يدّعون أنهم لا يقصدون المدنيين الأبرياء، أنهم يتمتعون بالانسانية، وأنهم أيضاً يراعون مشاعرنا، ولا مشاكل بيننا وبينهم، وأن عدوهم الأكبر هو من يطلق نحوهم الصواريخ ومن يحفر الأنفاق، حتى تصل داخل حدودهم.
أثناء العدوان على غزة اعتادوا الاتصال بأصحاب البيوت التي يزمعون قصفها وتدميرها بصواريخ الـ إف 16، وهذه الاتصالات تندرج تحت مسمى الانسانية، ولذلك فقد تركوا بعض القصص الطريفة التي ما هي إلا للترويج الإعلامي.
أحد أصحاب البيوت المدمرة يقول: لم أتوقع، لو للحظة واحدة، أن بيتي سيُهدم، فأنا قضيت عمري مسالماً، ولذلك فقد استيقظت على مكالمة بعد منتصف الليل يطلب مني صاحبها على الجانب الآخر من الخط، أن أقوم بإخلاء بيتي سريعاً، وهنا صحت به: "بيكفي مزح" ..، لكن الصوت عاود الاتصال به وأمره بأن يخلي البيت مع عائلته. مرة أخرى، لم يصدق واعتقد أن هذه مزحة من أحد أصدقائه، وهنا انتهره وحذره الصوت بقوله: "أنت بتكلم المخابرات الاسرائيلية، وعليك إخلاء البيت"، يقول الرجل: أخليت البيت بسرعة من عائلتي، وحملت معي ما خف وزنه وغلا ثمنه في نظري، وهنا اتصل بي صاحب الصوت للمرة الثالثة وقال لي: "نقصف ولا لسه" فأجبته: اقصفْ وتوكّل على الله...
أمّا ما حدث مع ربّ أسرة أخرى، فيثير الضحك أكثر حيث تلقى المكالمة نفسها واعتبرها مزاحاً، ولم يأخذ الأمر بجدية خصوصاً مع تداول الناس أخباراً عن مكالمات كثيرة تردهم عبارة عن أسطوانات مسجلة، فيقول: "لم أردّ على الاتصال وعاودت متابعة الأخبار في التلفزيون، حتى عاود صاحب الصوت المنذر والمهدد الاتصال بي قائلاً: أنت فلان وبيتك هو المقصود والدليل أن أمك وزوجتك تعدّان العشاء الآن في المطبخ. يقول الرجل: شعرت بصدمة وقفزت من مكاني لأجد أمي وزوجتي ولأول مرة تقفان معاً في المطبخ تتحدثان وتعدان طعام العشاء فعلاً، وهذا قليلاً ما يحدث، فصحت بهما: "ياختي عليكي انتي وهي، ما جيتو تتصالحوا إلا الليلة، يلا اخلوا البيت رح ينقصف".
في مدرسة الإيواء، كان يتحدث بسخرية عن هذه الواقعة، مستغرباً كيف وصلت هذه المعلومة لضابط المخابرات الذي اتصل به، ولكنه لم يكن يعلم أن صوتَي الأم والزوجة كانا عاليين، وهما سعيدتان بحمامة السلام ترفرف بينهما، حتى أن طائرة الاستطلاع قد رصدتها في تلك المنطقة النائية، بالقرب من الحدود مع مصر خاصة مع سكون الليل. أمّا أطرف تلك المكالمات فهي حين انزعج أحد أرباب البيت من كثرة من لاذوا به من الأقارب، وهو المشهور ببخله الشديد ولم يكن يرحب باستقبال أي ضيوف، ولكن أيام العدوان أجبرته على استضافة أكثر من عشرين فرداً في بيته. هكذا خطرت له فكرة، فقد اشترى بطاقة هاتف اسرائيلية مما سمح له بإمكانية استخدام خاصية إخفاء رقم المتصل، حيث لا تتوفر هذه الخاصية مع الهواتف الفلسطينية، واتصل بالضيوف، واحداً تلو الآخر، ليخبرهم أن البيت الذي نزحوا إليه سيتعرض للقصف، وهكذا تخلص سريعاً من ضيوفه الذين سرعان ما اكتشفوا أمره، وقرروا قطع علاقتهم به إلى الأبد.