نشرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، دراسة بحثية حول ظاهرة الاعتداء الجنسي، لا سيما "الاغتصاب"، في سجون النظام السوري، حيث أجرت الشبكة سبع مقابلات مع سبع سوريات قالوا إنهن تعرضن للاغتصاب في أمن الدولة بمحافظة حماة.
وتشير الشبكة، في بحثها إلى أن ما نسبته 99.9 بالمائة، من آلاف العينات التي أجريت عليها الدراسة، تم اختطافهم من قبل الجيش، أو الأمن، أو المليشيات المحلية، أو الأجنبية، دون تبليغهم بأمر اعتقالهم مسبقا.
وتوضح الدراسة إلى أن ما نسبته أقل من 1 بالمائة من المعتقلين في سجون النظام، منذ العام 2011، أي منذ بداية الثورة، سُمح لهم بالتواصل مع محام، أو مع أهاليهم، موضحة أن طرق الاعتقال كانت أغلبها بـ"خلع الأبواب"، أو الاختطاف من خارج المنزل.
وبإحصائية جديدة، تقول الدراسة إن نظام الأسد أقدم على اعتقال 117 ألف شخص، بينهم 7080 امرأة، منذ انطلاق الثورة في آذار/ مارس من عام 2011.
وبالرغم من الرقم الهائل لأعداد المعتقلين، إلا أن الدراسة تقول إن غالبية هؤلاء المعتقلين، ذنبهم الوحيد أنهم من أقارب أشخاص في فصائل المعارضة، ولا يوجد لهم أي نشاط عسكري ضد النظام.
فضل عبد الغني، مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، يقول في تعليقه على حالات "الاغتصاب": "ممارسة جريمة الاغتصاب على نحو واسع، ستترك آثارا في المجتمع لن تمحى لأجيال بعيدة".
ويضيف: "بسبب هذه الجريمة تحديدا، نجد أنه من الصعب الحديث عن عودة تماسك المجتمع السوري، وكل ذلك يحرض الطرف المعتدى عليه على ارتكاب ردات فعل لا يمكن تنبؤها".
وبالانتقال إلى النساء السبع اللواتي تعرضن للاغتصاب، نجد أن تواريخ اعتقالهن في شهر واحد من العام ذاته، حيث تعرضن للاختطاف من قوات الأمن في شهر آب/ أغسطس من العام 2012، وأفرج عنهن بعد 24 يوما في صفقة تبادل مع الجيش الحر.
وتشير الشبكة إلى أنها التقت شخصيا بثلاث من النساء الضحايا، في بلدة الريحانية على الحدود التركية، مع سوريا، بينما تواصلت مع الأربعة الأخريات عن طريق الهاتف و"سكايب".
وتوقعت الشبكة أن يكون سبب اعتقال النساء، واغتصابهن بطريقة وحشية، هو الهزيمة المرّة التي منيت بها قوات النظام، قبل اعتقال النساء السبع بأيام، في حي القصور بمدينة حماة، أسفرت عن مقتل العشرات من عناصر الأسد.
وكشفت الدراسة أن أبرز الصعوبات التي واجهتها في جمع شهادات النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب في سجون النظام، هي الملاحقة الأمنية، بالإضافة إلى رفض جل النساء الإفصاح عن تفاصيل الجرائم المرتكبة بحقهن.
وفي سياق متصل، أشارت الدراسة إلى أن قوات النظام السوري لجأت في العام الجاري، والعام الماضي بشكل كبير في المناطقة المحاصرة، إلى ابتزاز النساء بالجنس، مقابل إدخال المواد الغذائية عليهم.
يذكر أن الحالات السبع التي سيأتي ذكرها، رفضن ذكر الاسم الحقيقي لهن، خوفا من "العار" الذي سيلاحق كل "معتقلة تعرضت للاغتصاب، رغم أن لا ذنب لها بذلك"، وفق قولهم.
أولى الحالات "م.خ"، من مواليد 1986 وهي أم لثلاثة أطفال، وزوجها معتقل منذ سنوات.
تقول "م.خ"، إنه وفي التاسعة صباحا من يوم 12 آب/ أغسطس 2012، بينما كانت في منزل والدتها، اقتحمت سبع سيارات تابعة للمخابرات، استقل منها 30 عنصرا، وقاموا بخلع باب المنزل، واختطافها وسط صراخ والدتها.
