الحمد لله الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً ، وأسبغ على أوليائه نعمه ظاهرة وباطنة ، وبعث فيهم رسولاً من أنفسهم مولداً ، ومن أنفسهم عجماً وعرباً ، وهو أمينه على وحيه وخيرته من خلقه وسفيره بينه وبين عباده ، المبعوث بالدين القويم والنهج المستقيم أرسله الله رحمة للعالمين وإماماً للمتقين وحجة على الخلائق أجمعين . أرسله الله على حين فترة من الرسل ، فهدى به إلى أقوام الطرق وأوضح السبل ، وافترض على العباد طاعته وتعزيره وتوقيره ومحبته ، والقيام بحقوقه وسدَ دون جنته الطرق فلن تُفتح لأحدٍ إلا من طريقه ، فشرح له صدره ، ورفع له ذكره ، ووضع عنه وزره ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره ، وهو أرجح الناس عقلاً وحلماً ، وأوفرهم علماً وفهماً ، وأقواهم يقيناً وعزماً ، وأشدهم بهم رأفة ورحمة ، وزكَاه روحاً وجسماً ، وآتاه حكمة وحُكماً ، وفتح به أعيناً عُمياً ، وقلوباً غُلفاً ، وآذناً صُما.
منزلة النبي الكريم عند رب العالمين
إن الله سبحانه وتعالى هو المنفرد بالخلق ، والاختيار من المخلوقات قال تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) القصص:68 . فاختاره النبي صلى الله عليه وسلم ليكون عبداً رسولاً، سيداً للأولين والآخرين بلا ريب ولا منازع.
قال القاضي عياض : عن منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ربه ، لا خفاء على من مارس شيئاً من العلم ، أو خُص بأدني لمحةٍ من فهم بتعظيم الله تعالى قدْر نبينا عليه الصلاة والسلام وخصوصه إياه بفضائل ومحاسن ومناقب لا تنضبط لزمام ، وتنويهه من عظيم قدره بما تكلَ عنه الألسنة والأقلام ، فمنها ما صرَح به تعالى في كتابه ونبَه به على جليل نصابه وأثنى عليه من أخلاقه وآدابه ، وحض العباد على التزامه ، وتقلَد إيجابه ، فكان جلَ جلاله هو الذي تفضَل وأولى ، ثم طهر وزكى ، ثم مدح بذلك وأثنى ، ثم أثاب عليه الجزاء الأوفى ، فله الفضل بدءاً وعودراً ، والحمد أولى وأخرى ، ومنها ما أبرزه للعيان من خلقه على أتم وجوه الكمال والجلال ، وتخصيصه بالمحاسن الجميلة والأخلاق الحميدة والمذاهب الكريمة والفضائل العديدة وتأييده بالمعجزات الباهرة والبراهين الواضحة والكرامات البينة التي شاهدها من عاصره ورآها من أدركه وعلمها علم يقين من جاء بعده صلى الله عليه وسلم. فيجب على كل من نصح نفسه وأحب نجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين به، ويدخل في عداد أتباعه، والناس بين مستقلَ ومستكثر،والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.
قلت: وإذا أردنا أن نقف على مكانة النبي صلى الله عليه وسلم فلنقف أولًا مع مكانته عند ربه جل في علاه فالله اصطفاه وزكَّاه على خَلْقه أجمعين.
زكاه في عقله فقال تعالى: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} النجم: 2.
وزكاه في نُطْقه فقال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} النجم: 3.
وزكاه في علمه فقال تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} النجم: 5.
وزكاه في بصره فقال تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} النجم: 17.
وزكاه في قلبه فقال تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}النجم: 11.
وزكاه في ظهره فقال تعالى:{وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} الشرح: 2، 3.
وزكاه في ذِكْره فقال تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك} الشرح: 4.
وزكاه كلَّه فقال تعالى : {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم: 4.
اسمه ونسبه الشريف صلى الله عليه وسلم
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر . وفهر هذا هو قريش فكل قرشي فهري وهو صلى الله عليه وسلم مضري أي يرجع نسبه إلى مضر ثمَ إلى عدنان من ولد إسماعيل عليه الصلاة والسلام .
فعن واثلة بن الاسقع رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن اللهاصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل . واصطفى من ولد اسماعيل بنى كنانة، واصطفى من بنىكنانة قريشا ،واصطفى من قريش بنى هاشم ،واصطفانى من بنى هاشم)رواه مسلم والترمذي وابن حبان.
