تعرف على العقاب
هل يقع أبناؤنا في أخطاء؟
هل علينا أن نعاقبهم وهم أطفال صغار؟
وهل يتساوى العقاب في جميع الحالات؟
عزيزي المربي، إن التربية لا تعني الشدة والضرب والتحقير، كما يظن الكثير، وإنما هي مساعدة الناشئ للوصول إلى أقصى كمال ممكن.
عزيزي المربي، لا شك أن جميع الأطفال يخطئون، بل جميع البشر يخطئون، ولا ينبغي علينا أن نتجاوز عن جميع الأخطاء ونتساهل في أمرها على اعتبار أنها صادرة من طفل صغير، وفي ذات الوقت لا ينبغي أن نعاقبه على خطأ يصدر منه، وعلينا أن ننتهج نهج الاعتدال في معاقبة أطفالنا عند الخطأ.
العقاب البدني
ولعل أول ما يرد على ذهن الكثير من المربين عند الحديث عن العقاب، العقاب البدني، وهذا ليس بصحيح، بل إن العقاب البدني غير مرغوب فيه في مرحلة ما دون سن التمييز، وكما قالوا: "آخر الدواء الكي".
يقول ابن خلدون في مقدمته: (الشدة على المتعلمين مضرة بهم، وذلك أن إرهاف الحد في التعليم مضر بالتعليم، سيما في أصاغر الولد؛ لأنه من سوء الملكة، ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم، سطا به القهر، وضيق على النفس انبساطها، وذهب بنشاطها، ودعاه إلى الكسل، وحمل على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير ما في ضميره، خوفًا من انبساط الأيدي بالقهر عليه.
وعلمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلقًا، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله، وصار عيالًا على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل، فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها، فارتكس وعاد في أسفل السافلين، وهكذا وقع لكل أمة حصلت في قبضة القهر، ونال منها العسف واعتبره في كل ما يُملك أمره عليه... فينبغي للمعلم في متعلمه، والوالد في ولده، أن لا يستبد عليهم في التأديب) [مقدمة ابن خلدون، ص (508)].
فن العقاب
إن المربي في حاجة لأن يتعرف على الكثير من طرق العقاب، فقد يكون من الأخطاء ما يحسن التغافل عنه، وكأن المربي لم ينتبه له، ومنها ما يحتاج إلى نظرة بالعين فقط، أو إظهار عدم الرضا عن فعل معين، وقد يكون المناسب لموقف معين كلمة مهذبة أو إشارة لطيفة.. وقد تحتاج بعض الأخطاء إلى العقاب بالحرمان من بعض المحبوبات.
(ومن العقوبات التي يمكن استخدامها في هذه المرحلة وهي مؤثرة على الطفل: عدم البشاشة في الوجه أو الضحك معه، والإعراض عنه والإقبال على غيره من إخوانه، أو ترك تكليمه وترك القص عليه، ويفضل في هذه المرحلة الابتعاد عن العقوبة البدنية، وعند الاحتياج لها فلا ينبغي أن نتجاوز إظهار أداة العقوبة كالعصا والسوط والتهديد بها، ثم فرك الأذن، وأما العقوبة البدنية التي تزيد عن ذلك فينبغي تأخيرها إلى المرحلة التالية، والمربي هو من يفاضل بين هذه الأشياء، ويختار المناسب من كل ذلك للخطأ الحادث) [نحو تربية إسلامية راشدة، محمد بن شاكر الشريف].
تنبيه هام!
في قيام المربين بعملية العقاب لا يصح بحال أن يكـون العقـاب سخرية وتشهيرًا أو تنابزًا بالألـقـاب، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خـَيْراً مِّنْهُمْ ولا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ ولا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ ولا تَنَابَزُوا بِالأَلْـقَـابِ} [الحجرات:11].
طريقة مجدية
ولعل أجدى الطرق التي ينبغي اتباعها مع الصغار هي ما ذهب إليه بن مسكويه في الموازنة بين الثواب والعقاب يقول في ذلك:
(ليمدح الطفل بكل ما يظهر من خلق جميل وفعل حسن ويكرم عليه، وإن خالف في بعض الأوقات لا يوبخ ولا يكاشف بل يتغافل عنه المربي... ولا سيما إن ستر الصبي مخالفته... فإن عاد فليوبخ سرًا، ويعظم عنده ما أتاه ويحذر من معاودته.. فإنك إن عودته التوبيخ والمكاشفة حملته على الوقاحة).
عمر السبع