إعــــداد
دكتور / حسين حسين شحاتة
الأستاذ بجامعة الأزهر
خبير استشاري في المعاملات المالية الشرعية
- تقديم :
من عظمة الإسلام أنه يوازن بين المادة والروح في إطار متوازن بما يحقق للإنسان الإشباع المادي والروحي سوياً ، فالمادة هي أساس بناء الجسد ليقوى على عبادة الله عز وجل ، كما أن الروح هى أساس الجانب المعنوي داخل الإنسان ليستشعر حلاوة الإيمان بالله رباً وبالإسلام ديناً وبسيدنا محمد نبياً ورسولا .
ولقد أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة بقول الله عز وجل : " وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ، وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين " (القصص : 77 ) ، والمسلم الصادق القوى الإيمان يبتغى بكل شئ وجه الله ، وأساس ذلك قول الله تبارك وتعالى : " قل إن صلاتي ونسكى ومحياى ومماتي لله رب العالمين لا شريك له . وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " (الأنعام : 162 - 163 ) .
وتعتبر فريضة الصوم من أهم مقومات التربية الروحية وتزكية النفس كما أنه علاج فعال لما يصيبها من قسوة وغلظة وخشونة وتكاسل عن الطاعات والعبادات وضيق الصدر والغفلة عن الله عز وجل والوقوع فى المعاصى.
- الصيام جنّة للنفس :
والصيام مدرسة للتربية الروحية حيث يهذب النفس البشرية ويقومّها ، ويطهّر القلوب من عبادة المال ويقوّى ويعمّق الإيمان بالله ، كما أنه ينقى الروح والجسد من طغيان المادة ويحمى الإنسان من شوائب الشهوات الحيوانية الجسمية إذا ما تجاوزت ما شرعه الله عز وجل فى هذا الشهر .
فهو وقاية للنفس البشرية من النار ، ولقد روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن جابر رضى الله عنه أن النبى قال : " الصيام جنّة يستجن بها العبد من النار " ." ألا أدلك على أبواب الخير ؟ ، قلت بلى يا رسول الله ، قال : " ما من عبد يصوم يوماً فى سبيل الله إلاّ باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا " ( متفق عليه ) .
- الجوانب الروحية للصيام
من أهم الجوانب الروحية للصيام عديدة نذكر ما يلى :
أولاً : الصيام يزيد المؤمن تقوى وصلاحاً ويقيه الإلحاد والمعصية ، ذلك على أساس التربية الروحية قال الله عز وجل موضحاً الغاية من الصيام وهى التقوى: " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيـــــام كمــا كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتـــقون " ( البقرة : 183 ) فالمفطر الجاحد لفريضة الصيام كافر ، والمفطر كسلاً وتقصيراً يعتبر فاسقاً عاصياً .
ثانياً : الصيام يدخل على النفس البشرية السعادة والبهجة والاطمئنان ويحميها من القلق والاضطراب ، فالمسلم يفرح لقدوم شهر رمضان ويستعد له استعداداً كريماً متذكراً قول الرســول :" إذا جاءكم رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار و صفدت الشياطين" ( رواه البخاري ومسلم ) ثالثاً : الصيام يعود النفس البشرية على الدعاء والتبتل ، ويقيها من التكبر ، فدعاء الصائم مجاب ولقد وردت آية الدعاء في وسط آيات الصوم ، فيقول الله عز وجل : " وإذا سألك عبادي عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون" ( البقرة:186) ، كما أن في رمضان ليلة القدر ، وهى خير من ألف شهر ، يتوجه الصائم فيها بالدعوات الصالحات حيث يقول : " اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنى " . ( رواه ابن ماجه والترمذى عن عائشة ) .
رابعاً : ينمى الصوم في النفس البشرية المراقبة الذاتية حيث يستشعر الصائم أن الله عز وجل يراقبه في كل تصرفاته وسكناته ، يصوم بدنه وتصوم جوارحه ويصوم قبله ، يقيه ويحميه الصوم عن عمل أى شئ يضيع عليه ثواب الصائمين مؤمناً بقول الله عز وجل : " وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير "(الحديد : 4) وقول الرسول : " أعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ( متفق عليه ) .
خامساً : يزيد الصوم عند المسلم الإخلاص لله ويجنبه النفاق والرياء والتفاخر ، فالصوم لله وحده والله وحده هو الذي يجزى الصائمين ، مصداقاً لقول الرسول فيما يرويه عن رب العزة أنه قال : " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي " ( رواه البخاري ومسلم ) ، والصائم حين يفطر يتوجه إلى الله بالدعاء ويقول : " اللهم إني لك صمت وبك آمنت وعلى رزقك أفطرت " .
سادساً : والصوم يدرب النفس البشرية على الجهاد ويحميها من الخنوع والجبن ... ومجاهدة هوى النفس التي يحب صاحبها المأكل والمشرب والشهوة .... كما يدربها على الخشونة والصبر والثبات وقوة التحمل ، وعندما يفلح المسلم الصائم في الجهاد ضد هوى النفس ، يستطيع أن يجاهد أعداء الإسلام .
