خطابه الأخير أما الجمعية العامة للأمم المتحدة فى حث القوى الدولية على الوقوف إلى جانب نظام بشار الأسد, والأهم هو أن الإدارة الأمريكية التى خاضت حروباً بلا سبب فى العراق وأفغانستان تقف موقف المتفرج من المذابح اليومية التى يرتكبها بشار الأسد بحق الشعب السورى دون أن تُحرِك ساكناً.
وأعتقد أن سبب عدم اهتمام القوى الكبرى بالتدخل إلى جانب الشعب السورى يكمن فى أن سوريا لا تمتلك البترول أو الموارد الطبيعية أو الموقع الاستراتيجى الذى يدفع بتلك القوى للتدخل عسكرياً مثل ما حدث فى العراق وليبيا سالفاً, وبما أن سوريا لا تملك تلك المميزات فإن القوى الكبرى لن تتدخل لإنقاذ الشعب السورى من المجازر البشعة التى تودى بحياة المئات يومياً.
والواقع أننا إذا أردنا تحليل الموقف الأمريكى فيجب النظر إلى الاعتبارات السياسية وليس الإنسانية, فتجربة التدخل العسكرى الأمريكى فى العراق وأفغانستان مازالت ماثلة أمام صناع القرار فى البيت الأبيض مما يعنى خوف واشنطن من خوض تجربة عسكرية جديدة غير مأمونة العواقب, أما على الجانب الإنسانى فإن الولايات المتحدة لن تتدخل أبداً لنُصرة الشعب السورى فى مواجهة نظام قمعى لا يتوانى عن قتل الآلاف مقابل البقاء فى السُلطة.
بقلم: هارى هاجوبيان
ترجمة: أحمد سامى