ها قد أتت اللحظة يا حبيبتي لتنتقلي من الفصل الأول من مسرحية حياتك إلى الفصل الثاني والأخير، لقد كنت معنا منذ يوم ولدت وتكونين مع أسرتك الجديدة حتى آخر يوم من حياتك بإذن الله. لا تعجبي من وصفي لهذه الحياة بالمسرحية، فما جئنا إليها إلا لنمثل الدور الذي قدر لنا أن نمثله، ولنكون مستحقين، بأدائنا لهذا الدور، مكافأتنا عليه بالجنة، إن شاء الله، أو عقابنا عليه بالنار، لا سمح الله. أما إذا تعثرت رحلتك الجديدة، لا قدر الله، في منتصف الطريق، وربما في أوله كما يحدث لكثير من الأزواج هذه الأيام، ولم تعرفي كيف تحافظين على موقعك الجديد، وعلى زوجك إلى جانبك، محبًا ودودًا ناصحًا مخلصًا أمينًا، يحدب عليك، ويتابع معك رحلتك الجديدة، والأخيرة، فستتحول حياتك إلى سلسلة من المنغصات والأحزان تبدأ ولا تنتهي، وستفقدين ربما إلى الأبد ذلك الحلم الرائع الذي تحلم به كل فتاة: أن يكون لها زوج قوي مخلص تستند إلى كتفه، وأبناء وبنات تمنحهم حبها وحنانها، لكي يردوا لها إحسانها إحسانًا، بعد أن تحط بها السنون، فيمنحوها في خريف حياتها حبهم ودفأهم ورعايتهم وعرفانهم.
أحاول أن أحميك:
لا أريد أن أعكر عليك صفو هذه الليلة التي كنت تنتظريها بفارغ الصبر، فيضطرب عليك الحلم الذي طالما داعب جفونك، ولكنني أحاول يا صغيرتي أن أحميك مما ينال الكثيرات هذه الأيام من الخيبة والإحباط من العام الأول، وربما الشهر الأول، وربما الليلة الأولى من زواجهن فتصل نصائحي إليك وقد فات الأوان.
فاعلمي إذن أن أمر سعادتك، أو شقائك، بيدك الآن، إلا أن يشاء الله غير ذلك، ما دمت قد وضعت نصب عينيك حين اخترت شريكك: الدين وليس المال، والخلق وليس الجمال، والأصالة والجوهر وليس معسول الكلام، وكان اختيارك بعقلك لا بعينيك،، وبخلقك وحكمتك لا بعاطفتك وقلبك، وبوصايا الله ورسوله لا بالمواضعات الاجتماعية السائدة التي سنها الناس ولا تستند إلى قرآن أو سنة، فظفرت بالزوج الذي يقول فيه نبينا الكريم صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم: 'إن من أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وألطفهم بأهله'.
فماذا خططت لحياتك الجديدة، وهل وضعت لنفسك برنامجًا لها يختلف كليًا عن برامجك التي اعتدتها مع أبويك وإخوتك وأخواتك؟ وهل قررت أن تبدئي البرنامج مع شريكك الجيد في الوقت المناسب: منذ الساعات الأولى من زواجك؟
ماذا أعددت من تضحيات تسددينها منذ اليوم الأول لتكون ثمنًا لسعادتك الجديدة؟ وهل ستكون تضحيات بسيطة فتؤتي ثمارًا بسيطة، وربما لا تؤتي أي ثمار، أم هي تضحيات كبيرة تضمنين بها أفضل النتائج وأسعد حياة، بإذن الله، ذاكرة أنك الآن مع شريكك الجديد أمام اختيارين، وبيدك أن تختاري: الجنة أو النار كما أخبر صاحب الخلق العظيم حين حدد لك موضعك من زوجك بقوله صلى الله عليه وسلم: 'انظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك'. حسنه الألباني.