وتكشف أنه وبعد 4 ساعات من دخولها فرع أمن الدولة في حماة، قام أحد الضباط "العلويين"، بضربها ضربا مبرحا أدى إلى كسر اثنين من أسنانها، وأضافت: "بعد ذلك ولمدة ثلاثة أيام، يتم استدعائي من الثانية مساء، حتى الثامنة مساء، وتعذيبي بأشد أنواع التعذيب".
وعن أسئلة المحققين، تقول السيدة، إنه "كان يركز على عناصر الجيش الحر الذين تربطني فيهم صلة قرابة، أو أعرفهم في الحارة".
وعن جريمة الاغتصاب، تقول "م.خ": "في اليوم الرابع وبعد انتهاء التعذيب، والتحقيق، تم اقتيادي إلى مكتب المقدم سليمان جمعة، أنا وفتاة أخرى، حيث كان يوجد اثنان من أصدقائه، ويضحكون بصوت مرتفع، في أثناء شربهم للكحول".
وتضيف: "أمر المقدم، إحدى عناصره النسائية بخلع ملابسنا، ولم تنجح محاولاتنا بإيقافها، ومن ثم بدأ مسلسل الاغتصاب الجماعي، وسط ضحكاتهم، وكان المقدم جمعة يقول (هي الحرية اللي بدنا نعطيكم إياها يا كلاب)".
وتوضح "م.خ"، أن جريمة اغتصابها تكررت وبشكل جماعي من الضباط لمدة 24 يوما بلا توقف، إلى حين تم الإفراج عنها بصفقة تبادلية بين إحدى كتائب "الجيش الحر"، وقوات الأسد.
وتختم: "لا يمكنني نسيان ما حصل معي طيلة حياتي، ومهما حصل لهم، فلن أسترد حقي منهم أبدا".
السيدة الثانية "ف.ك"، من مواليد 1981، متزوجة ولديها خمسة أولاد، تقول إن سبب اعتقالها هو وجود عدة أشخاص من عائلها مع فصائل المعارضة، حيث تركزت أسئلة التحقيق معها عن شقيقها.
وتفصّل "ف.ك"، في شهادتها بشكل أكبر من "م.خ"، حيث تقول إنه ومنذ اللحظة الأولى لاختطافها، بدأ عناصر النظام بركلها بأحذيتهم العسكرية داخل السيارة، وتضيف: "وصلت إلى السجن وأنا مغشي علي، ولما رموني أرضا استيقظت من شدة السقوط".
وعن أول شيء تبادر إلى ذهنها داخل السجن، تقول السيدة: "كان جل اهتمامي هو الحصول على قطعة قماش أستر بها رأسي، ولم أهتم بما هو قادم، فلم أكن أتصور أن هناك أفظع مما شاهدت".
وتوضح "ف.ك"، أن "حفلات الاغتصاب الجماعي"، كانت تتم كل يوم على فتاتين، مشيرة إلى أن دورها كان في اليوم الثالث، وتتابع: "عندما اقتادني المجند إلى غرفة المقدم حيث تُغتصب النساء هناك، فقدت الوعي من شدة الخوف، ما جعلهم ينهالون علي بالضرب، ويجبرونني على تناول حبوب أفقدتني الشعور بما حولي".
وتضيف: "بالنسبة لي هذا آخر مشهد أذكره، لكن ما لا أنساه، هو رؤيتي لشباب مكبلي الأيدي، وهم يبكون لرؤيتهم حالنا، حيث تم إحضارهم بالقوة من زنازينهم".
الرواية الثالثة، وهي الأفظع، للسيدة "ن.ف"، من مواليد 1974، لديها 7 أولاد، أحدهم كان معتقلا في فرع أمن الدولة بحماة، أيضا، وعلمت بوفاته من شدة التعذيب بعد أيام على خروجها بصفقة التبادل.
قصة "ن.ف"، لا تختلف عن الأخريات كثيرا، إلا أنها قالت إن اغتصابها الجماعي في مكتب المقدم سليمان جمعة، تم بحضور ابنها المكبّل!! وفق قولها.
الروايات المتبقية الأخرى لا تختلف كثيرا عن الروايات السابقة، حيث صرحت النساء الأربع الأخريات أن مجرى التعذيب، وجريمة الاغتصاب كانت مطابقة لزميلاتهن الثلاث الأخريات.
يشار إلى أن "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، قالت إنها أجرت مقابلات مع 52 سيدة تعرضن للاغتصاب في سجون نظام بشار الأسد، منذ العام 2011، وحتى عامنا هذا.