لا يستطيع الإنسان بحال أن يعيش بلا دين، فكما أن الإنسان مدني بطبعه لا يستطيع أن يعيش منفردًا معزولًا عن المجتمع، فهو أيضًا متدين بفطرته لا يستطيع أن يعيش عيشًا سويًّا بلا دين، فالتدين فطرة طبيعية للإنسان، وليس أدل على ذلك من لجوء الإنسان إلى الله عز وجل حال الشدة والاضطرار، فالإنسان أحوج ما يكون إلى ربه في هذه الأوقات.
فكما أن من يصنع آلة أعلم بها وباحتياجاتها فالخالق أعلم بخلقه واحتياجهم، ولأن الخالق رحيم عفو كريم؛ فقد شرع للناس الدين لتحيا نفوسهم وتنضبط حياتهم، ولهذا حتى من يخالف الفطرة ويدَّعي إنكار الله، هم في داخل أنفسهم يعرفون كذبهم وجحودهم.
فالبشر كل البشر مفطورون بخلقتهم التي خلقها الله على التعبد لإله بيده الخير والضرر يفعل ما يشاء ويقضي ما يريد. وللإنسان قوتان : قوة العلم وقوة الإرادة ، فبقدر معرفته بالله، وأسمائه وصفاته، وما يجب له أمرًا ونهيًا، سلوكًا وخُلقًا، وكيفية سلوك سبيل المقربين، والعلو في مدارج السالكين، وما يقتضيه من العلم بأغوار النفس البشرية، وأمراضها وأدرانها، وكيفية التغلب عليها، وعلى أعدائها وكل ما يحول بينها وبين ربها، ناهيك عن السمو بها وتزكيتها في أخلاق ربانية على نحو ترتقي به إلى الأرواح السامية والهمم العالية، بعيدًا عن سفاسف المادية وأرجاس الشهوات والشبهات ـ على قدر ذلك تكون درجة عبوديته لله، ودرجته ومنزلته، بل وسعادته في الدنيا، ناهيك عن الآخرة
فإلى من يلجأ الإنسان حال الكوارث والمصائب؟ إنه يلجأ إلى ركن شديد، يلجأ إلى الله حيث القوة والأمل والرجاء والصبر وحسن التوكل وتفويض الأمر، وإن تلظَّى بنار الظلم واستشعر مرارته فهو يوقن أن للكون ربًّا، وأنه ينصر المظلوم ولو بعد حين، وأن هناك اليوم الآخر يوفَّى فيه كل امرئ بما كسب.
على النقيض مما تقدم؛ فالذي فقد معرفة الله تعالى والإيمان به فَقَد كل قوة، وفقد الراحة والاطمئنان والسعادة، وعاش بين طيات الهموم والأحزان، ليس له من قرار نفسي أو استقرار داخلي، همّه تحقيق الملذات والشهوات وجمع الأموال، فهو لا يعرف لوجوده هدفًا، ولا لحياته غاية.، فشتان شتان بين من عرف ربه، وأدرك عظمته، وعرف ما يجب له سبحانه، وحرص على رضاه، متبعًا شرعه، طائعًا لأوامره، منتهيًا عن نواهيه، وعرف أنه في حاجة ماسة ودائمة إلى ربه في الصغير والكبير، والدقيق والجليل، وفي كل وقت وحين، وآخر قذفت به الظنون والأوهام إلى دياجير الشقاء وظلمات التعاسة، يتخبط كالأعمى هنا وهناك، امتلأ قلبه بالشك والحيرة، كلما حاول أن يتلمس [سجل معنا ليظهر الرابط. ] وجد سرابًا بعد سراب،
وإن حصَّل لذائذ الدنيا وشهواتها، وإن تقلَّد أرفع المناصب وأعلاها، فمن فَقَدَ الله فماذا وجد؟! ومن وجد الله فماذا فقد؟!......