سيضحي كما تضحين:
تسألينني: أي نوع من التضحيات تتحدث عنه؟ حسنًا، لقد كنت المدللة دائمًا وكنا المدللين لك، فهل تهيأت لتجعلي من شريك حياتك الجديدة هو المدلل وتكوني أنت التي تدللين؟
كنا نعطي، وكنت تأخذين، فهل تهيأت ليكون هو الذي يأخذ وأنت التي تعطين؟
كنا لك الأب والأم، فهل تملكين أن تكون لشريكك أبًا وأمًا وأختًا وصديقة، قبل أن تكوني له زوجة فقط؟
تقولين: ولماذا أنا وليس هو؟ وهل في الدنيا عطاء من غير أخذ، وتضحية من غير مقابل؟ تمامًا يا عزيزتي، فإنك ستأخذين بقدر ما تعطين، وربما أكثر، ويضحي أمامك بقدر ما تضحين، وربما أكثر، ويبذل لك بقدر ما تبذلين، وربما أكثر.
تقولين: ولماذا أكون البادئة بالتضحية؟ قد يفسر هو تضحيتي بالضعف، وبذلي بالخوف، وعطائي بالخفة، وما يدريني أنه لا يحمل بين طيات ثيابه إنسانًا معقدًا جاء ليطلق عقده عليَّ، من تكبر وإهانات وشتم وضرب، كما يحصل لكثيرات غيري؟
وأقول لك يا بنيتي: ومن قال لك إنه لن يبادر بالتضحية؟ إنه سيترك عادات كثيرة كما تتركين، وسيهجر تقاليد وأعرافًا شب عليها في أسرته، كما تهجرين، فلكل أسرة في هذا الكون عاداتها وثقافتها التي تختلف قليلاً أو كثيرًا عن الأسر الأخرى، وستكون لأسرتكما الجديدة أيضًا عاداتها وتقاليدها الخاصة وهي حصيلة عاداتك وعاداته، وأخلاقك وأخلاقه، اجتمعت جميعًا في بوتقة البيت الجديد، فنبذت من قديمها ما نبذت، ونبذ هو ما نبذ، وتنازلت وتنازل، ورضيت ورضي حتى تنتهيا إلى قاموسكما الخاص في الثقافة والأخلاق والعادات، قاموس وُلد من كلمة كبيرة اسمها: التضحية.
أفلم تختاريه ممن يخافون الله؟ إذن فلا تخافي ممن يخاف الله، كيف وقد أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتخذ منه قدوة ومعلمًا، وعلم أنه صاحب الخلق العظيم؟ كيف وقد سمع قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ـ حين سئلت ما كان النبي يصنع في بيته؟ ـ فقال: 'كان يكون في مهنة أهله ـ يعني خدمة أهله ـ فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة'.
الرجل طفل كبير:
لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: 'ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي، فإذا التمس ما عنده وجد رجلاً' نعم، إن الرجولة الحقيقية هي عندما يطلب الرجل لمهمة أو ملمة أو مسئولية أو عمل كبير أو جهاد، فإذا فرغ من ذلك، وعاد إلى أهله، غدا كالصبي، لِينَ مَنكِبٍ ورِقَّة خلق، وسهولة معشر، وخفة روح، وميلاً إلى اللعب والفكاهة والمداعبة، وفي كل الدنيا قبل الآخرة، فيفتح الله له أبواب الرزق من حيث لا يدري، كما يبشرنا صاحب الخلق العظيم كما أفضل الصلاة والسلام.
والرجل أولاً وأخيرًا طفل كبير، فإن أحسست منه علة في خُلُقه فعالجيه بحكمتك كما تعالج الأم شقاوة ولدها، فربما اكتفى من أمه، كما سيكتفي هو منك، بقطعة حلوى، ولك أن تقدري بنفسك ما طبيعة الحلوى التي يمكن أن تقدمها امرأة لزوجها، قد تكون كلمة طيبة، أو حتى ابتسامة، أو نكتة، أو هدية، أو لمسة، أو عناية إضافية تمنحها له فتمتلكه بها، وتنال حبه المستمر وعطفه وحنانه، إن لهذه الأشياء الصغيرة أكبر الأثر في إدامة الود، وتجديد العلاقة، وتنقية الأجواء بين الزوجين، فضلاً عما ينال كل منهما من أجر كبير عند الله.
