والخيانة من صفات المنافقين البارزة، فالمنافق إذا سنحت له فرصة الخيانة لم يضيعها أو يدعها تفوت؛ جريًا وراء المغنم، وأصل الخون النقص، كما أنَّ أصل الوفاء التمام، واستعماله ضد الأمانة؛ لأنَّ الخون النقص والضياع، وما أبشع الخيانة بقدر ما يعظم قدر الأمانة، يقول الله تعالى:}إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً}الأحزاب: 72، وقد نهى الله تعالى عن الخيانة بأصنافها، وأنواعها، والنصوص القرآنية المحكمة واضحة وصريحة في تحريم ذلك تحريما قاطعاً.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}المائدة:51
وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} آل عمران:118.
وقال تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِينا} النساء:144.
وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} المائدة:57. هذه الآيات توضح لنا تحريم اتخاذ الكافرين مهما كان نوعهم أولياء من دون المؤمنين، ولو اختلفت الطرق والمسميات الشيطانية التي يُلقها في عقول هؤلاء الذين خانوا الله عز وجل وباعوا آخرتهم بدنيا غيرهم، أو من أجل طلب العزة عندهم.
قال تعالى:{الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَمِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}النساء:139.
وهذا أول مظهر من مظاهر النفاق أن يتخذ المنافقُ الكافرَ وليًا له؛ يقرب منه ويوده، ويستمد منه النصرة والمعونة، والمؤانسة؛ والمجالسة، ويترك المؤمنين.
خيانة الرسول صلى الله عليه وسلم
إنَ صور خيانة النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة في هذا الزمان، أعظمها عدم تعظيم أمره ونهيه بعدم تحكيم شرعه والتحاكم إلى غيره .
قال تعالى:{فَلاوَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}النساء:65. وهذه الآية عامة على ظاهرها فلا يجوز للمسلمين أن يخرجوا عن شريعة الله ، بل يجب عليهم أن يحكموا شرع الله في كل شيء ، فيما يتعلق بالعبادات ، وفيما يتعلق بالمعاملات ، وفي جميع الشؤون الدينية والدنيوية ، لكونها تعم الجميع.
قال تعالى:{وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَوَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}المائدة:49 ـ 50.
وقال تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} المائدة:44.
وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} المائدة:54. وقال تعالى:{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}المائدة:47.
لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتحاكم إليه وتحكيم شرعه وحرّم الحكم بغيره، كما حذر من التنازل عن شيء من الشريعة مهما كلف الأمر، فالحكم بغير ما أنزل الله مناف للإيمان والتوحيد الذي هو حقّ الله على العبيد، وقد يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرا أكبرمخرجاً من الملة، وقد يكون كفرا أصغرغير مخرجاً من الملة بحسب الحال. وهذا التفصيل والبيان في كتب التوحيد فليرجع له.وكذلك من صور خيانة النبي صلى الله عليه وسلم ، عدم طاعته وإتباعه فما أمر.
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} النساء:59.
وقال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}الحشر:7. بيَّن الله أنَّ ما جاء به الرسولُ في أمور الدِّين نحن مأمورون بالأخذ به، وأنَّ ما نهانا عنه فعلينا الانتِهاء عنه؛ فأمر الرَّسول هو كأمر الله في الاتِّباع، ولا يحلُّ تقديم أيِّ قول بعد قول الله تعالى على قوله صلَّى الله عليه وسلَّم بل ورتَّب العذاب الشَّديد، والنَّكال على مَن يُخالف أمره صلَّى الله عليه وسلَّم فنحن نأخذ ما أُمِرنا به، ونخلع ما نُهِينا عنه. قال تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} النور: 63.
وللحديث بقيه إذا قدر الله لنا البقاء واللقاء
ولا تنسونا من صالح الدعاء