5ـ محاصرة النبي صلى الله عليه وسلم لبني النضير، وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرق . ولها يقول حسان : وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير وفي ذلك نزلت : " ما قطعتم من لينة " الآية . واختلف الناس في تخريب دار العدو وتحريقها وقطع ثمارها على قولين : الأول : أن ذلك جائز ; قاله في المدونة . الثاني : إن علم المسلمون أن ذلك لهم لم يفعلوا , وإن يئسوا فعلوا ; قاله مالك في الواضحة . وعليه يناظر أصحاب الشافعي . ابن العربي : والصحيح الأول . وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخل بني النضير له ; ولكنه قطع وحرق ليكون ذلك نكاية لهم ووهنا فيهم حتى يخرجوا عنها . وإتلاف بعض المال لصلاح باقيه مصلحة جائزة شرعا , مقصودة عقلا .
قال الماوردي : إن في هذه الآية دليلا على أن كل مجتهد مصيب . وقاله إلكيا الطبري قال : وإن كان الاجتهاد يبعد في مثله مع وجود النبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم , ولا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ذلك وسكت ; فتلقوا الحكم من تقريره فقط . قال ابن العربي : وهذا باطل ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معهم , ولا اجتهاد مع حضور رسول الله صلى الله عليه وسلم , وإنما يدل على اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيما لم ينزل عليه ; أخذا بعموم الأذية للكفار , ودخولا في الإذن للكل لما يقضي عليهم بالاجتياح والبوار ; وذلك قوله تعالى : " وليخزي الفاسقين " .
6ـ أمر الله سبحانه وتعالى بمقاطعة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وقصتهم مشهورة رواها البخاري في صحيحه وهم (كعب بن مالك ـ و مرارة بن ربيع ـ و هلال ابن أبي أمية ) وهؤلاء الثلاثة مؤمنون صادقون تخلفوا بسبب ضعف الأيمان، ورغم ذلك هجرهم المسلمون لا يكلمونهم ولا يسلمون عليهم،بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد مرور أربعين ليلة هؤلاء الثلاثة بأن يعتزلوا نساءهم وبعد خمسين ليلة نزلت في توبتهم قوله تعالى:{ وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لاملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } التوبة:118،119.
قلت:
وهذه القصة دليل على أعلى درجات الولاء والبراء من الصحابة رضوان عليهم في تنفيذ أمر الله وأمر رسول صلى الله عليهم بهجر من كان منهم من أقاربهم . كم تثبت دليلاً على هجر العاصي والخاذل لدين الله سبحانه وتعالى ولو كان مسلماً. فكيف لو كان كافراً محارباً لشعائر المسلمين؟ كما أجمع العلماء بهذه القصة على مقاطعة الفاسق والمبتدع الذي يبتدع الفتن في زمنه وبين أهله، بل بمقاطعة من لم يقاطعة.
فعل الصحابة:
إن أول من فرض الحصار الأقتصادي والرائد في هذا هو الصحابي الجليل( ثمامه بن أثال الحنفى) رضى الله عنه صاحب اليمامه لماأسلم منع قريش ما كان ياتيها منها من حنطه حتى اكلوا الميته و الجلد. وكان هذا بعد غزوة الأحزاب و بني قريظة.
وقد أخذ الحصار الذي فرضه ثمامة على قريش يشتد شيئا فشيا ، فارتفعت الأسعار ، وفشىالجوع في الناس واشتد عليهم الكرب ، حتى خافوا على أنفسهم و أبنائهم من أن يهلكواجوعا .. عند ذلك كتبوا إلى رسول صلى الله عليه وسلم يقولون : إن عهدنا بك أنك تصلالرحم وتحض على ذلك ... وها أنت قد قطعت أرحامنا ، فقتلت الآباء بالسيف ، و أمتالأبناء بالجوع .. و إن ( ثمامة بن أثال ) قد قطع عنا ميرتنا و أضر بنا ، فإن رأيت أنتكتب إليه أن يبعث الينا بما نحتاج إليه فافعل ، فكتب صلى الله عليه وسلم إلى ثمامةبأن يطلق لهم ميرتهم فأطلقها .
وللحديث بقيه بإذن رب البرية