نسبة ما يقال وما لا يقال من الأسرار:
أجريت دراسة علمية في ألمانيا على مجموعة من النساء لمعرفة نسبة الأسرار التي يفصحن عنها والأسرار التي يحتفظن بها، فوجد أن هناك 10% من الأسرار تحتفظ بها المرأة بشكل مطلق ولا تبوح بها لأحد مهما كان، بينما تستطيع أن تبوح ب 60% من أسرارها لزوجها أو أمها أو أختها أو صديقتها القريبة.
وقد تختلف هذه النسب من امرأة لأخرى، وتختلف بالطبع بين الرجال والنساء، فالنساء أكثر إفصاحًا ولذلك قيل "إن السر سم في فم المرأة لو ابتلعته قتلها"، ولكن النتيجة النهائية هي أن ثمة أشياء تقال وأشياء أخرى لاتقال، وهنا يأتي السؤال:
لماذا يحتفظ الزوجين ببعض أسرارهما؟
ربما لأحد أو بعض أو كل الأسباب التالية:
1. الخوف على صورة الذات لدى الطرف الآخر.
2. الخوف من الرفض والنبذ والتحقير وعدم القبول وربما الهجر.
3. الخوف من المعايرة والإستغلال والإبتزاز.
4. الخوف من إفشاء هذا السر لآخرين.
5. الخوف من إحداث ألم أو صدمة للشريك.
6. الخوف من أن يزرع هذا السر المعلن بذرة شك في نفس الطرف الآخر لا يستطيع الخلاص منها خاصة إذا كان هذا الطرف يتسم بالغيرة الشديدة.
7. الخوف من اضطراب الحياة الزوجية أو حتى انتهائها بعد إفشاء هذا السر.
هل للإفصاح عن السر فوائد؟
1. الإفصاح عن السر قد يعطي راحة للطرف الذي أفصح به، خاصة إذا كان هذا السر يشكل عبئًا نفسيا شديدا عليه ويشعره بالذنب طول الوقت.
2. الإفصاح يعطي الإحساس بالثقة والرباط القوي بين الزوجين.
3. وقد يحمي الطرف الذي أفصح من شعور مزمن بالخجل أو العار أو الخوف من معرفة هذا السر من طرف آخر.
4. وقد يحميه من ابتزاز شخص آخر يساومه على هذا السر.
5. وقد يكون الإفصاح هو البداية للتوقف عن سلوك سلبي لم ننجح في إيقافه وهو في طي الكتمان.
6. هل كتمان بعض الأسرار يعتبر نوع من الكذب أو التدليس؟
نعم.. فإخفاء الحقيقة أو جزء منها يعتبر نوع من الكذب بالحذف (Lying by omission) ، وهو لا يقل خطورة عن الكذب بالإضافة (Lying by commission)، وقد تكون معرفة هذا السر مهمة للطرف الآخر في تحديد مواقفه أو اتخاذ قراراته، فمثلا الزوجة التي تخفي عن زوجها انحرافات بنتها أو ابنها هي تمارس عملية تغطية وتعتيم على مشكلات تربوية تحتاج من الأب لفعل شئ ما. كما أن المبالغة في إخفاء الأسرار يجعل الزوج يعيش في عالم وهمي ويعيش في الظلام ولا يعرف الكثير عن أقرب مخلوق له وهو زوجته (ونفس الحال بالنسبة للزوجة).
متى وكيف نفصح عن السر؟
أولا: هناك قواعد مهمة للإفصاح أو عدم الإفصاح عن الأسرار:
وأهم شئ في هذه القواعد هو الإجابة عن الأسئلة التالية:
لماذا أفصح أو لا أفصح؟ ولمن؟ ومتى؟ وكيف؟ وماذا بعد الإفصاح؟ فإذا استطعت أن تجيب عن هذه الأسئلة بوضوح فأنت على الطريق الصحيح للتعامل مع الأسرار. والإفصاح عن السر ليس فعلًا منقطعًا عما قبله وما بعده، بل هو يتم في سياق يسبقه أشياء تمهد له ويتبعه أشياء تستوعب تداعياته سلبًا وإيجابًا، بمعنى أنه لا يصح أن نرمي السر هكذا دون تمهيد قبله ودون متابعة بعده.
ثانيًا: هناك بعض التوصيات في طريقة الإفصاح:
1. إذا كان السر خطيرًا، أو يتوقع أن تكون له تداعيات صعبة؛ فيجب مناقشته أولًا مع معالج أو مستشار نفسي حتى توضع خطة مناسبة للإفصاح ولمواجهة التداعيات.
2. معرفة ما يجب أن نفصح عنه وما يجب أن نحتفظ به، فقد نعلن عن شئ إجمالًا ولكن نحتفظ بالتفاصيل قدر الإمكان لأنها قد تؤذي الطرف الآخر، وكمثال على ذلك لو أن امرأة كانت متزوجة من شخص آخر أو مخطوبة، فهي تعلن عن ذلك لزوجها ولكن لا تذكر تفاصيل حياتها مع الزوج أو الخطيب السابق.
