الحمد لله العزيز الغفار، وأشهد أن لا إله إلا الله، يكور النهار على الليل، ويكور الليل على النهار، عصم عباده بالأذكار، ومحا عنهم بكمال قصدهم له وبالمناسك، الأوزار والأغيار، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الأطهار.
وبعــــــــــــــــــــــد
قال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) الحج: 27
لغةً: الحج بفتح الحاء هو المصدر، وبالفتح والكسر هو الاسم منه، وأصله القصد، ويطلق على العمل أيضاً وهو قصد مكة للنسك ، وهو حاج وحاجج، والجمع : حجاج وحجيج، والحجة المرة الواحدة.
اصطلاحاً: قصد البيت الحرام في زمن مخصوص بنية لأداء المناسك من طواف، وسعي ووقوف بعرفة، وسائر المناسك استجابةً لأمر الله، وابتغاء مرضاته.
الحج أحد أركان الإسلام الخمسة، ومبانيه العظام ودعائمه، وفرض على المكلف المستطيع مرة واحدة في العمر، ومن الفروض التي علمت من الدين بالضرورة ، ومن أنكر وجوبه كفر، إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام، أو نشأ في بادية بعيدة عن العلم وأهله.
قال تعالى: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إليه سبيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين } آل عمران: 97
وقال تعالى: ( وأتموا الحج والعمرةَ لله ) البقرة: 196
1ـ عن عبد الله عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بُني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسولُ الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً" رواه البخاري ومسلم.
2ـ وعن ابن عباس قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "يا أيها الناس كتب عليكم الحج" فقام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال: "لو قلتها لوجبت، ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها، الحج مرة فمن زاد فهو تطوع" رواه أحمد والنسائي بمعناه.
أجمعت الأمة قاطبة على وجوب الحج مرة واحدة في العمر على المسلم المكلف المستطيع، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم كالكساني وابن قدامة رحمهما الله
أفاض القرآن والسنة في فضل الحج، ووردت فيه النصوص الكثيرة من الترغيب في أداء هذه الفريضة العظيمة. وإليك بعض ما ورد في ذلك:
1ـ الحج أفضل الأعمال وأفضل الجهاد
ـ عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: " إيمان بالله ورسوله". قيل: ثمّ ماذا؟ قال:"ثم جهاد في سبيل الله". قيل: ثمّ ماذا؟ قال: "حج مبرور". والحجّ المبرور هو الحجّ الذي لا يخالطه إثم. وقال الحسن: أن يرجع الحاجّ زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة.
ـ وعنه أيضاً : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جهاد الكبير، والضعيف، والمرأة: الحجّ" رواه النسائي.
ـ وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، ترى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: " لكن أفضل الجهاد: حجّ مبرور" رواه البخاري ومسلم.
2ـ الحج يمحق الذنوب ويهدم ما قبله
ـ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حجّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمّه" رواه البخاري ومسلم.
ـ وعن عمرو بن العاص قال: لمّا جعل الله الإسلام في قلبي أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يدك فلأ بايعك. قال: فبسط فقبضت يدي، فقال: ما لك يا عمرو؟
قلت: أشترط، قال: تشترط ماذا؟ قلت: أن يغفر لي. قال: "أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما قبله، وأنّ الهجرة تهدم ما قبلها، وأنّ الحجّ يهدم ما قبله" رواه مسلم
ـ وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تابعوا بين الحجّ والعمرة، فإنّهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد، والذهب، والفضة، وليس للحجّة المبرورة ثواب إلا الجنّة" رواه النسائي والترمذي
3ـ الحجّاج وفد الله تعالى
عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وفد الله ثلاثة: الحاجّ، والمعتمر، والغازي" رواه النسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان.
ـ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما، والحجّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنّة" رواه البخاري ومسلم
ـ وعن ابن جرير عن جابر رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هذا البيت دعامة الإسلام، فمن خرج يؤمّ هذا البيت من حاجّ أو معتمر كان مضموناً على الله، إن قبضه أن يدخله الجنّة، وإن ردّه، رده بأجر وغنيمة".
" يُكتب له بكل خطوة تخطوها ناقته حسنة ويمحى عنه خطيئة، وركعتان بعد الطواف كعتق رقبة من بني إسماعيل، والسعي بين الصفا والمروة كعتق سبعين رقبة، والوقوف بعرفة يُغفر له ولمن شفع له، ورمي الجمار يكفّر بكل حصاة كبيرة من الموبقات، والذبح يوم النحر مذخور للحاج عند ربه، وحلق الرأس أو تقصيره فله بكل شعرة حسنة وتمحى عنه خطيئة، والطواف بعد ذلك فيطوف ولا ذنب له" رواه ابن حبان والطبراني، وحسنه لغيره الألباني
للحجّ حكم وأسرار يدركها المسلم المتأمل ومنها:
1ـ إخلاص العبودية لله عز وجل، حيث امتثل بأداء هذه العبادة العظيمة في هذا الزمان
2ـ التجرد من حظوظ الدنيا والشهوات ابتغاء مرضاة الله عز وجل.
3ـ إجلال الله عز وجل بتعظيم شعائره ومعالم دينه.
4ـ إظهار الأخوة الإسلامية بين المسلمين على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم.
5ـ تذكر أهوال القيامة وعرصاتها، حيث يتذكر الحاج الرحيل من الدنيا وهو متجرد من كل شيء إلا من لباس الكفن.
6ـ اكتساب مكارم الأخلاق وتهذيب النفس وتأديبها وعلو الروح وسموها
اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط لوجوب الحجّ، الشروط الآتية:
1ـ الإسلام. 2ـ البلوغ. 3ـ العقل. 4ـالحرّيّة.5ـ الاستطاع.
وهذه الشروط الخمسة لا يُعلم فيها خلاف بين أهل العلم. ذلك أن الإسلام، والبلوغ، والعقل، شرط التّكليف في أيّة عبادة من العبادات. وكذلك الحرية شرط لوجوب الحجّ، لأنه عبادة تقتضي وقتاً، ويشترط فيها الاستطاعة، بينما العبد مشغول بحقوق سيّده وغير مستطيع. وأمّا الاستطاعة، فلقول الله تعالى: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إليه سبيلاً} آل عمران: 97.
وللحديث بقية