وجد النبي صلى الله عليه وسلم الخامس عبد مناف ، كان على المشهور له أربعة من الولد وهم هاشم ، المطلب ، عبد شمس ، ونوفل.
فرسولنا صلى الله عليه وسلم يرجع نسه إلى هاشم ، وهاشم هذا اسمه " عمرو " ولقب بهاشم لأنه كان يهشم الخبز يكسره ويقطعه ويقدمه للحجاج. وهو أول من أطعم الثريد للحجاج ،وهو أول من سن الرحلتين لقريش رحلة الشتاء والصيف .
وأولاد هاشم عبد المطلب ، وأسد وعمرو ونضلة و"عبد المطلب" لقب كذلك واسمه "شيبة الحمد".
ويذكر أن عبد المطلب كان له أحد عشر ولداً وهم : الحارث وهو أكبرهم ، وحمزة ، والعباس ، أبوطالب ، أبو لهب ، حجل ، الزبير ، الغيداق ، المقوم ، صفار وقيل " ضرار" عبد الكعبة ، فأولاد عبد المطلب ينفسمون إلى ثلاثة أقسام: قسم أدرك الإسلام ودخل فيه ، وهم حمزة والعباس . وقسم أدرك الإسلام ولم يدخل فيه ، وهما أبو طالب وأبو لهب ، وقسم لم يدرك الإسلام وهم بقية أولاد عبد المطلب.
وصف الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم
كان مما جاء في كتب الشمائل مفرقًا:
جسمه: كان فخما مفخمًا، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه. وكان رجلاً مربوعًا، ليس بالطويل ولا بالقصير، وكان إلى الطول أقرب، لم يكن يماشي أحدًا من الناس إلا طاله، ولا جلس في مجلس إلا يكون كتفه أعلى من الجالسين. وكان معتدل الخَلق، حسن الجسم، متماسك البدن، أنور المتجرد (ما تجرد من جسده).
لونه: كان أزهر اللون، ليس بالأبيض الأمهق (أي لم يكن شديد البياض والبرص)، ولا بالآدم (الأسمر)..
رأسه وشعره: كان ضخم الرأس، عظيم الهامة. كان شديد سواد الشعر ولم يكن شعره بالجعد القَطَط (شديد الجعودة) ولا بالسَّبِط (المرسل)، كان جعدًا رِجلا (فيه تثن قليل) . وكان شعره يصل إلى أنصاف أذنيه حينًا ويرسله أحيانًا فيصل إلى شَحمَة أُذُنيه أو بين أذنيه وعاتقه، وغاية طوله أن يضرب مَنكِبيه إذا طال زمان إرساله بعد الحلق. ولم يحلق رأسه بالكلية في سنوات الهجرة إلا عام الحديبية، ثم عام عمرة القضاء، ثم عام حجة الوداع. كان يرسل شعره، ثم ترك ذلك وصار يفرقه من وسط الرأس. توفي وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.
عنقه: كانت عنقه كأنها جيد دُمية في صفاء الفضة.
ذراعاه ويداه: كان طويل الزندين (الذراعين) أشعرهما (كثيرا الشعر)، رحب الراحة (الكف) شثن الكفين والقدمين (غليظ الأصابع) ، سائل الأطراف (أصابعه طويلة ليست بمنعقدة).
إبطاه: كان أبيض الإبطين، وهي من علامات النبوة.
منكباه وصدره وبطنه: كان منكباه واسعين، كثيري الشعر، وكذا أعالي الصدر. وكان عاري الثديين والبطن. سواء البطن والصدر، عريض الصدر. طويل المسربة موصول ما بين اللبة (النقرة التي فوق الصدر) والسرة بشعر يجري كالخيط.
مفاصله: كان ضخم الكراديس (المفاصل).
خاتم النبوة: غُدّة حمراء مثل بيضة الحمامة، أو مثل الهلال، فيها شعرات مجتمعات كانت بين كتفيه. وهي من علامات النبوة.
وجهه: كان أسيل الوجه (المستوي) سهل الخدين ولم يكن مستديرًا غاية التدوير، بل كان بين الاستدارة والإسالة.
جبينه: كان واسع الجبين. (ممتد الجبين طولاً وعرضًا) مستويًا.
حاجباه: كان حاجباه قويين مقوَّسين، متّصلين اتصالاً خفيفًا، لا يُرى اتصالهما إلا أن يكون مسافرًا وذلك بسبب غبار السفر. بينهما عرق يدرّه الغضب.
وللحديث بقية