اجعلا بينكما - حتى حين تختلفان - لغة أهل البيت النبوي الشريف، لا تكن لغة خطابكما مرتفعة، أنا لا أتحدث عن ارتفاع الصوت فقط، بل ارتفاع حدة الكلمات والعبارات التي تخاطبان بها، راقبي ذلك منذ اليوم الأول لزواجك، فإن ابتدأ الزواج بخطاب مرتفع أو حاد، فلن يزال هذا الخطاب في ارتفاع يومًا بعد يوم حتى يصل إلى مرحلة الانفجار فتنهار كل الجسور بينكما. انظري كيف كانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تخاطب الرسول الكريم إذا كانت غاضبة منه، وقلما غضبت:
'عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لها: إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى، قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت علي غضبى قلت: لا ورب إبراهيم، قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك'. البخاري ومسلم وغيرهما.
ما أجمل أن تتخذا من بيت النبوة قدوة لكما في التعاتب والتغاضب والتناصح والتخاطب والتحابب، اعرض كل كلمة تقولينها، قبل أن تقوليها، على ميزان مستقبلك، فإن وجدت أنها قد تلحق الأذى بعلاقتك معه، أو تترك أثرًا عميقًا في نفسه صعب أن ينساه، فاستغني عنها حالاً، واقذفي بها بعيدًا، فإنها من الشيطان، رب كلمة جرت على صاحبها ندمًا، وخلفت فيمن قيلت له جرحًا لا يندمل ولا يدرك أحد آثاره المحتملة. ضعي نفسك مكانه قبل أن تتوجهي إليه بأي كلمة، وتبصري أولاً أثرها في نفسك فيما لو كان هو الذي وجهها إليك.
لا تنسي أنك...
ادرسي زوجك منذ البداية، تمامًا كما درست علومك في الجامعة، أدخليه مختبرك، وحللي طبيعته ونفسيته، واكتشفي ما يحب وما يكره، وما يثيره وما يهدئه، وما يبعده منك وما يقربه، ثم انقلي ما اكتشفته إلى حيز التطبيق. لا تقابلي غضبه بغضب، وقابليه بالترويح عنه، أو حتى بتسبيحة أو آية، لا تقابلي شكواه بشكوى، وقابليها بالتهوين عليه، وتذكيره بالرضى بمشيئة الله، وبحمده على ما أعطى وما أخذ على السواء.
قابلي قوته بالضعف، إن أردت أن تكوني أقوى منه، وخشونته بالنعومة، إن أردت أن تمتلكي قلبه، وأخذه بالعطاء، إن أردت أن تنالي منه بعد ذلك أكثر مما كنت تريدين، وإساءته إليك بالاعتذار منه، فلابد أن يدرك في النهاية خطأه،وسيكبر فيك، من بعد، أصالتك وكرم خلقك حين اعتذرت عما لم تخطئي فيه، ستجدينه حينذاك لينًا بين يديك، كريمًا ضاحكًا مستبشرًا، مثلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله دائمًا، كما تخبرنا عائشة رضي الله عنها: 'كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا بنسائه ألين الناس، وأكرم الناس، ضحاكًا بسامًا'. لا تقولي كما يقول كثير من السذج: لا فرق بين الرجل والمرأة فنحن متساويان، لستما متساويين، ولن تكونا كذلك أبدًا، بل أنتما متكاملان، وكيف تتساوى المرأة مع الرجل وهي صانعة الرجال، وهل يتساوى البَنَّاء مع البِنَاء؟ والنساج مع النسيج؟ والطائرة مع مصنع الطائرات؟ ومتى كانت معرة للمصنع ألا يطير، أو معرة للطائر ألا تصنع الطائرات؟ متى كان الليل كالنهار، والصيف كالشتاء، والبحر كالسماء، والأنوثة كالرجولة، والخشونة كالنعومة، إنها عناصر الحياة: مختلفة ومتكاملة، فإن تساوى الواحد منها مع الآخر اضطرب الكون وتخلخلت عاصره وانتهت الحياة.
