أعزائي المربين..كل عام أنتم بخيرها هي خير أيام الدنيا قد أقبلت بكل خير.. تحمل البشرى للبيوت المسلمة بموسم العام الأكبر.. وتنادي: هل من مشمر لاستباق الخيرات، واغتنام النفحات ؟! وهل من مشمر للاستثمار التربوي.. ومضاعفة العمر؛ بالحث على هذا الخير؟! إنها نفحات لا نظير لها لمن وفقه الله.. فتجاوز عبادته في نفسه؛ إلى تزكية أهل بيته وحثهم على مثل اجتهاده، وإعانتهم في ذلك. بل هي غنيمة باردة لمن ألهمه الله فوق ذلك؛ فكان وأهل بيته جميعا ممن جمع الخيرين: الاجتهاد في العبادة، ودعوة غيرهم إلى مثل ذلك. أعزائي المربين.. إنّ أطفالنا هم أكبادنا تمشي على الأرض، أمانة في أعناقنا، يتعلَّمون خلال سِنِيِّ حياتهم مَعَنا ما يُعينهم على القيام بأدوارهم المستقبلية، تارة بالتقليد والمحاكاة، وتارة بالمحاولة والخطأ، وتارة بما دربناهم عليه خاصة في المناسبات الدينية التي تتكرر كل عام، فهي بمثابة المغانم التربوية للآباء والأمهات، عن ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَدِّبِ ابْنَكَ فَإِنَّكَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ: مَاذَا أَدَّبْتَهُ، وَمَاذَا عَلَّمْتَهُ؟ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَوَاعِيَتِهِ لَكَ" (ابن القيم:تحفة المودود. ص 137)
وقد كان صلى الله عليه وسلم يعتني أشد العناية بتعليم الصغار وتدريبهم عملياً على العبادات، ففي الصلاة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع) - رواه أبو داود (495)- . (جمال عبد الرحمن: أطفال المسلمين كيف رباهم النبي صلى الله عليه وسلم؟،ص:102 بتصرف) وفي الصيام : عن الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها قالت : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة :"من كان أصبح صائما فليتم صومه ، ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه"، فكنا بعد ذلك نصومه ، ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله ، ونذهب إلى المسجد ، فنجعل لهم اللعبة من العهن ، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار.) - رواه البخاري (1960) ومسلم (1136)- .
هكذا كانوا، وهكذا ينبغي لنا أن نكون مع أطفالنا في خير أيام الدنيا؛ عشر ذي الحجة، يقول صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشرة" قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلاّ رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء".
إننا لنُحَقِّقَ هذه الخِصال مع أطفالنا في أعظم الأيام عند الله، ينبغي أن تكون لنا خُطوات أسرية إيمانية مدروسة، مثل: أولاً: لفت الانتباه: وذلك بطباعة حديث الإمام البخاري في فضل عشر ذي الحجة، وتعليقه في مكان ظاهر بالمنزل.. ولو أمكن إعلان جائزة مناسبة لمن يحفظها من أفراد الأسرة، لكان هذا جميلاً. ثانياً:التهيئة النفسية: حيث تجتمع الأسرة في حلقة حول الأب، أو الأم، يقوم فيها ببيان عظمة هذه الأيام العشر، وفضل العمل الصالح فيها، ويتم عرض هذا كله بأسلوب مشوِّق يتناسب مع الفئة العمرية للأبناء. ثالثاً:التعرف إلى أَعْمال العَشر ومباشرتها مع الأبناء: مثل أداء الصلوات المفروضة على وجهها الأكمل، والتبكير لها، وإتمام ركوعها وسجودها، وتحقيق خشوعها، والحفاظ على السنن الرواتب، والإكثار من قراءة القرآن، والصدقات، وإعانة المحتاجين. - وكذلك صيام ما تيسر من أيام هذه العشر؛ فهو داخل في جنس الأعمال الصالحة، وآكدها صيام يوم عرفة لغير الحاج، قال صلى الله عليه وسلم: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ". - الإكثار من التهليل، والتكبير، والتحميد، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد"، ويُستحَبّ للوالدين أن يدربا أبناءهما عملياً على هذه العبادة ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:(وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ أَيَّامُ الْعَشْرِ ... وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا). - ومن الأعمال الجليلة في هذه العشر المباركة؛ ذبح الأضاحي تقرباً لله، مع سرد قصة الفداء والتضحية وما فيها من عبر على الأبناء.