الشروط المعتبرة في أهل الاختيار
فأما أهل الاختيار فالشروط المعتبرة فيهم ثلاثة:
أحدها: العدالة الجامعة لشروطها.
والثاني: العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيها.
والثالث: الرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو للإمامة أصلح وبتدبير المصالح أقوم وأعرف، وليس لمن كان في بلد الإمام على غيره من أهل البلاد فضل مزية تقدم بها عليه، وإنما صا من يحضر ببلد الإمام متولياً لعقد الإمامة عرفاً لا شرعاً، لسبوق علمهم بموته ولأن من يصلح للخلاقة في الأغلب موجودون في بلده.
كيفية انعقاد الإمامة:
أوجب الشرع على الأُمة نصب خليفة عليها، حدد لها الطريقة التي يجري بها نصب الخليفة، وهذه الطريقة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة. وتلك الطريقة هي البيعة. فيجري نصب الخليفة ببيعة المسلمين له على العمل بكتاب الله وسنة رسوله. والمقصود بالمسلمين هم الرعايا المسلمون للخليفة السابق إن كانت الخـلافة قائمةً، أو مسلمو أهل القطر الذي تقام الخـلافة فيه إن لَم تكن الخـلافة قائمةً.
أما كون هذه الطريقة هي البيعة فهي ثابتة من بيعة المسلمين للرسول، ومن أمر الرسول لنا ببيعة الإمام. أما بيعة المسلمين للرسول، فإنها ليست بيعة على النبوة، وإنما هي بيعة على الحكم، إذ هي بيعة على العمل، وليست بيعة على التصديق. فبُويع صلى الله عليه وسلم على اعتباره حاكماً، لا على اعتباره نبياً ورسولاً؛ لأن الإقرار بالنبوة والرسالة إيمان وليس بيعة، فلم تبق إلا أن تكون البيعة له باعتباره رئيس الدولة. وقد وردت البيـعـة في القرآن والحديث.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنّ) الممتحنة: 12
وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} الفتح:10.
وعن عُبادة بن الصامت قال: «بايعْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم» رواه البخاري. .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر»رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»رواه مسلم
وعن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا؟ قال: فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم»رواه مسلم
إجراءات إنعقاد الإمامة:
تثبت ولاية إمام المسلمين بواحد مما يلي
1ـ اختيار أهل العقد والحل من العلماء والصالحين، ووجوه الناس وأعيانهم. وقد اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتى، فقالت طائفة: لا تنعقد إلا بجمهور أهل العقد والحل من كل بلد ليكون الرضاء به عاماً والتسليم لإمامته إجماعاً. وقال طائفة أخرى: أقل من تنعقد به منهم الإمامة خمسة يجتمعون على عقدها أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة.
2- أن تكون ولايته بنص الإمام الذي قبله.
3- أن يحصل الأمر شورى في عدد معين محصور من الأتقياء، ثم يتفقون على أحدهم.
4- أن يتولى على الناس قهراً بقوته حتى يذعنوا له، ويَدْعوه إماماً، فيلزم الرعية طاعته في غير معصية الله.
واجبات الخليفة للرعية :
يجب على خليفة المسلمين ما يلي:
1- إقامة الدين:
ويتم ذلك بحفظه، والعمل به، والدعوة إليه، وتعليمه، ودفع الشبه عنه، وحمل الناس عليه، وتنفيذ أحكامه وحدوده، والجهاد في سبيل الله، والحكم بين الناس بما أنزل الله.
قال تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} ص: 26.
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} النساء: 58.
2- اختيار الأكفاء للمناصب والولايات:
قال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} القصص: 26.
وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ، وَلا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ، إِلا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فَالمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللهُ تَعَالَى». أخرجه البخاري.
3- تفقد أحوال الرعية، وتدبير أمورها:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: «أَلاَ كُلّكُمْ رَاعٍ، وَكُلّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ، فَالأَمِيرُ الّذِي عَلَى النّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ، وَالرّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلّكُمْ رَاعٍ، وَكُلّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ». متفق عليه.
4- الرفق بالرعية، والنصح لهم، وعدم تتبع عوراتهم:
عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلنَا: لِمَنْ؟ قال: « وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». أخرجه مسلم.
وَعَنْ مَعْقِل بن يَسَارٍ المُزنِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ». متفق عليه.
وَعَنْ مَعْقِل رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ أمِيرٍ يَلِي أمْرَ المُسْلِمِينَ، ثُمَّ لا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إِلا لَمْ يَدْخُل مَعَهُمُ الجَنَّةَ». أخرجه مسلم.
5- أن يكون قدوة حسنة لرعيته:
قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } القلم: 4.
وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} السجدة: 24.
وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} الأعراف: 199.
6- محاسبة الولاة والعمال فيما وكَّلهم فيه:
عَنْ أبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلا مِنَ الأَزْدِ، يُقال لَهُ ابْنُ اللتْبِيَّةِ، عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أهْدِيَ لِي. قالَ: «فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أبِيهِ أوْ بَيْتِ أمِّهِ، فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أمْ لا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَأْخُذُ أحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيراً لَهُ رُغَاءٌ، أوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أوْ شَاةً تَيْعَرُ». ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ: «اللَّهُمَّ هَل بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَل بَلَّغْتُ». متفق عليه.
