قال ابن كثير: كان هود عليه السلام من قبيلة يقال لها عاد بن عوص بن سام بن نوح.
نبـــــذة :
كان اليمن بي عمان وحضرموت، بأرض مطلة على البحر يقال لها الشحر، واسم واديهم مغيث ، وكان أهلها عربا يسكنون الخيام ذوات الأعمدة الضخمة ، كما قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ) الفجر:6ـ7 .
أي عاد إرم ، وهم عاد الأولى. أما عاد الثانية فمتأخرة.
ويقال للعرب الذين كانوا قبل إسماعيل عليه السلام: العرب العارية. وهم قبائل كثيرة ، منهم : عاد ، وثمود ، وجرهم ، وطسم ، وجديس ، وأميم ، والعرب المستعربة فهم من ولد أسماعيل عليه السلام . وهو أول من تكلم العربية الفصيحة البليغة. وكان قد أخذ كلام العرب من جرهم الذين نزلوا عند أمه هاجر بالحرم ، ولكن الله أنطقه بها في غاية الفصاحة والبيان . وكذلك كان يتلفظ بها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
تكذيب قومه له:
قال ابن كثير: عاد الأولى هم أول من عبد الأصنام بعد الطوفان . وهذا بين في قول هود عليه السلام لهم: (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة) الأعراف : 69.
أي جعلكم أشد أهل زمانكم في الخلقة والشدة والبطش ، وفي قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ) المؤمنون : 31. وهم قوم هود على الصحيح. فأرسل الله إليهم رجلاً منهم ، وهو هود عليه السلام ، يدعوهم إلى الله وإلى إفراده بالعبادة والإخلاص له ، فكذبوه والفوه وتنقصوه ، قال تعالى : (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ) الأعراف : 65
أي أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه سفة بالنسبة إلى ما نحن عليه من عبادة هذه الأصنام التي يرتجى منها النصر والرزق ، وإنا نظن أنك تكذب في دعواك أن الله أرسلك. فأجابهم هود عليه السلام : (قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) الأعراف : 67.
وهو مع هذا البلاغ لا يبتغي منهم أجراً ولا يطلب منهم جعلاً ، ولهذا قال: (يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) هود: 51
فقال له قومه فيما قالوا: (قالوا يا هود ما جئتنا ببينه وما نحن بتاركي الهتنا عن قولك وما نحن لك بمومنين) هود:53
وقال قومه فيما قالوا: (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ، هيات هيات لما توعدون) المؤمنون:35 ـ36
حلول العذاب بالقوم الكافرين:
قال ابن كثير: وقال قوم هود له فيما قالوا: (قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين( 136 )إن هذا إلا خلق الأولين( 137 )وما نحن بمعذبين( 138 )الشعراء. وعندئذ رد عليهم هود عليه السلام:( قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) الأعراف : 71.
وقد ذكر الله تعالى خبر إهلاكهم في غير ما آية ، فقال تعالى: (قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ ،فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)المؤمنون: 39 ـ 40 ـ 41
أما تفصيل هلاكهم ، فقال تعالى: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) الأحقاف: 24. فكان هذا أول ما ابتدأهم العذاب: كانوا مسنتين (أي مجدبين) فطلبوا السقيا ، فرأوا عارضا ( أي سحاباً ) في السماء فظنوه سقيا رحمة فإذا هو سقيا عذاب . ولهذا قال تعالى: ( بل هو ما استعجلتم به ) أي من وقوع العذاب ، وهو قولهم:( فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين )الأحقاف: 22.
وقال تعالى: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ). أي باردة شديدة الهبوب (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) أي كوامل متتابعات . (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) أي لا رؤوس لها ، ذلك الريح كانت تحمل أحدهم فترفعه في الهواء ، ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه ويبقى جثة بلا رأس (فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ) الحاقة.
وقال تعالى: (إنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ) القمر:19. أي في يوم نحس عليهم ، مستمر عليهم عذابه.
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ قَالَ: «اللَّهمَّ إِنِّي أسْألُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أرْسِلَتْ بِهِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أرْسِلَتْ بِهِ». أخرجه مسلم.
قالت عائشة رضي الله عنها : كان إذا عببت السماء ( أي غيمت ) تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر ، فإذا أمطرت سريَ عنه . فعرفت ذلك فسألته ، فقال : لعله يا عائشة كما قال قوم عاد : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) الأحقاف : 24