(مقال:أبناؤنا وعشر ذي الحجة:موقع صيد الفوائد/الشبكة الدولية للمعلومات) - تعليم الأبناء الإخلاص في عشر ذي الحجة؛ فمن الكنوز التربوية أيضاً في هذه الأيام، تعليم الأبناء الإخلاص في العبادة، وخصوصاً في أوقات العبادة المكثفة، مثل عشر ذي الحجة، فقد تعتري نفس الصغير آفة العجب كما تعتري نفس الكبير إن لم يُوجَّه ويُنَبَّه لذلك، ولقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الوقوع في تلك الآفة عقب رمضان، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يقولنّ أحدكم: صُمت رمضان كلّه، ولا قُمت رمضان كلّه». ولكن نعلمهم أن يردّوا الفضل دائماً لله تعالى فيما وُفِّقُوا إليه من الطاعات، ونلقنهم قول الله تعالى:"وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب" – هود:88- وإليك – عزيزي المربي- أفكار تربوية مبدعة لهذه الأيام المباركة: - عمل نموذج للكعبةمجسّم أو مصوّر: والقيام ببعض مناسك الحج عن طريق عمل تطبيق الحج بصورة مبسطة مع الطفل، فنضع في كل ركن من أركان المنزل مَنسكًا من مناسك الحج مصغرًا، ونجعل الأطفال يتنقلون بينها ويتعرفون عليها، وهم يلبسون ملابس الحج، وبذلك يعيش الأطفال مع هذه المناسك، مما يكون له الأثر العظيم في تعليمهم ومحبتهم لهذا المنسك. - اصطحاب الأطفال عند شراء خروف العيد: واشرح لهم أن في الأضحية إحياءً لسنة أبينا إبراهيم عليه السلام، وفيها تذكير بقصة الفداء والتضحية، إذ أصبح يوم فداء إسماعيل وإنقاذه من الذبح عيدًا للمسلمين يسمى بعيد الأضحى، يذبح فيه المسلمون الذبائح تقربًا إلى الله، وتخليدًا لهذه الذكرى. - مسابقة خير أيام الدنيا: - فكرة المسابقة: تقوم فكرة المسابقة على تجميع الملابس والألعاب القديمة وغير المستخدمة بهدف التصدق بها وإدخال الفرحة والسرور على المسلمين في العيد. - يقوم أحد الوالدين بإثارة الحماس لدى الأبناء، مبيناً لهم فضل الصدقة وأهميتها، ويخبرهم أن هناك مسابقة كبيرة تشمل جميع أفراد الأسرة في أفضل صدقة. - يراعى ترك فترة زمنية كافية لإعداد الصدقات وفرزها وتجهيزها، وإشراك الأبناء في ذلك. - يضع الأب في صالة المنزل جدولاً لكل فرد من أفراد الأسرة، يسجل فيه اسمه، وما هي الصدقة التي سيقدمها(ملابس- لعب- كتب – فرش..)، بالإضافة غلى بيان آخر موعد للتسليم. - يكون معيار التفاضل على أساس الإبداع في إخراج الصدقة بشكل محترم يدخل الفرحة على الفقير، ويتيح له الانتفاع الحقيقي بها، انطلاقاً من قول الله تعالى:" لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" – آل عمران: 92- ، والإبداع هنا يعني التغيير أو الإضافة، وكذلك الكي والتغليف. - يكون حساب الدرجات كالآتي: درجتان: لكل صدقة فيها إبداع وتم تسليمها في الوقت المحدد. درجة واحدة: لكل صدقة فيها إبداع ولو لم تسلم في الوقت المحدد، أو سلمت في الوقت المحدد وليس فيها إبداع. - الابن الذي يجمع درجات أكثر هو الفائز، ويتم عمل حفل بسيط قبل قدوم العيد بيومين، ليتمكن الأبناء من توزيع الصدقات أثناء عشر ذي الحجة لنيل الأجر المضاعف إن شاء الله. - هذه المسابقة تحقق لك – عزيزي المربي- فوائد كثيرة من أهمها: - الانتقال بأبنائك من النظرية إلى التطبيق، وهذه هي الطريقة الأكثر قوة في التربية. - اشتراك الأسرة في فعل الخير، مما يقوي تعود الأبناء على وجود هذه الطاعة كجزء من حياتهم، وخلق جو التنافس والحماس الذي يثري التفكير الإبداعي لدى الأبناء. - تنشئة الأبناء على فعل، وتحبيبهم في البذل والتصدق منذ الصغر، و كذلك تنشئتهم على حسن التعرض لنفحات الله تعالى، واستغلال مواسم الخيرات. ( عبد الله عبد المعطي:كيف تكون أباً ناجحاً،ص:112) وأخيراً عزيزي المربي دونك العشر الأوائل من ذي الحجة..نفحة من نفحات الرحمن، وغنيمة تربوية، تستطيع أن تنهل من خيراتها لأبنائك علماً وتعليماً..تدريباً وتطبيقاً..وبناءاً إيمانياً تنمو به وتكبر قلوبهم الخضراء..لعل الله ينفع بهم الأمة، وينصر بهم الدين، ويجعلهم امتداداً لعملك الصالح إن شاء الله. ــــــــــــــــ المراجع: - تحفة المودود بأحكام المولود:ابن قيم الجوزية - أطفال المسلمين كيف رباهم لانبي صلى الله عليه وسلام؟:جمال عبد الرحمن - كيف تكون أباً ناجحاً:عبد الله محمد عبد المعطي - موقع:صيد الفوائد/الشبكة الدولية للمعلومات
التعديل الأخير تم بواسطة محمد فرج الأصفر ; 09-18-2015 الساعة 12:14 PM.