الاجتهاد أسمى مظاهر الحرية الفكرية فى الإسلام (فتحى أبو الورد)
حرية التفكير في الإسلام تعني الاعتراف بحقه في التفكير المستقل، والأخذ بالنتائج التي يهديه إليها بحثه، غير ملتفت إلا لصوت ضميره، وهذا هو المبدأ الذي يعرف في كتب الفقه والأصول باسم "الاجتهاد"
والاجتهاد عندنا ــ نحن المسلمين ـــ هو المصدر الثالث من مصادر التشريع الإسلامي ويعنى بذل الفقيه وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة .
والاجتهاد بذلك إنما هو بحث ونظر واستنباط، وهو فرض كفاية على الأمة بمقدار حاجة أقطارها، وأحوالها -كما يقول الطاهر بن عاشور ــ ويعتبر أن الأمة تأثم بالتفريط فيه مع الاستطاعة ومكنة الأسباب والآلات.
والتقليد عكس الاجتهاد، وقد ورد كثير من النصوص في ذم التقليد والنعي على المقلدين الذين يهملون عقولهم ولا يحررونها من أسر التقليد .
وعلى حرية الفكر والرأي تشكلت عقول المسلمين، وعرف العقل كيف يؤدي وظيفته، واللسان كيف يقوم بمهمته.
ومنذ نزل القرآن الكريم وشق الرسول به طريق الحياة ــ كما يقول الشيخ الغزالي ــ شرع العقل الإسلامي يشتغل بجهد رائع، ويعمل في حرية مطلقة. ويختلف العلماء باختلاف أساليب البحث ووسائل النظر دون أي حرج، حتى إنك لتتناول فريضة كالصلاة فترى في أعمالها منذ افتتاحها بالتكبير واختتامها بالتسليم سبعين حكمًا، قد يكون أحدها مضادًا للآخر، ومع ذلك فإن الحرية الهائلة التي أتاحها الإسلام للباحثين المجتهدين وسع تلك الأنحاء، مع تقدير متبادل وأخوة في الدين مقررة .
والقياس صورة من صور ممارسة الاجتهاد وإعمال الفكر وإنعام النظر ، وهو أحد مصادر التشريع، ويعني في اصطلاح الأصوليين: إلحاق واقعة لا نص على حكمها بواقعة ورد نص بحكمها ، فى الحكم الذى ورد به النص ، لتساوى الواقعتين فى علة هذا الحكم .
ويرى علماء الأمة أنه لا يخلو عصر من مجتهدين قائمين لله بالحجة، وأن المجتهد يعمل بما أداه اجتهاده إليه، وأن المجتهد لا يقلد غيره، وأنه مأجور على كل حال.
وقد قررت السنة أن كل مجتهد مأجور، إن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران، فالمثوبة على الاجتهاد ــ سواء أدى إلى خطأ أو إلى صواب ــ دليل على تقدير الإسلام لحرية الفكر .
ترى هل هناك نظام في العالم يدعو إلى حرية الفكر واحترام العقل بل يكافئ المخطئ في اجتهاده - ما دام من أهله – سوى النظام الإسلامى ؟
وقد مورست حرية التفكير في واقع الأمة على نطاق واسع فى عصور الازدهار الحضارى اتباعًا لتعالىم دينها لم يشهد العالم لها مثيلًا ، ما أوجد ثروة فقهية ضخمة ، يعد الانتقاء منها غنى تشريعا كبيرا ، ويؤسس تقنينا لكثير من الأحكام الشرعية اليوم التى فيها كثير من الحلول للأمة كما يعتبر هذا الميراث الفقهى مفخرة لعلماء المسلمين .
ويتخذ فقهاؤنا وعلماؤنا من حرية الفكر وتعدد الآراء طريقًا للوصول إلى أنضج الحلول وأصوبها وسبيلًا لإظهار نور الحق من بينها ، ومذهبهم في ذلك أن دراسة الآراء المتنازعة تجعل نور الحق يلمع من بينها كما يقول الشيخ محمد أبو زهرة.