3. محاولة توقع استجابة الطرف الآخر بناء على معرفتنا بشخصيته وردود أفعاله، وأن نكون جاهزين للتعامل مع استجابته.
4. أن نختار الوقت المناسب والظرف المناسب والحالة المناسبة لنا وللطرف الآخر، فلا يجوز أن يكون الإفصاح عند الذهاب للنوم أو عند الرجوع من العمل أو عند الوقوع تحت ضغوط نفسية أو عند الإصابة بمرض جسدي أو نفسي.
5. يجب أن نختار المكان الآمن، فربما أدى الإفصاح عن السر إلى صدور انفعالات خطرة من الطرف الآخر.
6. علينا أن نكون مستعدين للإجابة عن تساؤلات واستفسارات يطرحها الطرف الآخر دون أن نتورط في الدخول في تفاصيل تزيد الأمور تعقيدًا، وقد نعتذر عن تلك التفاصيل إذا كانت تختص بأشخاص آخرين لا نود ولا يجوز إفشاء أسرارهم دون إذنهم، وهذا يكون اعتذارًا منطقيًا عن بعض التفاصيل.
7. يستحسن أن نتفق على وقت الإفصاح وعلى مكانه مسبقًا حتى يكون الطرفان مهيئان للموقف، وأن لا يكون الإفصاح مفاجئًا.
الإفصاح عن الذات فن مزدوج لدى الطرفين:
فالطرف المفصح عن أسراره يختار بدقة الوقت المناسب والموضوع المناسب بالقدر المناسب وبطريقة جيدة تؤدي إلى راحة النفس وتقوية العلاقة والثقة بالطرف الآخر، والطرف المستقبل يحتاج لمهارة الإنصات الإيجابي وأن لايقاطع حتى ينتهي محدثه تمامًا، ولا يعطي إشارات مبكرة تقطع الإسترسال أو التواصل، ويحتاج للقدرة على التقبل والتفهم والتسامح، ويحتاج لقراءة اللغة اللفظية وغير اللفظية للطرف المفصح، وأن تكون استجاباته إيجابية وبناءة وعلى قدر المسئولية ونبل الأخلاق.
ماذا نتوقع بعد الإفصاح؟
بالنسبة للطرف الذي أفصح فإنه يمر بخبرة النوح Grievingحيث تكون هناك حالة من خدل المشاعر تليها حالة من الغضب والحزن والإحباط.
أما الطرف الآخر فقد يشعر أنه أفضل، وأن الأمور أصبحت مكشوفة أمامه، وإذا كان من النمط النبيل في البشر، فإنه يقدر صراحة شريكه وأمانته ويحاول مساعدته، أما إن كان غير ذلك فقد يستخدم ذلك السر في التعالي أو الضغط أو المعايرة أو الابتزاز، وهذه الإحتمالات السلبية قد تدفع الطرف المفصح إلى الشعور بالحنق على شريكه والندم على الإفصاح. ويتوقع أن تحدث تقلبات مزاجية وإحساس بالضيق والتعب، ولكن إذا شعر الطرف المفصح باضطرابات شديدة في النوم أو الأكل أو أداء وظائفه الأساسية لمدة تزيد عن أسبوعين فعليه مراجعة طبيب نفسي.
ولكي لا يدخل الطرف المفصح في احتمالات مرضية سلبية عليه أن يكون هو نفسه بعد الإفصاح، وأن يشعر بالأصالة والصدق، وأنه الآن أصبح أقرب إلى ذاته وإلى الناس وإلى الله، وأنه الآن في طريقه للتعافي الصادق من الأثر السلبي للسر.
لمن نفصح؟
نحن نقلق من الإفصاح عن كثير من أسرارنا نظرًا لخوفنا أن تتغير صورتنا في عيون الآخرين وأن نفقد بالتالي حبهم، وبمراجعة العديد من الدراسات النفسية اتضح الآتي:
1. الأشخاص الذين يفصحون عن أسرار عميقة محبوبين أكثر من الذين لا يقدرون على الإفصاح.
2. والناس يفصحون بأسرارهم لمن يحبون غالبًا.
3. وهم يفضلون من أفصحوا لهم بأسرارهم.
مسئولية وواجبات من يتم الإفصاح له عن سر:
أن لا يفشي هذا السر أبدًا تحت أي ظروف دون استئذان صاحبه أو صاحبته.
أن لا يستخدم هذا السر لمعايرة أو إذلال أو تحقير أو لوم أو ابتزاز الطرف الآخر.
أن ينصت جيدًا ويتفهم جيدًا، فالناس يحبون ليس فقط من يسمعهم ولكن من يفهمهم ويتعاطف معهم.
أن تكون استجاباته لما تم الإفصاح عنه مسئولة وناضجة وبنّاءة وداعمة للطرف الذي وثق فيه واستودعه سره.
وأخيرا فالسر أمانة في داخلنا لا ينطلق إلى الخارج إلا إن كان يحقق نتائج إيجابية لنا وللآخرين، وحين نطلقه لابد وأن نعرف متى وكيف واين ولمن؟ فهو حين ينطلق من أفواهنا لا نملك رده أو التحكم فيه.
أم عبد الرحمن محمد يوسف