فضل يوم عرفة:
إذا ذكر يوم عرفة، فقد ذكر أفضل الأيام وأبركها ، فليس ثمة يوم طلعت فيه الشمس، أو غربت، هو خير من يوم عرفة أبدا.
فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سئل عن صوم يوم عرفة فقال: " يكفر السنة الماضية والسنة القابلة ") رواه مسلم
أخرج ابن ماجة في سننه عن عبد الله بن كنانة بن عباس بن مرداس السلمي أن أباه أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة فأجيب : أني قد غفرت لهم ما خلا المظالم ، فإني آخذ للمظلوم منه ، قال : أي رب إن شئت أعطيت المظلوم من الجنة وغفرت للظالم ، فلم يجب عشية عرفة. فلما أصبح بالمزدلفة ، أعاد الدعاء فأجيب إلى ما سألي. قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال : تبسم فقال أبو بكر وعمر : بأبي أنت وأمي إن هذه الساعة ما كنت تضحك فيها فما الذي أضحكك ، أضحك الله سنك ؟ قال : إن عدو الله إبليس لما علم أن الله عز وجل قد استجاب دعائي ، وغفر لأمتي أخذ التراب فجعل يحثوه على رأسه ، ويدعو بالويل والثبور ، فأضحكني ما رأيت من جزعه.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: " وهو يوم شريف عظيم ، وعيد كريم ، وفضله كبير ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه يكفر سنتين ." انتهى
وعن عائشة رضي الله عنهاعن النبيصلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدأ من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول:ما أراد هؤلاء؟) رواه مسلم
فيوم عرفة، يوم الحج الأكبر، هو أعظم مجامع الدنيا ،فهناك : " تُسكب العبرات ،وتُقال العثرات ،وتُرتجى الطلبات ، وتُكفّر السيئات " .
في هذا اليوم المشهود علينا أن نجدد النية بالتوبة والأوبة إلى رب البرية، وأن نجعل هذا اليوم خالصاً لله عز وجل نتقرب فيه بكل عمل خير مهما قل.
عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطابرضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه) رواه البخاري
قال تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ) النساء: 17
وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ : ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّار ، فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» رواه البخاري
وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَسَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَلاَ يَرَى شَيْئًا قُدَّامَهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» وفي رواية قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقُوا النَّارَ» ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاح، ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ» ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثَلاَثًا، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ : «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» رواه البخاري
ثانياً: قيام الليل والتهجد
دخل ليل يوم عرفة عليكم الاستعداد بالنوم مبكراً بعد صلاة العشاء ، حتى تستيقظوا في الثلث الأخير من الليل ، لمناجاة الرب العلي بركعات نبكي فيها على الذنوب ونصلح بها القلوب، ونطلب من علام الغيوب أن يتوب علينا ويتقبلنا في الصالحين
ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)الفرقان 64
وقال تعالى: (كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) الذاريات : 17
وعن أبي هريرة أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم سئل: أيُّ الصّلاةِ أفضلُ بعد المكتوبةِ؟ وأيُّ الصّيامِ أفضلُ بعد شهرِ رمضانَ؟ فقال:" أفضلُ الصّلاةِ بعد الصّلاةِ المكتوبةِ، الصّلاةُ في جوفِ الليل. وأفضلُ الصّيامِ بعد شهرِ رمضانَ، صيامُ شهرِ اللهِ المُحرَّمِ "، رواه مسلم.
السحور بنية صيام يوم عرفة وقد تقدم فضله
عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تسحروا فإن في السحور بركة ) . رواه مسلم
.وعن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر ) رواه مسلم .
