في اللغة: المحصنات جمع محصنة وهي صيغة المؤنَّث لمفعول أحصنَ
ومُحَصَّن: ( اسم ) مفعول مِنْ حَصَّنَ ، يقال مُعَسْكَرٌ مُحَصَّنٌ : مَحْمِيٌّ ، مَصونٌ (وَلاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ) الحشر: 14 ، يقال رَجُلٌ مُحْصَنٌ: مُتَزَوِّجٌ اِمْرَأَةٌ مُحْصَنَةٌ : مُتَزَوِّجَةٌ ، عَفِيفَةٌ.
والتحصن: التمنع ;; ومنه قوله تعالى : " وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم " الأنبياء : 80 أي لتمنعكم ; ومنه الحصان للفرس ( بكسر الحاء ) لأنه يمنع صاحبه من الهلاك . والحصان ( بفتح الحاء ) : المرأة العفيفة لمنعها نفسها من الهلاك . وحصنت المرأة تحصن فهي حصان ; مثل جبنت فهي جبان
امرأة محصنة أي متزوجة محصنة: أي حرة عفيقة ممنوعة من الفسق ولفظ " المحصنات " أُطلق في القرآن ثلاثة إطلاقات :
الأول: المحصنات: العفائف ، ومنه قوله تعالى{ محصنات غير مسافحات }،أي عفائف غير زانيات
الثاني: المحصنات: الحرائر، ومنه قوله تعالى { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } ، أي: على الإماء نصف ما على المحصنات من الجلد .الثالث: أن يراد بالإحصان : التزوج ، ومنه - على التحقيق - قوله تعالى { فإذا أحصنَّ فإن أتين بفاحشة } الآية ، أي : فإذا تزوجن ، وقول من قال من العلماء إن المراد بالإحصان في قوله { فإذا أحصنَّ } الإسلام : خلاف الظاهر من سياق الآية ؛ لأن سياق الآية في الفتيات المؤمنات حيث قال:{ ومن لم يستطع منكم طولاً }الآية
حكم القذف:
القذف في الأصل حرام بالكتاب، والسنة، والإجماع، وكبيرة من كبائر الذنوب، فيحرم الرمي بالفاحشة.
دليل الكتاب:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} النور : 23.
وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور: 4
أولاً : هذه الآية نزلت في القاذفين . قال سعيد بن جبير : كان سببها ما قيل في عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها . وقيل : بل نزلت بسبب القذفة عاما لا في تلك النازلة . وقال ابن المنذر : لم نجد في أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرا يدل على تصريح القذف , وظاهر كتاب الله تعالى مستغنى به دالا على القذف الذي يوجب الحد , وأهل العلم على ذلك مجمعون .
ثانياً : " والذين يرمون " يريد يسبون , واستعير له اسم الرمي لأنه إذاية بالقول كما قال النابغة : وجرح اللسان كجرح اليد وقال آخر : رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئا ومن أجل الطوي رماني ويسمى قذفا ; ومنه الحديث : إن ابن أمية قذف امرأته بشريك بن السحماء; أي رماها .
ثالثاً : ذكر الله تعالى في الآية النساء من حيث هن أهم , ورميهن بالفاحشة أشنع وأنكى للنفوس . وقذف الرجال داخل في حكم الآية بالمعنى , وإجماع الأمة على ذلك ، وحكى الزهراوي أن المعنى : والأنفس المحصنات ; فهي بلفظها تعم الرجال والنساء , ويدل على ذلك قوله : " والمحصنات من النساء " . النساء : 24 . وقال قوم: أراد بالمحصنات الفروج ; كما قال تعالى: " والتي أحصنت فرجها " الأنبياء: 91 فيدخل فيه فروج الرجال والنساء . وقيل: إنما ذكر المرأة الأجنبية إذا قذفت ليعطف عليها قذف الرجل زوجته
رابعاً: الجمهور من العلماء على أنه لا حد على من قذف رجلا من أهل الكتاب أو امرأة منهم. وقال الزهري وسعيد بن المسيب وابن أبي ليلى : عليه الحد إذا كان لها ولد من مسلم. وفيه قول ثالث : وهو أنه إذا قذف النصرانية تحت المسلم جلد الحد . قال ابن المنذر: وجل العلماء مجمعون وقائلون بالقول الأول, ولم أدرك أحدا ولا لقيته يخالف في ذلك. وإذا قذف النصراني المسلم الحر فعليه ما على المسلم ثمانون جلدة ; لا أعلم في ذلك خلافا.
خامساً : وأجمع العلماء على أن الحر لا يجلد للعبد إذا افترى عليه لتباين مرتبتهما, ولقوله عليه السلام : ( من قذف مملوكه بالزنى أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال ) خرجه البخاري ومسلم . قال العلماء : وإنما كان ذلك في الآخرة لارتفاع الملك واستواء الشريف والوضيع والحر والعبد , ولم يكن لأحد فضل إلا بالتقوى ولما كان ذلك تكافأ الناس في الحدود والحرمة , واقتص من كل واحد لصاحبه إلا أن يعفو المظلوم عن الظالم . وإنما لم يتكافئوا في الدنيا لئلا تدخل الداخلة على المالكين من مكافأتهم لهم فلا تصح لهم حرمة ولا فضل في منزلة وتبطل فائدة التسخير حكمة من الحكيم العليم , لا إله إلا هو .
سادساً: إذا رمى صبية يمكن وطؤها قبل البلوغ بالزنى كان قذفا عند مالك . وقال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور : ليس بقذف ; لأنه ليس بزنى إذ لا حد عليها , ويعزر . قال ابن العربي: والمسألة محتملة مشكلة, لكن مالك طلب حماية عرض المقذوف وغيره راعى حماية ظهر القاذف ; وحماية عرض المقذوف أولى ; لأن القاذف كشف ستره بطرف لسانه فلزمه الحد. قال ابن المنذر : وقال أحمد في الجارية بنت تسع : يجلد قاذفها , وكذلك الصبي إذا بلغ عشرا ضرب قاذفه. قال أبو عبيد : في حديث علي رضي الله عنه أن امرأة جاءته فذكرت أن زوجها يأتي جاريتها فقال : إن كنت صادقة رجمناه وإن كنت كاذبة جلدناك . فقالت : ردوني إلى أهلي غيرى نغرة. قال أبو عبيد : في هذا الحديث من الفقه أن على الرجل إذا واقع جارية امرأته الحد .وفيه أيضا إذا قذفه بذلك قاذف كان على قاذفه الحد ; ألا تسمع قوله : وإن كنت كاذبة جلدناك. ووجه هذا كله إذا لم يكن الفاعل جاهلا بما يأتي وبما يقول , فإن كان جاهلا وادعى شبهة درئ عنه الحد في ذلك كله .
وفيه أيضا أن رجلا لو قذف رجلا بحضرة حاكم وليس المقذوف بحاضر أنه لا شيء على القاذف حتى يجيء فيطلب حده ; لأنه لا يدري لعله يصدقه ; ألا ترى أن علياً رضي الله عنه لم يعرض لها.وفيه أن الحاكم إذا قذف عنده رجل ثم جاء المقذوف فطلب حقه أخذه الحاكم بالحد بسماعه ; ألا تراه يقول: وإن كنت كاذبة جلدناك ; وهذا لأنه من حقوق الناس.
سابعاً: حكم شهادة الأربعة أن تكون على معاينة يرون ذلك كالمرود في المكحلة، وإن اضطرب واحد منهم جلد الثلاثة ; كما فعل عمر في أمر المغيرة بن شعبة ; وذلك أنه شهد عليه بالزنى أبو بكرة نفيع بن الحارث وأخوه نافع ; وقال الزهراوي : عبد الله بن الحارث , وزياد أخوهما لأم وهو مستلحق معاوية , وشبل بن معبد البجلي، فلما جاءوا لأداء الشهادة وتوقف زياد ولم يؤدها , جلد عمر الثلاثة المذكورين وإن كنت كاذبة جلدناك ; وهذا لأنه من حقوق الناس .
ثامناً: حكم شهادة الأربعة أن تكون على معاينة يرون ذلك كالمرود في المكحلة، وإن اضطرب واحد منهم جلد الثلاثة ; كما فعل عمر في أمر المغيرة بن شعبة ; وذلك أنه شهد عليه بالزنى أبو بكرة نفيع بن الحارث وأخوه نافع ; وقال الزهراوي : عبد الله بن الحارث , وزياد أخوهما لأم وهو مستلحق معاوية , وشبل بن معبد البجلي فلما جاءوا لأداء الشهادة وتوقف زياد ولم يؤدها جلد عمر الثلاثة المذكورين .
تاسعاً: تضمنت الآية ثلاثة أحكام في القاذف: جلده, ورد شهادته أبدا, وفسقه. فالاستثناء غير عامل في جلده بإجماع ; إلا ما روى الشعبي على ما يأتي. وعامل في فسقه بإجماع. واختلف الناس في عمله في رد الشهادة ; فقال شريح القاضي وإبراهيم النخعي والحسن البصري وسفيان الثوري وأبو حنيفة : لا يعمل الاستثناء في رد شهادته , وإنما يزول فسقه عند الله تعالى . وأما شهادة القاذف فلا تقبل البتة ولو تاب وأكذب نفسه ولا بحال من الأحوال . وقال الجمهور: الاستثناء عامل في رد الشهادة, فإذا تاب القاذف قبلت شهادته ; وإنما كان ردها لعلة الفسق فإذا زال بالتوبة قبلت شهادته مطلقا قبل الحد وبعده, وهو قول عامة الفقهاء. ثم اختلفوا في صورة توبته ; فمذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه والشعبي وغيره, أن توبته لا تكون إلا بأن يكذب نفسه في ذلك القذف الذي حد فيه . وهكذا فعل عمر ; فإنه قال للذين شهدوا على المغيرة : من أكذب نفسه أجزت شهادته فيما استقبل , ومن لم يفعل لم أجز شهادته ; فأكذب الشبل بن معبد ونافع بن الحارث بن كلدة أنفسهما وتابا وأبى أبو بكرة أن يفعل ; فكان لا يقبل شهادته . وحكى هذا القول النحاس عن أهل المدينة. وقالت فرقة - منها مالك رحمه الله تعالى وغيره - : توبته أن يصلح ويحسن حاله وإن لم يرجع عن قوله بتكذيب ; وحسبه الندم على قذفه والاستغفار منه وترك العود إلى مثله ; وهو قول ابن جرير. ويروى عن الشعبي أنه قال : الاستثناء من الأحكام الثلاثة , إذا تاب وظهرت توبته لم يحد وقبلت شهادته وزال عنه التفسيق ; لأنه قد صار ممن يرضى من الشهداء ; وقد قال الله عز وجل : " وإني لغفار لمن تاب " طه : 82 .
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «اجتنبوا السبع الموبقات»، وذكر منها: (قذف المحصنات المؤمنات الغافلات).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَقَالَ الْآخَرُ وَهُوَ أَفْقَهُهُمَا أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِي أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ تَكَلَّمْ قَالَ إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالْعَسِيفُ الْأَجِيرُ فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَبِجَارِيَةٍ لِي ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ مَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأَمَرَ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الْآخَرِ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا) رواه البخاري
انتهي