لا تنسى يا ابنتي أنك في البيت تمثلين الجزء الناعم وأنه يمثل الجزء الخشن، فإذا انقلبت الآية، أو تساوى الطرفان، فقدنا المعادلة الإنسانية الخالدة التي تقوم عليها كل علاقة في هذا الكون: السالب والموجب، لا تقابلي سلبيته، وخشونته بخشونة، وشدته بشدة، وجرأته بجرأة، وصرامته بصرامة، وميله إلى القيادة والسيطرة بميل مثله، وإلا أصبحتما رجلين في البيت، وكنت [الرجلة] التي حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها لن تدخل الجنة أبدًا:
'ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدًا: الديوث، والرجلة من النساء، ومدمن الخمر'. حديث صحيح أخرجه الطبراني.
كوني دائمًا: الجنس الآخر، فإن بدرت منه إساءة، فبادليه إياها إحسانًا، وإن ندت عنه كلمة جارحة، فردي عليه كلمة طيبة، وإن رماك بشوكة، فارميه بوردة،، ليكن ردك عليه دائمًا، مهما أساء، درسًا له في الطيب والإحسان والرحمة والمغفرة، من غير أن تشعريه بأنك تريدين أن تعلميه.
لا تقولي: أين شخصيتي إذن؟ فلو حاول كل منكما أن يحافظ على شخصيته في البيت مستقلاً عن الآخر، لانقلب المنزل إلى ساحة معركة، لم يتحقق تفاعل السالب والموجب، وتنافر السالبان كل في اتجاه.
انسي كلمة [أنا] في البيت، فلا وجود لهذا الضمير في قاموس الزواج، وقولي دائمًا [نحن]. الزواج ليس مجرد [شراكة] بل [اتحاد كامل بين الزوجين] أخطر ما يهدده الضمير [أنا] وأنجع ما يداوي أمراضه الضمير [نحن].
لا تنسي أنك تزوجت رجلاً، وهذا يعني، خشونة، وقوة، وصرامة، وجرأة، واقتحامًا،وغريزة من حب القيادة والحماية والمسئولية واتخاذ القرار .. لا تنسي أنه تزوج امرأة، وهذا يعني: نعومة، ورقة، ولينًا، حياءً، وحنانًا، وطواعية، وسهولة انقياد، وبحثًا عن ركن ومدافع شديد وقوي، فإذا تبادلتما الصفات، اضطربت خلية البيت الصحيحة، وتحولت إلى خلية سرطانية فتاكة، لا تلبث أن تتوالد عنها ملايين الخلايا المريضة التي تبدأ بانتهاش جسم العلاقة الزوجية حتى تجهز عليها.
ترققي وتلايني:
عندما كنت في ماليزيا رأيت النساء العجائز يمشين متكئات على أذرع حفيداتهن خشية أن يسقطن، فأقدامهن صغيرة جدًا لا تستطيع أن تحمل أجسادهن، لقد وضعها أهلوهن بقالب وهن في السادسة أو السابعة من أعمارهن حتى تبقى أقدامهن صغيرة فلا يستطعن، عندما يكبرن، التحرك بعيدًا عن بيوت أزواجهن. كنت أسمع عن ذلك قبل مجيئي إلى الصين، وكنت أظن أنها قوالب حديدية، حتى اكتشفت هناك أنها كانت خيوطًا من حرير تلف بدقة وصبر على قدمي الفتاة ثم لا تنزع عنها أبدًا.
لا تضربي قالبًا حديديًا قاسيًا حول زوجك لامتلاكه، فسوف تحطم عضلاته القوية، ورجولته المتعالية الأبية، ذلك القالب الحديدي، مهما قسا واشتد. امتلكيه بخيوط أنوثتك الحريرية الناعمة التي تلتف حوله لينعم مستسلمًا بجمال أسرها ودفء رقتها وحنانها.
سيقول لك شيطانك ألف مرة: اسمعي يا بنت، هذا جنون، أي ضعف هذا الذي يعنيه أبوك؟ وأي لين، وأي تضحية؟ بل حافظي على شخصيتك وقوتك وحقوقك كاملة غير منقوصة، وإياك والتنازل عن أي حق من هذه الحقوق فلك مثل ما له، وعليك مثل ما عليه...
وأقول لك يا عزيزتي: حقوقك؟ .. إذا أردت أن تنالي كل حقوقك، وتنالي بعدها حقوقًا فوق حقوقك، فتنازلي عن كل شيء، امنحيه كل شيء لتأخذ منه عند ذلك كل شيء، أعطيه ما لديك ولا تترددي، ابذلي له كل ما تستطيعين، تنازلي عن كل ما تظنين أنه لك، ففي النهاية سوف تجدينه وقد أقبل إليك واضعًا حقوقه وقلبه وروحه وكل ما يملكه على كفه ليقدمها هدية لك.
أبدًا لا تخطئي وتظني أنك تستطيعين انتزاع حقوقك من زوجك بالقوة، فبقدر ما تبدين من هذه القوة، ستولدين لديه قوة مضاعفة لمقاومتك، وبقدر ما تربحين في البداية وربما إلى الأبد، معركة الاحتفاظ ببيت وعائلة مثالية سعيدة، وبقدر ما تبدين من ضعف ورقة، سيقترب منك ويغرقك بحنانه ويسلم لك القياد.
إن لم تكوني ضعيفة فتضاعفي، وإن لم تكوني رقيقة فترققي،وإن لم تكوني لينة فتلايني، أما إن لم تكوني حيية فتلك مصيبة المصائب، لو انتزع الحياء من وجه الفتاة وعينيها وسلوكها لم تستحق وصف [أنثى] أبدًا، وستخسر زوجها، لأنه سيدرك، ويا لخيبته، أنه إنما تزوج رجلاً لا امرأة.
لقد تزوجك لتكوني نصفه الآخر، إنه يمتلك الجرأة وجاء يبحث فيك عن الحياء، فإن افتقده عندك ذهب يبحث عنه عند غيرك. وهو يمتلك القوة، وقد جاء لمنحك الحماية التي جعل الله حب منحها غريزة في الرجال، وجعل حب تلقيها غريزة في النساء، فإن وجدك في غنى عن حمايته، بمالك أو شهاداتك أو منصبك أو مرتبك أو شخصيتك، ذهب يفتش عن غيرك ليفجر عنده، أو عندها، هذه الطاقة الكامنة فيه، امنحيه كل ذلك ولكن .. لا بد من بعض التحفظات...
ماذا تراقبين؟
نعم سكون زوجك، وموضع أسرارك، ولكن ليس كل الأسرار. حافظي على شيء من أسرارك لنفسك، فقد يثير حفيظة الرجل أن يعرف بأن فلانًا قبل الزواج، قد كلمك، أو حاول أن يتقدم إليك .. لك أن تقدري بنفسك ما ينبغي وما لا ينبغي أن يطلع عليه الزوج من زوجته بعد الزواج.
والشأن في هذا الشأن جسدك: لا تجعلي من أسرار جسدك منظرًا مألوفًا لديه، واحفظي بذلك للمناسبات الخاصة، فبقدر ما يسترك الحياء أمامه يزداد تعلقًا بك، وبحثًا عما أخفيته من هذا الجسد، فإن أصبح مألوفًا لديه ذهب يبحث عن غير المألوف عند غيرك، ولعل هذا ما أراده تعالى من فرض الحجاب على المرأة، فبالحجاب وباللباس المحتشم، تصبح شيئًا يتطلع الرجل إلى اكتشافه وامتلاكه.
فإن أرخصت له ذلك، وجعلت منه منظرًا يوميًا مبتذلاً، مل منها، ولم يعد يجد فيها ما يشده، وانصرف يبحث عن غيرها، راقبي مواضع نظره منك، فلا يقع إلا على ما هو جميل أنيق، كوني الزوجة التي إذا نظر إليها زوجها سرته، راقبي مساقط سمعه منك، فلا تصل إليه إلا الكلمة الحيية الجميلة الطيبة، وتخيري أجمل الأسماء وأكثرها لباقة لو اضطررت أن تتحدثي عن أعضاء الجسم أو مشكلاته الصحية وحاجاته اليومية.