رابعاً :الاستغفار في الأسحار
بعد السحور تفرغوا للاستغفار في السحر
قال تعالى: (وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) البقرة: 199
وقال تعالى: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ) الذاريات : 18
وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يخرج من ناحية داره مستخفيا وقت السحر، وفي رواية: كان يسمع ذلك من داره وقت السحر فيقول: اللهم إنك دعوتني فأجبتك، وأمرتني فأطعتك، وهذا السحر فاغفر لي، فقيل له في ذلك،فقال: إن يعقوب عليه السلام حين سوف بنيه - أي وعدهم بأن يستغفر لهم وقال لهم "سوف أستغفر لكم ربي" - أخرهم إلى السحر، لأنه وقت إجابة
ومن فضائل الاستغفار أن الله عز وجل يغفر لمن استغفره قال تعالى:{ وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا) النساء : 110
إذا كان هناك استطاعة بالاعتكاف في النهار إلى الغروب في المسجد والقصد من هذا الاعتكاف الخلوة بالله عز وجل ، والانقطاع عن الناس ما أمكن حتى يتم أنسه بالله عز وجل وذكره ، وإصلاح القلب بالصلاة والقرآن وحفظ الصيام والذكر والدعاء ،ويكون توفيق من عند الله عز وجل
قال تعالى: (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع والسجود ) سورة البقرة /125
الذهاب إلى المسجد قبل الأذان ، حتى لا تضيع تكبيرة الإحرام ، وأما النساء في مصلى مخضعهن .
عن جندب بن عبدالله بن سفيان البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: (مَن صلَّى الصبح، فهو في ذمة الله، فلا يَطلُبَنَّكم الله من ذمَّته بشيء؛ فإن من يطلُبهُ من ذمته بشيء يدركه، ثم يَكُبه على وجهه في نار جهنم) رواه مسلم وأحمد
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -:(ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما، لأتَوهما ولو حبوًا، ولقد هممتُ أن آمُرَ المؤذِّن فيُقيم، ثم آخُذَ شُعلاً من النار، فأحرِّقَ على من لا يخرج إلى الصلاة بعد) رواه أحمد، والبخاري، ومسلم
سابعاً : المكوث في المسجد
يستحب المكوث في المسجد بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولما في ذلك من الأجر الكبير، ولا تنسوا أذكار الصباح
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا ) رواه مسلم
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي إلا فيه مقال من بعض المحدثين
عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ : قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . كَثِيرًا كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوْ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامَ وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ .
وهذا حسب القدرة إما النوم قليلاً، أو المداومة على التعبد حتى صلاة الظهر، ثم نوم القيلولة.
قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم ْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) الروم: 23.
وفي السنة أنه صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على نومة القيلولة
عن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة) أخرجه ابن ماجه
وعنه صلى الله عليه وسلم :" قيلوا فإن الشياطين لا تقيل " اخرجه الطبراني.
بعد القيلولة وأداء صلاة العصر في الجماعة
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ». متفق عليه.
وعن أبي بَصرة رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العصر بالمخمَّص فقال: «إنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوها، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ..». أخرجه مسلم.
عاشراً : انتظار صلاة المغرب
انتظار الصلاة بعد الصلاة من أفضل القروبات إلى الله عز وجل
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهَ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: «إسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إلَى المسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ». أخرجه مسلم
عليكم في هذا الوقت بالاجتهاد في الطاعة من قراءة القرآن وأذكار المساء والدعاء والتضرع والبكاء والحرقة والخوف والرجاء حتى يإذن المغرب ويفيضوا أهل عرفات ،وتفطروا على التمرات وتحمدوا رب الأرض والسموات على ما تفضل به عليكم من أوقات فرغكم فيها لطاعته
ثم انصرفوا إلى بيوتكم راشدين وجلين مستغفرين، للفطر مع أهلكم، والتأهب بعد ذلك لليوم الأكبر يوم النحر لصلاة العيد ثم ذبح الأضحية للمستطيع.
قال تعالى: (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج:32
وقال تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) الكوثر
ثم اشكروا الله على ما هداكم
الحادي عشر : أجعل هذا شعارك
بعد هذا الجهد منك والتوفيق من الله عز وجل أجعل هذه الآيات شعارك وتذكرها في باقي حياتك حتى يأتيك اليقين
قال تعالى: (قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) الزمر: 13
وقال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) الحج:13
قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام :162
وقال تعالى: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِين ) النمل : 19
دعاء نبي الله يوسف الصديق عليه السلام : (فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) يوسف : 101
نسأل الله لنا ولكم القبول والثبات حتى الممات ، وأن يجعل أخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويلحقنا في الآخرة مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا.
ولا تنسونا من صالح دعائكم
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين