الحمد لله المبتدئ بحمد نفسه قبل أن يحمده حامد ، والذي خلق الخلائق كلها فمنهم ساجد ومنهم حامد ، فقدر لهم الحقوق والنعم ورزقهم من قبل خلقهم ، وهو على كل شئ قادر. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الرب الصمد الواحد ، احلي القيوم الذي لا يموت ، ذو الجلال والإكرام والمواهب العظام والمتكلم بالقرآن والخالق للإنسان والمنعم عليه بالإيمان والمرسل رسوله بالبيان محمد ما اختلف الملوان وتعاقب الجديدان أرسله بكتابه المبين الفارق بين الشك واليقين وأسلم على أهله بيته وأصحابه الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعــــــــــــد
أليس من المضحك المبكي أن جعلوا يوم العاشر من ديسمبر الميلادي من كل عام يوم عالمي لحقوق الإنسان ومن شرعوا هذا اليوم هم أول من انتهكوا حقوق الإنسان وأضاعوا كرامته. أليس من العجب أن نجد بأن من يزعمون أنهم يخافون على حقوق الإنسان ويصدرون البيانات بأنهم يحافظون على الميثاق الخاص بحقوق الإنسان، أكثرهم انتهاك لهذه الحقوق، بل يقدمون حقوق الحيوان على حقوق الإنسان. فيحرم المسلمين من إقامة شعيرة الأضحية لحفظ حقوق الشاة ، ويُحرم إهانة البقر لأنه يعبد من دون الله فلا يجوز ذبحه . وفي المقابل تجد أن المسلمين كل يوم تنتهك حقوقهم المشروعة إما باحتلال أراضيهم والتنكيل بهم في السجون والمعتقلات أو قتلهم في الشوارع بالرصاص أو بالطائرات بأيد أعدائهم أو بأيد من يتكلمون بألسنتهم ممن يدعون بأنهم مسلمون أو ممن انتزعت الرحمة من قلوبهم وطغوا وتكبروا بظلمهم. فأين هو ميثاق حقوق الإنسان الذي وضع يوم 10 ديسمبر 1948، وصار يوم عالمي يحتفل به في غياب كل الحقوق وانتهاك كل المواثيق؟!!.
الحقوق في الإسلام:
إن الإسلام أقر حقوق كل مخلوق في هذا الكون من إنسان أو حيوان أو جماد قبل أي ميثاق أممي أو عالمي ، وجاءت الشريعة لتحافظ على الضروريات الخمس وهي :(حفظ الدين المتمثل في عقيدة التوحيد ، وحفظ النفس من القتل ، وحفظ العرض والنسل من اقتراف الفواحش وحفظ المال من أكل أموال الناس بالباطل ، وحفظ العقل).
قال تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام:151-153
أنواع الحقوق:
الحقوق في الشريعة كثيرة ، ولا يمكن حصرها وقد قسمها الفقهاء إلى مجموعة من الأقسام كل تقسيم يرجع إلى اعتبار معين من أهم هذه التقسيمات التي أريد توضيحها تقسيم الحق باعتبار صاحبه .
أقسام الحق باعتبار صاحبه:
ينقسم الحق باعتبار صاحبة إلى ثلاثة أقسام
1ـ حقوق الله تعالى 2ـ حقوق العباد 3ـ الحقوق
المشتركة
أولا: حقوق الله تعالى
وهي الحقوق التي يقصد بها التقرب إلى الله تعالى مثل: (التوحيد ـ الصلاة ـ الصيام الزكاة ـ الحج ـ الجهاد في سبيل الله).
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: "كُنْتُ رَدِيفَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ فَقَالَ لِي يَا مُعَاذُ؟ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اَللَّهِعَلَى الْعِبَادِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اَللَّهِ؟ قُلْتُ اَللَّهُوَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ حَقُّ اَللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ،وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اَللَّهِ أَنْ لايُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، قُلْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَفَلاأُبَشِّرُ اَلنَّاسَ؟ قَالَ لا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُو)متفقعليه
ونوع يقصد بها حماية المجتمع من غير اختصاص بأحد ، ونسب هذا النوع من الحقوق إلى الله تعالى لعظم خطره وعموم نفعه دون مراعاة فرد بعينه، ومنها الحدود السبعة مثل( حرمة الزنا ـ وشرب الخمر ، وعقوبة السرقة ـ وحد القتل ـ حد القذف ـ حد الحرابة ـ حد الردة ) وكذلك ( كفارة اليمين ـ وحرمان القاتل من الميراث ـ توزيع الخمس للغنائم ـ والمصالح الخمسة).