7- استيفاء الحقوق المالية لبيت المال، وصرفها في مصارفها الشرعية:
مثل الزكاة، والجزية، والخراج، والفيء، والغنائم ونحوها من الموارد كالبترول والمعادن ونحوها.
قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}التوبة: 103.
8- الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر:
قال تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} النحل: 125.
وقال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} آل عمران: 104.
9- رعاية مصالح الأمة الداخلية والخارجية.
قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} التوبة: 128.
10- مشاورة الإمام أهل الشورى:
ليجمع الرأي السديد، ويطيِّب قلوب من يشاور، ويستفيد من طاقتهم لمصلحة الأمة.
قال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} آل عمران: 159.
11- عدم موالاة الكفار:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } المائدة: 51.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} المائدة: 57.
وقال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ،الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا،وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} النساء: 138- 140.
واجبات الرعية للخليفة:
يجب للإمام على الرعية ما يلي:
1- السمع والطاعة للإمام في غير معصية الله:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} النساء: 59.
وَعَنْ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ». متفق عليه.
2- عدم نزع طاعته، فلا يطاع في المعصية، ولا تُنزع طاعته في غيرها:
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ جَيْشاً وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً، فَأَوْقَدَ نَاراً، وَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَأَرَادَ نَاسٌ أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَقَالَ الآخرونَ: إنّا قَدْ فَرَرْنَا مِنْهَا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله؟ فَقَالَ، لِلّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا: «لَوْ دَخَلتُمُوهَا لَمْ تَزَالُوا فِيهَا إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» وَقَالَ لِلآخَرِينَ قَوْلاً حَسَناً، وَقَالَ: «لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ الله، إنّمَا الطّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ». متفق عليه.
3- المناصحة بتقديم النصح له، والدعاء له، ومن لا يستطيع الوصول إليه يُبلِّغ من يُوصِل إليه النصيحة من العلماء والوجهاء:
قال الله تعالى: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} الأعراف: 68.
وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلنَا: لِمَنْ؟ قال: « وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». أخرجه مسلم.
4- نصرة الإمام ومؤازرته في الحق:
قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} المائدة: 2.
5- عدم الغش والخيانة لهم ولغيرهم:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الأنفال: 27.
وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا». أخرجه مسلم.
وَعَنْ زَيْد بن ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «ثَلاَثُ خِصَالٍ لاَ يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا: إِخْلاَصُ العَمَلِ؟، وَمُنَاصَحَةُ وُلاَةِ الأَمْرِ، وَلُزُومُ الجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ». أخرجه أحمد وابن حبان.
6- لزوم الصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم:
عَنْ أسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَجُلا مِنَ الأنْصَارِ قال: يَا رَسُولَ الله، ألا تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلتَ فُلانًا؟ قال: «سَتَلقَوْنَ بَعْدِي أثرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ». متفق عليه.
وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئاً يَكْرَهُهُ فَليَصْبِرْ، فَإنّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْراً فَمَاتَ، فَمِيتَةٌ جَاهِلِيّةٌ». متفق عليه.
7- طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق:
عَنْ سَلَمَة بن يَزِيد الجُعْفِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: يَا نَبِيّ الله أَرَأَيْتَ إنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمّ سَأَلَهُ فِي الثّانِيَةِ أَوْ فِي الثّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَالَ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَإِنّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلتُمْ». أخرجه مسلم.
8- لزوم جماعة المسلمين وإمامهم عند ظهور الفتن وفي كل حال:
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ النّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشّرّ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ الله إنّا كُنّا فِي جَاهِلِيّةٍ وَشَرِّ، فَجَاءَنَا الله بِهَذَا الخَيْرِ، فَهَل بَعْدَ هَذَا الخَيْرِ شَرّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» فَقُلتُ: هَل بَعْدَ ذَلِكَ الشّرّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ» قُلتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَسْتَنّونَ بِغَيْرِ سُنّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ»، فَقُلتُ: هَل بَعْدَ ذَلِكَ الخَيْرِ مِنْ شَرَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ الله صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: «نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلدَتِنَا، وَيَتَكَلّمُونَ بِأَلسِنَتِنَا» قُلتُ: يَا رَسُولَ الله فَمَا تَرَى إنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإمَامَهُمْ» فَقُلتُ: فَإنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِل تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ». متفق عليه.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطّاعَةِ، وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ، فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيّةً، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلاَ يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلاَ يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنّي وَلَسْتُ مِنْهُ». أخرجه مسلم.
9- الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع، وترك قتالهم ما صلوا:
عَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِىءَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» قَالُوا: أَفَلاَ نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لاَ، مَا صَلّوْا». أخرجه مسلم.
10- عدم الخروج عليهم، وعدم كشف عوراتهم أمام الناس، بل يناصحهم سراً، ولا يجوز التشهير بهم على المنابر وفي الصحف ونحوها؛ لما في ذلك من الفتنة:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} البروج: 10.
وَعَنْ عَرْفَجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ، عَلَىَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوه «أخرجه مسلم.
البقاء في الحكم مدة صلاحيته للإمامة حتى ينتهي أجله، أو يفقد قدرته وطاقته، ليأمن المِلَق والنفاق:
كما بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن مات، وبقي خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم إلى أن ماتوا.
وللحديث بقية