تفيد المعطيات الميدانية، بأن معركة الحسم في العاصمة العراقية، بغداد، بين قوات الجيش والمليشيات من جهة، ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من جهة ثانية، باتت أقرب من أي وقت مضى، عشية اجتماع تفيد مصادر بأنه سيكون حاسماً لرؤساء أركان جيوش التحالف الدولي في واشنطن، اليوم الثلاثاء، بمشاركة العراق، لبحث تداعيات المشهد العراقي، وإمكانية تشكيل قوة برية لدعم عمليات القصف الجوي وسبل وقف تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وسط هذه الأجواء، كشفت مصادر عسكرية عراقية عن بدء تدفق المئات من مقاتلي التنظيم واحتشادهم حول محيط بغداد، من ثلاثة محاور، مع دبابات ومدرعات ومدافع هاون. ويؤكد مسؤول عسكري عراقي رفيع في حديث لـ "العربي الجديد" أن "المئات من مقاتلي تنظيم "داعش" يتوافدون على المناطق المحيطة ببغداد منذ يومين وبشكل مستمر، وينتشرون في مواقع مختلفة شمال وغرب وجنوب العاصمة في مناطق زراعية وسكنية مختلفة".
ويوضح المسؤول، الذي يشغل رتبة عميد ركن في هيئة رئاسة أركان الجيش العراقي، أن "داعش ينشر مقاتليه في مناطق مختلفة من أبو غريب وصدر اليوسفية واليوسفية والتاجي والطارمية والمشاهدة والمحمودية وعرب جبور، وهو تمكن من حفر خنادق وإقامة سواتر ترابية في المناطق التي يسيطر عليها".
ويكشف عميد ركن في الجيش، أن "السكان المحليين تركوا منازلهم خوفاً من الآتي، فيما غارات التحالف ما زالت غير مؤثرة حتى الآن في مناطق حزام بغداد"، مشيراً إلى أن "أي اشتباكات لم تقع بين تنظيم "داعش" وقوات الجيش العراقي الذي رفع درجة الإنذار إلى المرتبة القصوى، بعدما تقلّص خط التماس بين الطرفين ليصل إلى بضعة كيلومترات في بعض المناطق، خاصة تلك القريبة من مطار بغداد الدولي من الاتجاه الغربي".
وفي الإطار نفسه، يكشف العقيد الركن رياض الساعدي، من الفرقة السادسة في الجيش العراقي المرابطة حول بغداد، أن "قوات الجيش أوقفت عملياتها الهجومية ليلاً، وتتخذ موقعاً دفاعياً في كل يوم ليلاً بسبب تفوق "داعش" في الظلام بعمليات التسلل وتنفيذ هجمات كبيرة على قطعات الجيش وافتقار القوات العراقية للوسائل اللازمة في المعارك الليلية"، مؤكداً أن "لدى التنظيم الإرهابي وفرة كبيرة في الانتحاريين أكثر من أي وقت مضى".
ويوضح الساعدي لـ "العربي الجديد" أن "ثلاث فرق عسكرية تحيط ببغداد حاليا، بعد استقدام قوات من البصرة وكربلاء والعمارة ومحافظة المثنى جنوبي العراق"، مضيفاً: "منحنا الضوء الأخضر لإطلاق النار على أي جسم متحرك يحاول الاقتراب من الخندق أو السواتر الترابية التي تمت إحاطة العاصمة بها، وألقت طائرات عراقية فجر الإثنين منشورات حول ذلك تحذّر الأهالي من الاقتراب".
ويرى أن "تنظيم داعش يعدُّ لهجوم كبير على مكان ما، وقد تكون تحركاته الحالية وتحشيده حول بغداد مجرد خدعة عسكرية، يهدف من خلالها إلى لفت انتباه القوات العراقية إليها، بينما يهاجم هو مدينة أخرى قد تكون بعقوبة أو سامراء أو أي مدينة أخرى وسط البلاد، أو أنه فعلاً قرر الانتحار بمهاجمة بغداد التي لن نسلّمها بسهولة له".
من جهته، يقول القيادي في مليشيا جيش المهدي حسين الدراجي لـ "العربي الجديد" إن "المليشيات تستعد لحرب شوارع طويلة الأمد في حال فشل الجيش بحماية العاصمة".
ويوضح الدراجي في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" أن "نحو سبعة آلاف عنصر من مجاهدي الحشد الشعبي انسحبوا إلى داخل العاصمة ووزعوا مهام عملهم، وهيأوا أمورهم لحرب شوارع في بغداد، وهم ينتشرون الآن في الأحياء والمناطق الداخلية المختلفة"، مؤكداً أن مساعدات من "إيران وصلت لمجاهدي الحشد الشعبي أخيراً".
وتطلق السلطات العراقية على المليشيات المساندة لقوات الجيش مصطلح "مجاهدي الحشد الشعبي" في إشارة إلى فتوى المرجع علي السيستاني بالجهاد ضد تنظيم "داعش" التي أطلقها في الثالث عشر من يونيو/حزيران الماضي، وفشلت في تحقيق تقدم ملموس على الأرض لصالح الحكومة والجيش.
