الشبة السادسة : أنه ثبت أن عائشة رضى الله عنها كانت مع النبى فى حجة الوداع فحاضت فنهاها النبى عن الطواف بالبيت ، ولو كان دخول المسجد محرما لنهاها عنه وكذلك المكث فيه . فيكون هذا دليلا على جواز دخول الحائض المسجد والمكث فيه .
الرد على الشبهة السادسة
قلنا : إن هذا الدليل لا حجة فيه أصلا على هذا لأنه قال لها : "افعلى ما يفعل الحاج غير ألاتطوفى بالبيت" وأراد بهذا أن يعلمها أنه يجوز للحائض أن تقوم بكل مناسك الحج إلا الطواف ، وأما عدم نهيه لها عن دخول المسجد والبقاء فيه فلا يلزمه ، لأنها هى التى روت حديث "لا أحل المسجد لحائض ولا جنب"
والظاهر إن هذا الحديث كان متقدما عن زمن حجة النبى ، لأن حجته كانت فى آخر حياته لأنها كانت سنة عشر من الهجرة وتوفى صلي الله عليه وسلم فى ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة ،
وقد ذكر ابن جرير فى تاريخه أنه لا خلاف بين أهل العلم بالإخبار أن وفاته كانت يوم الاثنين من شهر ربيع الأول ، يعنى سنة إحدى عشرة ( انظر تاريخ الطبرى 3/199 والعبر ، والشذرات ، والبداية وغيرها ) فهل بعد أن تسمع منه قوله : "لا أحل المسجد .... الخ " تكون فى حاجة إلى معرفة حكم دخول المسجد والمكث فيه ؟ !! .
وإذا افترضنا جدلا أن هذا الحديث كان متأخرا ( أى بعد حجه ) فيكون صريحا فى نسخ الإباحة التي دل عليها مفهوم قوله : "افعلى ما يفعل الحاج غير ألا تطوفى بالبيت" حيث إنه لم ينهها إلا عن الطواف بالبيت ،
ويثبت به تحريم المسجد على الحائض والجنب . وأيضا فمما يدل على أن الاحتجاج بهذا الحديث على جواز دخول الحائض المسجد ومكثها فيه لا يصح ، أنه لم ينهها عن الصلاة أيضا لما حاضت مع أنه قد ثبت ما يدل على ان الحائض ممنوعة من الصلاة أيضا ، بل وإذا صلت كانت صلاتها باطلة ولانعلم خلافا فى ذلك .
فهل يصح الاستدلال بهذا الحديث على أنه يجوز للحائض أن تصلى وأن صلاتها تصح حال حيضها لأنه لم ينهها إلا عن الطواف بالبيت ؟! ولا سيما وأن الصلاة المكتوبة تتكرر خمس مرات يوميا ويلزم من هذا أن بعض الصلوات على الأقل سيدخل وقتها حال حيضها ، ولو كانت فترة حيضها قصيرة ، وبالتالى فستكون فى حاجة ماسة إلى معرفة حكم الصلاة حال الحيض ، ومع ذلك لم يذكر فى الحديث شئ عن الصلاة . وإنما فيه النهى عن الطواف بالبيت .
فإن قيل : إنه لم ينهها عن الصلاة لأنه سبق منه مايدل على أنها ممنوعة من الصلاة حال الحيض فاكتفى بهذا ولم ينهها فى هذا الحديث إلا من الطواف ، لأنه شئ جديد لم تكن تعلم حكمه ،
ولذا لايصلح الاستدلال بهذا الدليل على جواز صلاة الحائض .
قلنا : يلزم من هذا الإقرار بعدم صلاحية هذا الدليل للاستدلال به على جواز مكث الحائض فى المسجد ، لأنه ورد عنه صلي الله عليه وسلم ما دل على ذلك ـ وقد ذكرنا ما وقفنا عليه من ذلك ـ وأيضا ففى القرآن ما يستدل به على ذلك ، والظاهر أن هذه الأدلة كلها كانت متقدمة لما سبق ذكره .
وإذا افترضنا أن هذه الأدلة كانت متأخرة عن هذا الحديث فتكون ناسخة للإباحة المستفادة من مفهوم قوله : "افعلى ما يفعل الحاج غير ألا تطوفى بالبيت" ، وبالتالى يصار إلى منع الحائض من المسجد .
وأيضا فإنه لم ينهها عن الصيام فى هذا الحديث مع أنه ثبت ما دل على منع الحائض من الصوم وعلى بطلانه أيضا ولا نعلم خلافا فى ذلك ، فهل يستدل به على الجواز ؟!
ومما سبق ذكره يتضح جليا بطلان الاستدلال بهذا الحديث على جواز دخول الحائض المسجد ومكثها فيه .
********
الشبهة السابعة : أن المشرك يجوز له دخول المسجد والمكث فيه ؛
لثبوت ما دل على ذلك والمسلم أعلى حالا بكثير جدا ولو كان جنبا أو كانت المسلمة حائضا أو نفساء فكيف يكون المسجد مباحا للمشرك ومحرما على المسلم الجنب والمسلمة الحنب أو الحائض أو النفساء ؟!
وأيضا فالمشركون نجس لقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) التوبة 28
وأما المسلم فهو طاهر على كل حال لقول النبي : "إن المسلم لا ينجس" . رواه مسلم وأبو داود وغيرهما فالأولى بالإباحة المسلمون بمن فيهم الجنب والحائض والنفساء .
الرد على الشبهة السابعة ********
قلنا : إنه إذا ورد نص صريح صحيح أو حسن وكان القياس على خلاف ما دل عليه
فإنه يكون قياسا فاسد الاعتبار كما تقرر فى الأصول ، فلا يعتد به .
وفى حالتنا هذه ثبت تحريم ما ذكرنا بالنص فلا يجوز إلغاء هذا التحريم بما أدى إليه القياس من الإباحة . وأيضا فكيف يقاس المشرك على المسلم ، أو العكس والفرق بينهما كبير ، والبون شاسع ؟!
وأيضا فالعلة التي من أجلها حرم المسجد على الحائض والجنب والنفساء ليست معلومة ،
وكذلك العلة التى من أجلها أباح الشارع إدخال المشركين المسجد ليست معلومة ،
فكيف يقاس منهما على الآخر؟! وأيضا فقد صدر الله تعالى الآية السابقة ـ
أعنى الآية فى سورة النساء ، بقوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ..) إلى آخر الآية
فدلت على أن هذا الحكم خاص بالمسلمين ودلت بمفهومها على أن المشركين وغيرهم ممن ليسوا مسلمين لا يشملهم هذا الحكم ، فكيف يصار إلى إباحة هذا للمسلمين قياسا على المشركين ؟! .
وكذلك فإن قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) كان المقصود به نجاسة معنوية راجعة إلى اعتقادهم أو غير ذلك ، ولم يقصد به أنهم أنجاس فى ذاتهم نجاسة محسوسة كنجاسة البول والخرأة و غيرهما ،
لأنه قد ثبت بأدلة أخرى طهارتهم فيجمع بين الأدلة بما ذكرنا ولسنا بصدد التفصيل فى ذكر الأدلة فى ذلك ، لأن هذا ليس موضوع الرسالة ولأننا إذا افترضنا أن المشركين نجاستهم محسوسة ،
فقد ذكرنا أن العلة فى منع الجنب والحائض من المسجد ليست معلومة ، ولا نعلم نصا دل على أن المنع كان من أجل النجاسة ، بل ولا نعلم أحدا من الفقهاء ذكر أن العلة إنما هى النجاسة وعلى هذا فيبطل التعلق بمثل هذا القول .