سؤال الفتوى:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سمعت فيديو للشيخ/ صلاح الدين إبراهيم أمام المسجد الأقصى يقول فيه بأن بعض الجماعات الموجودة على الساحة هي فرق، ويجب عليهم التخلص من هذه الفرقة ويعودا إلى جماعة المسلمين ويتبعوا القرآن والسنة ويتوبوا إلى الله تعالى . والسؤال ما هو الفرق بين الفرقة والجماعة ؟ وجزاكم الله خيراً
< جواب الفتوى >
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
تم سماع الفيديو المذكور ، والشيخ في كلامه صحة وفي كلامه خطأ ، والصحيح في كلامه بأنه لا يجوز الانتماء إلى جماعة مهما كانت وخلع الاتباع للمشايخ ومؤسسي هذه الجماعات ، وأن يكون الانتماء فقط لهذا الدين والإتباع للنبي الأمين صلى الله عليه وسلم ، وهذا لا غبار فيه، فهذا هو الاعتقاد الصحيح والمنهج القويم والفهم المستنير. وأزيد على ذلك بأن ظهور هذه الجماعات كان سبباً في تفريق المسلمين وضعفهم ، ونشأ التحزب وإظهار الفرقة والسبل. قال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} الروم:32. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا خَطًّا ، وَخَطَّ عَنْ يَمِينِهِ خَطًّا ، وَخَطَّ عَنْ يَسَارِهِ خَطًّا ، ثُمَّ قَالَ : «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ» ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا فَقَالَ : «هَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ» ، وَقَرَأَ {أَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} الأنعام: 153. فَتَفَرَّقَ بِكُمْ، وَهَذَا الْكَلَامُ قَدْ رُوِيَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ نَحْوَهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ.
أما الخطأ في كلامه هو إلحاق هذه الجماعات إلى الفرق ونعتهم بذلك ، وهذا لا يجوز ولا يصح ولم يقل به أحد من العلماء قديماً أو حديثاً ، لأن هناك فرق بين الجماعة والفرقة وكل واحده لها وصف وحكم.
تعريف الجماعة لغة: الجماعة: اسم مصدر اجتمع يجتمع اجتماعا وجماعة، وصارت لفظة الجماعة تطلق على القوم المجتمعين بالنقل، حتى صارت حقيقة عرفية في القوم المجتمعين. وقال ابن تيمية: "الجماعة هي الاجتماع، وضدها الفرقة، وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسما لنفس القوم المجتمعين".والجمع: اسم لجماعة الناس، والإجماع: الاتفاق والإحكام، يقال: أجمع الأمر أي أحكمه، ومنه إجماع أهل العلم، أي: اتفاقهم على حكم مسألة.
الجماعة اصطلاحًا: ذكر الإمام الطبري الأقوال في معنى الجماعة، ونقلها عنه ابن حجر، ورد الأقوال إلى أربعة أقوال هي:
- السواد الأعظم من أهل الإسلام.
- أئمة العلماء المجتهدين المتبعين لمنهج الفرقة الناجية.
- الصحابة على وجه الخصوص.
- المجتمعون على أمير شرعي.
وكذا قال الشاطبي، وزاد قولا خامسا وهو جماعة أهل الإسلام.
وبمحاولة الجمع والتوفيق بين هذه الأقوال المتعددة، يلاحظ أن جملة هذه المعاني تؤول إلى معنيين اثنين: 1- ما عليه أهل الحق من الاتباع وترك الابتداع، وهو المذهب الحق الواجب اتباعه والسير على منهاجه، وهذا معنى تفسير الجماعة بالصحابة، أو أهل العلم والحديث، أو الإجماع، أو السواد الأعظم، فهي كلها ترجع إلى معنى واحد هو: ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فيجب الاجتماع على الاتباع حينئذ، ولو كان المتمسك بهذا قليلا، وهذا معنى علمي، ويشهد له قول ابن مسعود رضي الله عنه: "إنما الجماعة ما وافق طاعة الله، وإن كنت وحدك. 2- المجتمعون على أمير على مقتضى الشرع، فيجب لزوم هذه الجماعة، ويحرم الخروج عليها وعلى أميرها، وهذا معنى سياسي تشهد له كثير من النصوص الشرعية. وهذا ما رجحه جمع من أهل العلم كالقاضي ابن العربي وغيره.
وهو ما انتهى إليه د. عبد الرحمن المحمود في رسالته عن "موقف ابن تيمية من الأشاعرة"، والشيخ رضا بن نعسان معطي في تحقيقه، ودراسته لكتاب "الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية" لابن بطة، ود. محمد باكريم في رسالته "وسطية أهل السنة بين الفرق"، ود. جمال بادي في رسالته عن "وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق"، ود. ناصر العقل في رسالته "مفهوم أهل السنة والجماعة ".