عن عبادة بن الصامت، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَقِيمُوا حُدُودَ اللَّهِ فِي الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَلَا تَأْخُذْكُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ" سنن ابن ماجه.
خصائص هذا الحق: أنه لا يقبل الاسقاط أو التنازل عنه لأنه حق خالص لله تعالى ، كما أن كل الناس مطالبون بهذا الحق ، وواجب على كل الأمة احترام هذا الحق والمحافظة عليه.
ثانيا: حقوق العباد
هو كل حق تتعلق به مصلحة خاصة بصاحبه وهذا النوع يتناول كل ما شرع المصلحة الدنيوية الخاصة بالفرد دون الجماعة وهذا النوع كثير جداً مثل ( حق الديانة ـ حق التنقل والسفر ـ حق العناية الصحية والاجتماعية ـ حق العيش والكرامة ـ حق الزواج ـ حق التملك والبيع والتعاقد ـ حق الحرية الشخصية ـ وكل الحقوق المدنية والسياسية).
خصائص هذا الحق: فإنه يمكن التنازل عنه فهو يقبل الاسقاط ، ولعل هذا هو أهم فارق بين حق الله وحق العبد كما قرر الأصوليون، وهذا الحق شخصي فصاحبه فقط هو المتصرف فيه أو المتنازل عنه ، كما يرى بعض الفقهاء أنه لا يوجد حقل للعبد إلا ومعه حق لله ، لأن الله أمر بضرورة الوفاء بحقوق العباد.
ثالثا: الحق المشترك
وهو الحق المشترك بين الله تعالى وبين العبد أو هو ما اجتمع فيه حق الله وحق الإنسان. مثاله: حق الإنسان في صيانة كرامته وشرفه هذا حق العبد يظهر في الدفاع عن كرامته وصيانة شرفه ضد من يقذفه ويسبه ، وحق لله يتمثل في صيانة شرف وأعراض الناس جميعا كما في (جريمة القذف)ـ وأحكام العدة بالنسبة للمرأة فهي حق للمرأة تتدبر فيها ما فاتها من نعم الزواج بوفاة أو طلاق ، كذا استبراء الرحم من علاقتها بالزواج السابق ، ويظهر فيها حق الله في حفظ الأنساب من الاختلاط حماية للمجتمع.
خصائص الحق المشترك: أن معظم الحقوق المشتركة لا يجوز التنازل عنها ، وخاصة إذا كان يغلب حق الله على حق العبد . وهناك حالات استثنائية يجوز فيها للعبد أن يتنازل عن الشق الخاص بحقه وهو حق العبد مثل (عقوبة القصاص) أباح الشرع لأهل القتيل المعروفين شرعاً (بالعاقلة أو أولياء الدم) العفو عن القاتل ، لكن لا يحول هذا العفو بين ولي الأمر في أن يوقع ما يراه مت عقوبات تعزيرية على الجاني حماية لجانب حق الله في هذه الجريمة.
حق الحيوان في شريعة الإسلام:
قال تعالى:(وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ،وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)النحل: 5 - 9
عن عبد الله بن عمرو قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الراحمون يرحمهم الرحمن، إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " رواه أبو داود والترمذي
وعن جابر بن عبد الله قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم معبد حائطا فقال:" يا أم معبد، من غرس هذا النخل، أمسلم أم كافر؟ فقالت: بل مسلم. قال:" فلا يغرس المسلم غرسا فيأكل منه إنسان، ولا دابة، ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة" رواه مسلم
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" دخلت امرأة النار في هرة ربطتها ، فلا هي أطعمتها ، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت هزلا" رواه البخاري
عن شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من رحم ولو ذبيحة عصفور رحمه الله يوم القيامة" رواه البخاري
عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته" رواه أحمد وأبو داود والنسائي
عن سعيد بن جبير قال : كنت مع ابن عمر، فمروا بفتية أو بنفر نصبوا دجاجة يرمونها، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها، وقال ابن عمر: من فعل هذا؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا. وفي رواية :" لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مثل بالحيوان " رواه البخاري
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة" رواه البخاري
ختام ونصيحة:
هذه نصيحة من القلب إلى كل من أخذ حق ليس بحق له، أن يتقي الله عز وجل ويرجع الحقوق إلى أصحابها في الدنيا قبل الآخرة حيث لا درهم ولا دينار ولكنها الحسنات.
قال تعالى: (وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوْاالْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْيُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنْ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّوَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْوَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍمُقِيمٍ ) الشورى 44 ـ 45
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلل منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)رواه البخاري
وعنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي، من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته، قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)رواه مسلم