يعدُّ سقراط أحد أبرز فلاسفة اليونان القديمة؛ لما خلّفه للأجيال من حكمةٍ وفلسفةٍ ذات قيمةٍ ثمينةٍ وعالية
انعكست بقيمها على تفكير وصورة الحياة لأبناء أثينا في عصره، لكنّ فلسفته وحكمته
قادتاه إلى « حكم الموت »
فعندما شَعَر أهالي أثينا بأن حياة أبنائهم وتوجهاتهم بدأت تملأها حِكَمه وفلسفَته التي دعا من خلالها
إلى العديد من المبادئ والأخلاق الجديدة، التي عارَضت الظلم والتسلط، تقدّموا بشكوى ضده،
مما جعل الحكماءَ والحكّام في أثينا يصدرون قرارا بإعدامه.
حمل التاريخُ في ثناياه العديدَ من الحكم التي قدّمها لنا سقراط
ومن أبرز تلك الحكم فلسفته وحكمته
في « اختبار الثلاث »، ففي يومٍ من الأيام جاء أحدهم إليه مستعجلاً
وقال له : « يا سقراط، هل تعلم ماذا سمعت للتو عن تلميذٍ من تلامذتك ؟ »
فطلب سقراط منه أن يتمهّل لحظة
وقال : « قبل أن تخبرن شيئا عن أحد التلاميذ دعنا نصرف لحظة من الوقت لاختبار ما تُريد قوله »
( اختبار الثلاث ).
ارتكز اختِبار سقراط على ثلاثة محاور أولها اختبار « الصحة » وهو عبارة عن سؤال
عن مدى صحة ما يريد أن يخبره به الرجل، حيث تبين أنّ ما أراد الرجل اخبار سقراط
به كان من خلال كلام سمعه فقط
فكانَ ردّ سقراط عليه : «حسناً، إذا أنت لا تعرف حقّاً إن كان ذلك صحيحاً أم لا ؟! ».
أمّا المحور الثاني من اختبار سقراط فكان اختبار « الجَودة »
فسأل سقراط : «هل ما تريد إخباري عنه في ما يتعلق بأحد التلاميذ هو شيء جيّد ؟ »
فأجاب الرجل : « كلا، بل على العكس من ذلك تماما »
فقال سقراط : « إذا أنت تريد إخباري شيئا سيّئا عنه، مع أنك لست متأكدا من صحّة كلامك ؟!
فأجفل الرَجُل، وشعر بالخجل.
أما المحور الثالث والأخير في اختبار سقراط فكان اختبار « المنفعة »
حيثُ سأل سقراط الرجل: «هل ما تريد إطلاعي عليه هو أمرٌ يعود عليّ بالنفع ؟»
فأجابه الرجل : « كلا، هو ليس كذلك »
فرد سقراط عليه: « حسناً، إذا لم يكن ما تود إخباري به صحيحا أو جيّدا
أو نافعا حتى، فلماذا عليك إخباري به إذا ؟! ».
من خلالِ اختبار الثلاث لسقراط « الصحة والجودة والمنفعة » يمكننا اعتِماد هذا النّهج العلمي
في التّفكير العميق والمستقيم ليكون أساسا في التعامل بين الناس، فالابتعاد عن المجاملة والنفاق
وزرع بذور الخير والسنابل الخضراء التي تنقي النفس وتنشر التقارب والمحبة، والوقوف
على ما ينفع الناس يجب أن يكون الأساس في الحوار والحديث من ناحية، وتوظيف العقل
والابتعاد عن الانفعال من ناحية أخرى.
باعتِقادي أنّه إذا اراد كلٌّ منا أن يَنْعُم بحياة مِلؤُها الحبّ والتسامح والتعاون، فيجب عليه الأخذ
بطريقة الفيلسوف سقراط، ووضع حدٍ لما يدور في فكرِ كلِّ واحدٍ منا من توجهاتٍ سلبيةٍ عدائية
من شأنها أن تؤثر سلبا في التّقارب والتّعاون، ونشر ثقافة التّسامح في هذه المعمورة، ويجب على كلّ
واحد منا أن يتريث قليلاً عند اصدار الأحكام وينظر دائما إلى العالم بصورته المشرقة
ونِصف الكأس الممتلئ بالحُبّ والجمال.
مما قرأت ..
عن سقراط والنميمة