تعريف الفرقة لغة: الافتراق لغةً: خلاف الجماعة والاجتماع والجمع، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)آل عمران:103، أي: بعد الاجتماع، فالافتراق نقيض الاجتماع، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " أي: عن مجلسهما فينفصل أحدهما عن الآخر، وفي الجملة: أن الافتراق في اللغة يدور حول معاني: المفارقة، الانقطاع، التفرق، المفاصلة، الانفصال، الشذوذ، المباينة، الانقسام والتيه، والضياع، والضلال، المقاطعة، التشعب، الخروج عن الجادة وعن الأصل وعن الأكثر وعن الجماعة.
تعريف الفرقة اصطلاحاً: الافتراق في الاصطلاح: يطلق على أمور منها:
1- التفرق في الدين والاختلاف فيه ومن ذلك قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تفرقوا) آل عمران:103]، وقوله: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ) آل عمران:105، وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) الأنعام:159، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " إنما هلك من كان قبلكم من الأمم باختلافهم في الكتاب " .
2- الافتراق عن جماعة المسلمين وهم عموم أمة الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وهم أهل السنة ومن كان على هديهم بعد ظهور الافتراق فمن خالف سبيلهم في أمر يقتضي الخروج عن أصولهم في الاعتقاد أو الشذوذ عنهم في المناهج أو الخروج على أئمتهم أو استحلال السيف فيهم فهو مفارق، وفيه قوله عليه الصلاة والسلام: " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات مات ميتة جاهلية ومن قتل تحت راية عمية يغضب للعصبة ويقاتل للعصبة فليس من أمتي ومن خرج من أمتي على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاش من مؤمنها ولا يفي بذي عهدها فليس مني " .
فذكر عليه الصلاة والسلام أصنافاً من المعارضين الخارجين:
1- المفارقون للجماعة.
2- الخارجون عن الطاعة.
3- الخارجون عن الأمة بالسيف.
4- المقاتلون تحت راية عمية وهو الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه، ومنه قتال العصبية، والفتنة، والقوميات، والشعارات، والحزبيات ونحوها. فالخروج عن أهل السنة والجماعة ولو في أصل واحد من أصول الدين الاعتقادية أو العملية المتعلقة بالقطعيات، أو بمصالح الأمة العظمى أو بهما معاً فإنه يعتبر تفرقاً؛ فالضابط في الافتراق أنه يؤدي إلى الفتن، والتفرق، والقتال، والبغي، والبدع، وبذلك يتضح أن أهل الافتراق هم أهل الأهواء والبدع.
الضابط في الافتراق: يحكم بالمفارقة على كل من خرج عن سبيل أهل السنة والجماعة في أصل مما عدوه من أصول الدين، أو قاعدة من قواعده أو خالف في فروعٍ كثيرة وجزئيات متعددة مخرجة عن سمة أهل السنة وهديهم؛ كبدع الشعائر والعبادات إذ كثرت ، وهذا ما وضحه شيخ الإسلام رحمه الله من جعل العادة التي يتقرب بها إلى الله بدعة كاتخاذ لبس الصوف عبادةً وطريقاً إلى الله.
ثالثاً:
على هذه الضوابط يتبين لنا بأن الجماعة لا تخرج عن معتقد وأصول أهل السنة والجماعة وإن خرجت فلا تسمى جماعة بل تلحق بالفرق، والفرقة هي من فارقت أهل السنة والجماعة في الاعتقاد. وهؤلاء من أهل النار.
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما قَالَ : أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ : "أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ"
رواه أبو داود والحاكم وصححه ، وحسنه ابن حجر في " تخريج الكشاف " وقد ورد عن جماعة من الصحابة بطرق كثيرة . وورد بلفظ : " وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً ، قَالُوا : وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي" ، رواه الترمذي وحسَّنه ابن العربي في " أحكام القرآن " ، والعراقي في " تخريج الإحياء "، والألباني في " صحيح الترمذي ".
علق أبو الفرج الجوزي: على هذا الحديث قائلاً، فإن قيل: وهل هذه الفرق معروفة؟ فالجواب: إنا نعرف الافتراق وأصول الفرق، وإن كل طائفة من الفرق قد انقسمت إلى فرق وإنْ لم نُحط بأسماء تلك الفرق ومذاهبها، وقد ظهر لنا من أصول الفرق: " الحرورية ، والقدرية ، والجهمية ، والمرجئة ، والرافضة ، والجبرية " من كتاب تلبيس أبليس.
وقد قال بعض أهل العلم: أصل الفرق الضالة هذه الفرق الستة، وقد انقسمت كل فرقة منها على اثنتي عشر فرقة، فصارت اثنتين وسبعين فرقة. انتهى.
وعليه:
بعد ما تم عرضة بالأدلة والبراهين الدامغة في هذه المسألة ، فلا يجوز القول بأن الجماعات التي على الساحة الآن من الفرق المتوعد بها في النار، فهذا لم يقل به أحد من علماء أهل السنة والجماعة سابقاً أو حالياً ، بل هذا القول هو من منهج الخوارج وليس من منهج أهل السنة والجماعة.
ونسأل الله تعالى لنا وله الهدايا
أنه ولي ذلك والقادر عليه
والله تعالى. أعلى وأعلم.