راقبي مواضع شمه منك، وإياك أن تخطئي مرة واحدة فتنسي أن تتأكدي من ذلك، ولاسيما فمك وموضع التعرق منك، إن هذه المرة الواحدة قد تكون كافية لإبعاده عنك، اكتشفي ما يحبه من العطور فاستخدميه، ونوعي منها بين الحين والآخر.
راقبي مواضع لمسه منك، فلا تقع يده على خشن أو ناب أو غير أنثوي من لباسك أو زينتك، كوني وردة في ملمسك لا شوكة، وحريرًا لا حديدًا.
راقبي منذ اليوم الأول مواضع اهتمامه، وعدم اهتمامه، فحاولي التركيز على الأولى، وتجنبي الثانية ما استطعت.
لا تجعلي من الأطعمة شبه الجاهزة ديدنك، إن أنفاس الزوجة في الطعام ومهارة يديها في إعداده، ودفء الشعور بأنه طعام المنزل، وحسن تهيئة المائدة وجمال ترتيبها، هي أهم ما يبحث عنه الزوج بعد يوم طويل من عناء العمل.
رددا هذا الدعاء:
لا تنسي أنه سيعود إليك كل يوم بأعصاب مشدودة متعبة، وقد أضعفت مقاومتها مشكلات عمله، فإن قابلته بأعصاب مثلها، ربما لأنك تعملين مثله أنت أيضًا، فقد اجتمع النار والبارود، والنتيجة: الانفجار.
إن رأيت أن عملك خارج البيت، مهما كانت درجة هذا العمل، ومهما كان دخلك منه، سيهد حياتك الزوجية فاستقيلي منه حالاً، وانصرفي للعناية ببيتك وزوجك وأولادك.
إن عملك خارج البيت هو تضحية كبيرة قدمتيها من أجل تحسين حياتك وحماية سعادتك الزوجية، فإذا تحولت هذه التضحية إلى سكين تذبح زواجكما وتقضي عليه، فبأي عذر تحتفظين بعملك بعد ذلك؟ أي نوع من التضحية تكون، تلك التي نقتل بها
من نضحي من أجله؟!
ولا تنسي يا ابنتي أنه ليس من الصعب كثيرًا على الرجل أن يفارق كل يوم امرأة ليتزوج غيرها، ولكن ذلك قد يعني النهاية لسعادة المرأة، وأملها في أن يكون لها بيت وعائلة وأبناء وبنات، إن الرجال سيعدون إلى الألف قبل أن يفكروا بالتقدم لخطبة امرأة سبق أن تزوجت من غيرهم، إن شيئًا ما قد تغير فيها بعد الزواج، وهذا ما لم يحدث للرجل أبدًا. ومن يدري، فعلك تكرمينني يا ابنتي، بطواعيتك لزوجك، وإحسانك إليه، وتضحيتك من أجله، بل من أجل سعادتكما الزوجية، فأنال بك الجنة والمغفرة من الله تعالى، كما بشر الرسول صلى الله عليه وسلم تلك المرأة الصالحة:
'يا هذه، اعلمي أن الله قد غفر لأبيك بطواعيتك لزوجك'. وأخيرًا، لا تنسي معه أن تحافظا على صلاة الجماعة وورد من التلاوة والأدعية بعد كل فجر، فبمثل مجالس الرحمن هذه تختفي دواعي الغضب، وتتلاشي نوازغ الشيطان، وتضمحل أسباب الخلاف، فتتقارب القلوب، وترق النفوس، وتهدأ الأرواح، ويظلكم الله برحمته، فيزاوج بين روحيكما بعد إذ زاوج بين جسديكما، ولا تنسيا أن ترددا هذا الدعاء القرآني إثر كل صلاة:
{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف:15].
هذا والحمد لله رب العالمين
ولا تنسنا من صالح الدعاء