ثمة أشياء تبدو في أعيننا بسيطة متواضعة القيمة ولكن عند تأملها بعين الحكمة يكشف لنا عن كنوز صحية ندوس عليها ونحن نمضي في طريقنا نحو المدنية المعاصرة مثقلين بالشحوم ومكتظين بالسكر وملبكين معوياً ومعنوياً، ومن تلك الكنوز التي أغفلها بصر الإنسان ولم تغفلها بصيرة النبوة (كنز التلبينة)، هذا الغذاء والعلاج النبوي الذي أشار الرسول صلى الله عليه وسلم لفضله وفؤائده، روى البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: (التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ).
التلبينة - الشعيرتتألف التلبينة من دقيق الشعير أساساً، وهي من أفضل الأغذية الطبيعية التي تعمل على إعادة عمل الجهاز الهضمي بصورة طبيعية، وتناول التلبينة في الصباح يعطي الجسم طاقة عالية تستمر طوال اليوم ولا تسبب هذه الطاقة بارتفاع نسبة السكر في الدم كما أنها لا تتحول إلى دهون، فيما يلي من أسطر يقدم الدكتور سليم الأغبري معلومات وافية عن التلبينة وطريقة تحضيرها وفوائدها العديدة التي أثبتتها الأبحاث والدراسات الأخيرة.
ما هي التلبينة؟..
هي حساء مكونه الرئيسي دقيق الشعير بنخالته، وسميت التلبينة بهذا الاسم تشبيهاً لها باللبن في بياضها ورقتها.
إعداد التلبينة:
ملعقتين من دقيق الشعير بنخالته يضاف لهما كوب من الماء، وتطهى على نار هادئة لمدة (5) دقائق، ثم يضاف كوب لبن وملعقة عسل نحل، ويمكن تناول التلبينة كبديل عن وجبة الإفطار أو وجبة العشاء.
ذكر الرسول لها ولفوائدها:
- روى ابن ماجه والحاكم عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بالبغيض النافع: التلبينة, فوالذي نفسي بيده إنه ليغسل بطن أحدكم كما يغسل الوسخ عن وجهه بالماء).
التلبينة والأبحاث الحديثة:
هناك الكثير من الدراسات والأبحاث حول التلبينة ومكونها الرئيسي دقيق الشعير، وقالت أحدى الدراسات الحديثة أن حبة الشعير غنية بمضادات الأكسدة مثـل فيتـاميـن (E) وفيتـاميـن (A)، وأشارت هذه الدراسة إلى أن مضادات الأكسدة يمكنها منع وإصلاح أي تلف بالخلايا قد يكون بادئا أو محرضا على نشوء ورم خبيث؛ إذ تلعب مضادات الأكسدة دورا في حماية الجسم من الشــوارد الحـــرة (Free radicals) التي تدمر الأغشية الخلوية وتدمر الحمض النووي (DNA)، وقد تكون المتهم الرئيسي في حدوث أنواع معينة من السرطان وأمراض القلب بل وحتى عملية الشيخوخة نفسها، وقد حبا الله الشعير بوفرة الميلاتونين الطبيعي غير الضار، والميلاتونين هرمون يفرز من الغدة الصنوبرية الموجودة في المخ خلف العينين، ومع تقدم الإنسان في العمر يقل إفراز الميلاتونين، وترجع أهمية هرمون الميلاتونين إلى قدرته على الوقاية من الكثير من الأمراض والمشاكل الصحية وأيضاً يزيد الميلاتونين من مناعة الجسم، كما يعمل على تأخير ظهور أعراض الشيخوخة وله دور مهم في تنظيم النوم والاستيقاظ.
الشعير أيضاً غني بالألياف غير المنحلة، وهي الألياف التي لا تنحل مع الماء داخل القناة الهضمية لكنها تمتص منه كميات كبيرة من الماء وتحبسه داخلها، فتزيد من كتلة الفضلات مع الحفاظ على ليونتها مما يسهل ويسرع حركة هذه الكتلة عبر القولون، وفي نخالة الشعير القدرة على التنشيط المباشر للحركة الدودية للأمعاء، وهو ما يدعم عملية التخلص من الفضلات، كما تعمل الألياف المنحلة باتجاه نفس الهدف، إذ تتخمر هلامات الألياف المنحلة بدرجات متفاوتة بواسطة بكتيريا القولون مما يزيد من كتلة الفضلات وينشط الأمعاء الغليظة، وبالتالي يسرع ويسهل عملية التخلص من الفضلات.
وأظهرت نتائج البحوث أهمية الشعير في تقليل الإصابة بسرطان القولون، حيث استقر الرأي على أنه كلما قل بقاء المواد المسرطنة الموجودة ضمن الفضلات في الأمعاء، قلت احتمالات الإصابة بالأورام السرطانية، ويدعم هذا التأثير عمليات تخمير بكتيريا القولون للألياف المنحلة ووجود مضادات الأكسدة بوفرة في حبوب الشعير.
ولم ننتهي بعد.. فالأبحاث أثبت الكثير والكثير من فوائد التلبينة، وكل هذه التقارير العلمية الحديثة أظهرت تطابقاً دقيقاً بين ما ورد في فضل التلبينة على لسان نبي الرحمة وطبيب الإنسانية وبين نتائج تلك الأبحاث التي أوصت بالعودة إلى تناول الشعير كغذاء يومي لما له من أهمية بالغة في الحفاظ على الصحة والتمتع بالعافية.
"التلبينة مجمة لفؤاد المريض....".
- تقليل مستويات الكولسترول في الدم.
- التلبينة تـُعالج وتساهم في الوقاية من أمراض القلب والدورة الدموية وتحد من مضاعفاته فهي:
• تحمي الشرايين من التصلب (خاصة شرايين القلب التاجية).
• تقي من التعرض لآلام الذبحة الصدرية وأعراض نقص التروية (chemia) واحتشاء عضلة القلب (Heart Infarction).
• تساهم بما تحمله من خيرات صحية فائقة الأهمية في الإقلال من تفاقم حالتهم المرضية.
"....تذهب ببعض الحزن".
هناك مواد تلعب دورًا مهماً في التخفيف من حدة الاكتئاب كالبوتاسيوم والماغنسيوم ومضادات الأكسدة وغيرها.. وهذه المواد وأكثر تجتمع في حبة الشعير الحنونة التي أشار لها نبي الرحمة.. هذه العناصر المذكورة وفيتامين (B) الموجود في الشعير والأحماض الأمينية كلها تلعب دوراً قوياً في علاج حالات القلق والاكتئاب وفي الشفاء السريع من الأمراض وخصوصاً الأمراض المستعصية والتي لا يزعم عباقرة الطب الحديث بأنها لا علاج لها..!.
وفي الأخير.. نقول إنه إذا كان كثير من الناس يتحولون اليوم من العلاج الدوائي إلى الطب الشعبي والتقليدي، فإن من الناس أيضا من يتحول إلى الطب النبوي، وهم لا يرون فيه مجرد طريقة للحصول على الشفاء، بل يرون فيه سبيلا للفوز بمحبة الله وفرصة لمغفرة الذنوب، قال الله تعالى: {قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}..
وهكذا يصبح للتداوي مبررات أخرى أعظم من الشفاء ذاته..