للمرّة الأولى منذ فترة طويلة، تحظى عمليات الاقتحام التي تقوم بها عناصر الجماعات اليهودية المتدينة[سجل معنا ليظهر الرابط. ] بإسناد رسمي صهيوني كبير وغير مسبوق. وعلى الرغم من طاقة التفجير الكامنة في عمليات اقتحام الحرم الاستفزازية، فقد حث الرئيس الإسرائيلي [سجل معنا ليظهر الرابط. ] ، في سابقة، هي الأولى من النوعها، اليهود على التوجه والصلاة في المسجد الأقصى، داعياً قوى أمن الاحتلال لتوفير الحماية لليهود الذين يرغبون في الصلاة في "المكان الأكثر قدسية لليهود"، على حد تعبيره.
يكتسب موقف ريفلين أهمية خاصة على الرغم من عدم تمتعه بصلاحيات تنفيذية، لأنه ينظر إليه كـ"ممثل للإجماع الصهيوني". ومما يدل على أنّ ثمة تغيير كبير قد حصل في الموقف الرسمي الإسرائيلي، واقع أنّ الذي قاد عملية الاقتحام الكبيرة التي جرت الأحد الماضي، هو وزير الزراعة والاستيطان أوري أرئيل، الرجل الثاني في حزب "البيت اليهودي"، الذي دشّن موقعاً على الإنترنت، خصصه لدعوة الشباب اليهودي للمشاركة في عمليات الاقتحام الممنهجة للحرم.
وقوبلت عمليات الاقتحام بدعم معلن من قبل وزراء علمانيين في الحكومة، من أمثال الوزيرة ميري ريغف (حزب "الليكود")، التي وبخت وزير الأمن الداخلي يغآل أردان، لأنه لم يأمر باستخدام وتيرة قمع أكبر في مواجهة المصلين ورجال الأوقاف الذين تصدوا لعملية الاقتحام.
في المقابل، غابت الدعوة لـ"التعقل" التي كانت تصدر عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والوزراء والمسؤولين المقربين منه. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يمكن أن يكون قد حدث حتى يطرأ هذا التحول على الموقف الإسرائيلي الرسمي من عمليات الاقتحام التي تستهدف الأقصى، خصوصاً وأن نتنياهو أبلغ ملك الأردن عبدالله في اجتماع عقده معه في قصره بتاريخ 12 نوفمبر/تشرين الثاني في عام 2014، وبحضور وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أن إسرائيل تلتزم بوقف عمليات الاقتحام التي تنفذها عناصر الجماعات اليهودية داخل المسجد الأقصى؛ وعلى أساس هذا التعهد أمر الملك بإعادة السفير الأردني لدى إسرائيل، والذي تم سحبه احتجاجاً على تعاظم عمليات الاقتحام الصهيونية للحرم.
بالتالي، فإن الدعوة لاقتحام الأقصى من قبل المسؤولين الإسرائيليين والصمت حيالها، تؤشر إلى أن تغييراً قد حدث في الموقف الأردني، وليس في الموقف الإسرائيلي. في هذا الإطار، كشفت صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر بتاريخ 30 يونيو/حزيران أن كلاً من الأردن والكيان الصهيوني أجريا اتصالات ثنائية حول السماح للمستوطنين اليهود بدخول المساجد والمصليات داخل الحرم القدسي، وعدم الاكتفاء بالتجول في ساحات الحرم.
وعلى الرغم من أن الصحيفة في حينه قد أكدت أنه لم يتم التوصل لتفاهمات نهائية بهذا الشأن، غير أنها نقلت عن مصدر رسمي إسرائيلي قوله إن الأردن وافق على دخول اليهود إلى المساجد والمصليات في الحرم، لكنه اشترط في البداية ألا يكونوا جنوداً يلبسون الزي العسكري ولا متدينين يرتدون ملابس الصلاة اليهودية، خشية أن يثيروا انتباه المصلين المسلمين ويستفزوهم. وأشارت الصحيفة إلى أن الأردن تراجع عن اعتراضه على دخول المتدينين اليهود للمساجد والمصليات، بعدما رفضت إسرائيل شروطه. ولم يُعرف إن كان الطرفان قد توصلا لتفاهمات بشأن دخول العسكريين الصهاينة إلى قلب المساجد والمصليات داخل الحرم أم لا. لكن بالاستناد إلى ما جاء في تقرير "هآرتس"، والذي لم يتم نفيه، يمكن الاستدلال بأنّ تغييراً قد طرأ على الموقف الأردني وليس الإسرائيلي من اقتحامات الحرم.
من جهة ثانية، قطعت الجماعات التي تنادي بإعادة بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، شوطاً في الإجراءات العملية التي تفضي، في تصورهم، لذلك. فقد كشفت صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر بتاريخ 16 يوليو/تموز، أن منظمة "معهد الهيكل"، التي تعتبر أكثر الجماعات اليهودية حماسةً لفكرة إعادة بناء الهيكل المزعوم، قد عثرت على بقرة صفراء، تزعم أنه يتوفر فيها شروط البقرة التي ورد ذكرها في التوارة، ويصلح رمادها لتطهير سدنة الهيكل، الذين سيكونون أول من يدخله بعد بنائه والصلاة فيه. وبحسب أحد قادة المنظمة، فإن البقرة ستخضع لفحوصات مجهرية ومخبرية خاصة لفترة طويلة، للتأكد بشكل نهائي من أنها البقرة التي ينتظرها اليهود منذ 2000 عام، حسب قوله.
ولا خلاف بين المرجعيات الدينية اليهودية على أن ظهور البقرة الصفراء يعد أهم المؤشرات على قرب إعادة بناء الهيكل، الذي يعني بالضرورة تدمير المسجد الأقصى. ويشار إلى أن جماعات يهودية تطالب الحكومة الإيطالية باستعادة المقتنيات التي غنمها القائد الروماني تيتوس، الذي قام بتدمير الهيكل للمرة الثانية عام 135 ميلادي، من أجل استخدامها عند إعادة بناء الهيكل المزعوم. وبخلاف الانطباع الذي تحاول الحكومة الإسرائيلية تعميمه من أن الجماعات التي تطالب بتدمير المسجد الأقصى مجرد "أعشاب شاذة"، فإن المعلق الإسرائيلي يوسي ميلمان، يشير إلى أن الجماهير اليهودية التي تؤيد هذه الجماعات باتت تشكل قطاعاً واسعاً من المجتمع الإسرائيلي.
وفي مقال نشرته صحيفة "معاريف" في عددها الصادر أمس، شدد ميلمان على أن تعمد الشباب اليهودي الهتاف في قلب المسجد الأقصى "محمد خنزير" يحمل في طياته بشكل خاص طاقة كامنة هائلة لتفجير الأوضاع. ويتساءل ميلمان: "هل ينقص إسرائيل المشاكل والتحديات حتى تخاطر بصدام مع العالم الإسلامي بأسره؟".