تحليل اقتصادي: "ربيع العرب" يؤجج نار الفقر والبطالة
أربع سنوات ورياح "ربيع العرب" السياسية تمشي بما لا تشتهيه سفنهم، أما الحصيلة الاقتصادية فجاءت بمؤشرات اقتصادية مخيفة وتبعات اجتماعية صادمة، لكن السؤال المطروح هو هل من فرصة توقف هذا الاتجاه نحو كارثة؟
الآن وبعد أن توقف الحديث عما سمّي "الربيع العربي" والآمال السياسية التي عُقدت عليه، جاء دور الحديث عن الحصاد الاقتصادي لهذا الربيع، لاسيما في الدول التي حل عليها. إن نظرة أولية على الواقع الاقتصادي المتردي أصلا بفعل فساد وتبذير وسوء أداء النظم الديكتاتورية والشمولية في الدول العربية تشير إلى تفاقم العجز في موازناتها وزيادة حدة الفقر والبطالة في مجتمعاتها خلال الفترة التي انقضت حتى الآن مما يسموه ربيع العرب.
مؤشرات اقتصادية مخيفة
في تونس مهدُ هذا الربيع تقلصت عوائد السياحة والإنتاج الصناعي في ظل تراجع معدل النمو الاقتصادي إلى النصف خلال السنوات الثلاث الماضية. ورغم عودة بطيئة للانتعاش خلال العام الجاري، فإن القطاعات الأساسية وفي مقدمتها السياحة وخدماتها ما تزال تعمل بطاقة تشغيلية تقل عن مستوى الخمسين بالمائة. وفي مصر هوت السياحة بنسبة أكثر من 70 بالمائة، وهربت استثمارات أجنبية كبيرة واستهلكت الاحتياطات النقدية لتصبح البلاد مرهونة أكثر من أي وقت مضى للمنح والقروض الخليجية.
أما في ليبيا فإن النتيجة لن تكون أقل من شلل اقتصادي شامل لولا استمرار ضخ النفط ووجود احتياطات مالية. وفي اليمن زادت الخسائر التي لحقت بالاقتصاد على 10.5 مليار دولار منذ عام 2011، ما يعادل نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي. وفي سوريا فقد الاقتصاد خلال السنوات الثلاث الماضية حوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي الذي كان حجمه السنوي بحدود 60 مليار دولار قبل الأزمة.
تبعات اجتماعية صادمة
تراجع أداء اقتصاديات دول "الربيع العربي" جاء في خضم اضطرابات سياسية وحروب وأعمال عنف وإرهاب مستمرة عطّلت أو دمّرت قطاعات إنتاجية وخدمية واسعة، ودفعت رؤوس الأموال للهرب إلى دول آمنة. وقد أصاب التعطيل أو الخراب صناعات استهلاكية أساسية بشكل أدى إلى زيادة الاستيراد وارتفاع الأسعار بنسب لا تقل على 25 بالمائة باستثناء تلك التي تدعمها الدولة. كما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة المرتفعة أصلا حسب منظمة العمل العربية، وخاصة في الدول التي تعتمد على السياحة والاستثمارات الخارجية.
وجاءت هذه التبعات بمزيد من الفقر والفاقة، ففي مصر على سبيل المثال تقدر نسبة الفقر بنحو 40 بالمائة من عدد السكان حاليا مقابل 25 بالمائة في عام 2011، وفي تونس تقدر النسبة حاليا بحوالي 24 بالمائة مقابل 18 قبل أربع سنوات. وبالنسبة لسوريا فإن أكثر من سكان البلاد يعيشون حاليا تحت خط الفقر مقابل نسبة 18 بالمائة كانت تعاني من ذلك عام 2010. غير أن تأثير الربيع لم يشمل دوله فقط، بل أيضا الدول العربية الأخرى وفي مقدمتها لبنان والأردن والعراق. وحتى في دول الخليج فإن التأثيرات السلبية أدت إلى تباطؤ النمو وزيادة الإنفاق والضغوط على الميزانيات.
اقتصاديات حساسة تجاه الأزمات
تكمن أحد أكبر مشاكل اقتصاديات دول "الربيع العربي" - باستثناء ليبيا وإلى حد ما سوريا- في تركيز استثماراتها خلال العقود الثلاثة التي سبقت الأزمة على قطاعات شديدة الحساسية إزاء الأزمات والاضطرابات السياسية والأمنية كقطاعي السياحة والعقارات.
وقد نسي صناع القرار بذلك أو تناسوا أن حادثا أمنيا واحدا قد يؤدي إلى توقف تدفق السياح والاستثمارات لفترات طويلة. كما أهملوا حقيقة أن مناعة أي اقتصاد إزاء الأزمات مرهونة بتنويع قطاعاته ومصادر دخله. كما أنها مرتبطة بمدى قدرته على إنتاج السلع الأساسية كالأغذية والألبسة والطاقة والأدوية بمقومات محلية متجددة تعتمد على التجديد وإبداع الكفاءات المحلية. وهكذا تمت إضاعة فرص تنمية متوازنة ومستدامة من قبل النظم القمعية والشمولية بشكل متعمد أو عن جهل ليس في دول "ربيع العرب" وحسب، بل أيضا في مجمل الدول العربية.
النجاح الاقتصادي مرهون بالتحول الديمقراطي
رغم كل المؤشرات الاقتصادية السلبية خلال سنوات "الربيع العربي"، لابد من التأكيد مرة أخرى على أن حجم المآسي الاقتصادية والاجتماعية ما كان ليحصل بهذه الشكل لولا ظلم وفساد واحتكار النظم الشمولية، أما السؤال المطروح إزاء ذلك هو كيف تبدو الآفاق في ظل استمرار هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها العالم العربي؟
الجواب على ذلك أن الدول العربية ستشهد على المدى القصير المزيد من التدهور في مؤشراتها الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الكيانات السياسية الحالية للعديد منها مهددة بالزوال. ولن تتمكن قروض صندوق النقد الدولي والمساعدات الخليجية لوحدها من وقف هذا التدهور. أما على المدى الطويل فإن وقف التدهور وتجاوزه مرتبط بتخطي المرحلة الانتقالية نحو تحول ديمقراطي يأتي بتنمية اقتصادية مستدامة تقوم على المنافسة والتعددية وإطلاق القوى الخلاقة للطاقات البشرية. وفي هذا السياق تبدو تونس ومصر والمغرب الأكثر تأهيلا لتحوّل كهذا.