وحول سبب انسحاب المليشيات، يؤكد الدراجي أن "قواتنا متمكّنة ومدربة على حرب الشوارع أكثر من المواجهات المفتوحة، وسنكون حائط الصد الأخير بوجه داعش"، مشددا على أن عناصر المليشيات "بدأت بتسجيل أسماء العناصر الراغبة بتنفيذ عمليات استشهادية بواسطة الأحزمة الناسفة بعد فتوى من مراجعنا الدينية تبيحها لحماية المقدسات والعقيدة والمكتسبات التي حققها الشيعة في بلادهم بعد طول اضطهاد". يأتي ذلك مع وصول تسع مروحيات قتالية أميركية من طراز "أباتشي" إلى بغداد، حطت فجر الإثنين في مطار العاصمة مع كامل أطقمها العسكرية من قوات البحرية الأميركية.
ويكشف النائب العراقي أحمد الدليمي لـ "العربي الجديد" أن المروحيات الأميركية التي وصلت من الكويت إلى مطار بغداد مع 30 جندياً من قوات البحرية الأميركية (المارينز) ستتولى معالجة جيوب ومواقع "داعش" حول بغداد وهي مخصصة لأمن العاصمة، مشيراً إلى أن "تأكيدات القادة الأميركيين حول منعهم سقوط بغداد باتت غير مطمئنة للقيادات العراقية، وخصوصاً أنهم تحدثوا عن منعهم سقوط عين العرب ومدن أخرى، وسقطت بعد أيام".
ويؤكد الدليمي أن "العاصمة آمنة حالياً، والحشود التي يستقدمها تنظيم "داعش" لا تعني بالضرورة هجوماً وشيكاً، أو أنه سيحاول مهاجمة بغداد قريباً"، لافتاً إلى أنها "ليست المرة الأولى التي يقوم بها بذلك، وقد يكون استعراض قوة أو أنه يسعى إلى مهاجمة مناطق أخرى، أو التأثير على حركة الملاحة الجوية المدنية في مطار بغداد الدولي الذي بات على مقربة منه".
في هذه الأثناء، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية، اللواء الركن محمد العسكري، في تصريح صحافي نقلته قناة "العراقية" الحكومية، إن رئيس أركان الجيش الفريق أول بابكر زيباري سيترأس وفد العراق في الاجتماع الخاص بدول التحالف في واشنطن المقرر انعقاده، اليوم الثلاثاء.
وفي التطورات الميدانية، أفاد مراسل "العربي الجديد" في بغداد أن "القوات الأمنية أغلقت أربعة منافذ من أصل ستة لبغداد بشكل كامل وأحاطتها بكتل إسمنتية، ومنعت دخول العاصمة لغير ساكنيها أو الموظفين الحكوميين والحالات الطبية الطارئة".
وأوضح المراسل أن "الحياة بدت مشلولة في تلك المناطق التي تُعتبر سلة بغداد الغذائية، إذ تمدّها يومياً بعشرات الأطنان من المنتجات الزراعية".
وحول مواقع حشود "داعش" الحالية حول بغداد، أوضح أن التنظيم ينتشر غرباً في بساتين أبو غريب في منطقة زوبع وشاخة 17 وطريق القصر وبساتين الحمام، وفي منطقة الرضوانية وحقول العبيد وصدر اليوسفية وقصر الباشا القريبة من مطار بغداد الدولي، وجنوباً في مناطق المحمودية وعرب جبور وكرطان، فيما يحتشد شمالاً في مناطق مختلفة من التاجي التي يتقاسم السيطرة عليها مع الجيش، ومنطقة المشاهدة والمسارية وأجزاء من سبع البور القريبة من مدينة الكاظمية.
وتتميز تلك المناطق بكونها مناطق زراعية كثيفة بمساحات واسعة، وتضم قواعد عسكرية قديمة ومصانع سابقة للجيش العراقي متوقفة عن العمل، قام تنظيم "داعش" بالانتشار فيها بشكل يصعب على الطائرات الحصول على صيد وفير من مقاتليه، من خلال حفر مواضع تحت الأرض وتوزيع المقاتلين على شكل جيوب صغيرة لا يتجاوز عددها خمسة مقاتلين في كل مكان.
في هذا الإطار، حذر القيادي في الحزب الشيوعي العراقي، كريم الكرخي، الحكومة من مغبة الاستمرار في تقليل شأن الخطر الحالي على بغداد، داعياً إياها لمصارحة الشعب بحقيقة الموقف.
ونبّه الكرخي، في حديث لـ "العربي الجديد" من أن "الموقف صعب للغاية، وهناك حشود واضحة لداعش، فيما لا تزال الحكومة تمسك العصا من المنتصف"، معتبراً أن "عليها أن تتخذ إجراءات سريعة، منها مصارحة الشعب بالموقف الحالي وتوجيه دعوة صريحة للتدخل البري في العراق من أي دولة كانت".