بن شريف يدعو إسبانيا وفرنسا إلى تحمل مسؤوليتهما في تعويض ضحايا حرب الغازات في الريف
دعا الخبير المغربي الدكتور مصطفى بن شريف الدول التي شاركت في حرب الغازات السامة بمنطقة الريف خلال الفترة الممتدة من 1921 إلى 1926 إلى تحمل مسؤوليتها في تعويض ضحايا تلك "الجريمة الدولية" حسب تعبيره.
ووجه اتهامه إلى إسبانيا وفرنسا، الدولتين اللتين كانتا احتلتا المغرب، واللتين استعانتا بقوات أخرى من الولايات المتحدة الأمريكية وبلجيكا وإيطاليا، في حربها ضد المقاومة الريفية بقيادة محمد عبد الكريم الخطابي.
جاء ذلك في كتاب «الجرائم الدولية وحق الضحايا في جبر الضرر: حالة حرب الريف 1921 ـ 1926» الصادر حديثا باللغة الفرنسية عن «دار النجاح الجديدة» بالدار البيضاء، والذي هو بالأصل أطروحة دكتوراه في العلوم القانونية ناقشها الباحث بن شريف بإحدى الجامعات الفرنسية سنة 2011.
وأوضح المؤلف أن استخدام الغازات السامة، خلال"حرب الريف"، من أجل تقليص الخسائر، كان خيارا متعمدا بتواطؤ بين إسبانيا وفرنسا. وكان الهدف المعلن لقوات الاحتلال هو القضاء على المقاتلين الريفيين الذين أبدوا شراسة قوية في مواجهة المحتلين. وأضاف أن القوتين الاستعماريتين سارعتا إلى توحيد جهودهما وبسط أكثر ما يمكن من إمكانات من أجل القضاء على الثورة الريفية، وهكذا تم استخدام الطيران للقصف وللاستقصاء وللتموين والربط.
واستطرد المؤلف قائلا: خلال حرب الريف، شارك العشرات من الطيارين الأمريكيين، أعضاء سرب "لافاييت" الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى (1914-1918) والذين انضموا لجيش الاحتلال على غرار طيارين آخرين من جنسيات مختلفة بلجيكية وإيطالية، جاءوا لمساندة فرنسا وإسبانيا في مواجهة حرب غوارية دشنها المقاوم محمد عبدالكريم الخطابي والتي كانت خارجة عن المألوف، حيث ألحقت معركة "ظهر أوبران"في (يونيو) 1921 هزيمة مُنكرة بالقوات الإسبانية، مكرّسة القدرات الحربية للمقاتلين الريفيين، التي ظهرت بشكل واضح في معركة "أنوال" الموصوفة بـأم المعارك.
وسجل الخبير المغربي أن هزيمة إسبانيا في معركة "أنوال" أفقدتها الأراضي التي اكتسبتها خلال سنوات الحرب.
وأشار إلى أن الاستخدام الكثيف للغازات السامة "إيبيريت و فوسجين" من طرف القوات الاستعمارية كان ذا مفعول حاسم على تطور الأحداث. فالطيارون الأمريكيون وحدهم، قد قاموا خلال ستة أسابيع بـ350 مهمة حربية أطلقوا خلالها أكثر من أربعين طنا من القذائف.
وحول العلاقة السببية بين استخدام الغازات السامة وانتشار الأمراض الخطيرة (السرطانات) في منطقة الريف، أوضح مصطفى بن شريف أنه إذا كان من الصعب تقييم الأضرار الناتجة عن حرب كيماوية ألحقت الضرر بالسكان وبالبيئة، فإنه من الطبيعي إثبات العلاقة السببية المحتملة بين الغازات السامة وسرطانات الحنجرة والمعدة وغيرها التي تفشت في الريف ونواحيها والتي لا تني تتزايد حسب الإحصاءات الرسمية، فمنطقة الريف هي الأكثر تضررا بالمغرب.
واستند الخبير المغربي المذكور إلى تقرير خبرة موّله الجيش التركي، كشف فيه الدكتور هيغو ستونزلبرغ أن «110 أطنان من غاز الإيبيريت سلمته تركيا لإسبانيا من أجل استخدامه في المغرب للقضاء على المتمردين الريفيين». ولاحظ أن الأسلحة الكيماوية تؤدي مباشرة إلى الموت والعمى بالنسبة للبشر وإلى التدهور المستمر للبيئة على المدى البعيد. وأكد أن السلاح الكيماوي منذ حرب الريف (90 سنة) لم يتوقف عن القتل، بسبب الآثار الضارة للغازات المنتشرة في المكان والمتوارثة جيلا بعد جيل.
ومن ثم، فإن هذه الوضعية ـ بحسب الخبير مصطفى بن شريف ـ توصف قانونيا بـ «الفعل المحرم المستمر» في الزمان و المكان، بمعنى أنه فعل غير قابل للتقادم ويندرج ضمن الجرائم ضد الإنسانية، و لأنه مُقترف أثناء الحرب من طرف إسبانيا وفرنسا فهو جريمة حرب، موجهة ضد السكان المدنيين لأسباب سياسية واقتصادية في إطار تصميم مخطط له. وبالتالي فإن انصرام مدة من الزمن ليس عاملا للتقادم في الجرائم الدولية، يؤكد الباحث المذكور، متسائلا عما إذا كانت الدول المقترفة لهذه «الخروقات الخطيرة للقانون الدولي» ستعلن عن مسؤوليتها الدولية في تعويض الأضرار المفترضة التي لحقت بالضحايا مدنيين ومحاربين.
وخلص إلى القول إن الضحايا يملكون الحق في اللجوء إلى المطالبة بالتعويض المنصف عن الضرر، إلا أن لا شيء يمنع من اختيار التسوية غير القضائية، أي اعتماد مقاربة سياسية كحل بديل محتمل يقود إسبانيا وفرنسا إلى الاعتراف، بشكل رسمي، بمسؤوليتهما عن الجرائم ضد الإنسانية التي اقتُرفت في الريف، بشمال المغرب، علاوة على جرائم الحرب باستخدامهما الغازات السامة.