- الصيام علاج لأمراض النفس
الصيام وجاه للنفس البشرية من أن تقع فى المعاصى الظاهرة منها والباطنة وارتكاب ما حرمه الله عز وجل لأن الإنسان يعيش فى أجواء إيمانية بين القرآن والقيام والذكر والدعاء والتبتل ومع عباد الله الصالحين .
كما يعتبر الصيام علاجاً لقسوة القلب وغلظته ، لأنه يرقق القلوب إلى الله الذى خلقه ورزقه وهو الذى سوف يميته ويقبره ويبعثه ثم يحشره ويحاسبه يوم لا ينفع[سجل معنا ليظهر الرابط. ] ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم ، والصوم علاج فعال للفتور الذى يصيب النفس البشرية ويجعلها تتكاسل عن الطاعات والعبادات أو عدم إتقانها والتعلق بالدنيا وزخارفها ومنها المال والبنون والزوجة ، حيث يعيش المسلم معظم وقته مع عباد الله الصالحين الصائمين فى مجالس الذكر والدعاء .
- وصايا إلى أصحاب النفوس الصائمة :
• اغتنم شهر الصيام لتربى نفسك على الإخلاص لله وتطهرها من النفاق والرياء .
اغتنم شهر الصيام لتربى نفسك على الامتثال والطاعة و لله رب العالمين وتطهرها من الكبر والمظهرية.
• اغتنم شهر الصيام لتتجه بنفسك إلى الله بالدعاء والتبتل راجياً المغفرة والعتق من النار ، وتطهرها من الغفلة عن ذكر الله .
• اغتنم شهر الصيام لتخضع نفسك لمراقبة الله عز وجل لتزداد خشية له وخوفاً منه .
• اغتنم شهر الصيام لتدرب نفسك على الجهاد وكبح هواهـا لتكون من أصحاب العزائم .
الصيام تربية للنفس على الجهاد
يعتبر الصيام من أقوى الوسائل لتربية النفس البشرية على الجهاد ففى الصيام جهاد للنفس بمخالفة المألوف والخروج عن المعتاد وترك الشهوات كلية ، كما أنه يربى المسلم على الصبر والجلد وقوة الاحتمال والتضحية ، وهذه كلها من سمات المجاهد في سبيل الله لجعل كلمة الله هى العليا وكلمة الذين كفروا السفلى .
وهناك أوجه تماثل وتشابه بين الصائم إبتغاء مرضات الله وبين المجاهد في سبيل الله نذكر منها ما يلى :
أولاً : طاعة الله غاية الصائم والمجاهد :
يصوم المســلم طاعة لله وامتثالاً لأمره ، مصداقاً لقوله عز وجــــل " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " ( البقرة : 183 ) ، فيرجو المسلم من الله أن يغفر له ما تقدم من ذنبه ، آملاً العتق من النار والفوز بالجنة ، ولقد وعد الله عز وجل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " (رواه النسائى) ، وفى الحديث القدسى " كل عمل إبن ادم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به " (رواه البخارى ) .
كذلك المجاهد في سبيل الله عز وجل لبى نداء الله بالجهاد آملا النصر أو الشهادة، وجزاء الشهداء الجنة، كما إنه يُرزق عند الله عز وجل، مصداقاً لقوله تبارك وتعالى : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون " (البقرة : 169 ) فغاية الصائم والمجاهد هى إرضاء الله عز وجل والفوز بالجنة .
ثانياً : الإخلاص من خصال الصائم والمجاهد :
يتسم الصائم بالإخلاص لله عز وجل في صيامه ، بدون الإخلاص لا جدوى من صيامه ، مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " رب قائم حظه من قيامه السهر أو رب صائم حظه من الصيام الجوع والعطش "(رواه أحمد ) وكذلك المجاهد في سبيل الله يبتغى من هذا الجهاد إرضاء الله عز وجل وليس ليقال عنه أنه شجاع ... ولذلك - يجب أن يتوفر لدى كل من الصائم والمجاهد درجة عالية من الإيمان والورع حتى يكون مخلصاً في صيامه وجهاده ليس في ذلك أى شئ لهوى النفس أو للمظهرية والمباهاة ، قال رجل : يارسول الله أحدنا يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل رياء أى ذلك فى سبيل الله ؟ ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله " (رواه الشيخان ) .
فالإخلاص ركن أساس من عمل الصائم ومن عمل المجاهد وبدونه لا يقبل الصوم ولا يقبل الجهاد .
ثالثاً : الصبر من خصال الصائم والمجاهد :
الصيام يعود النفس البشرية الصبر على الجوع العطش وكف الشهوات حتى تحصن هذه النفس ضد الضعف وتقوى ضد الضغوط فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شـــــهر يذهبن وحَرَ الصدر " (رواه الطبرانى ) ... وكذلك نـجد المجاهد في ســــبيل الله يصبر ساعات طويلة وهو في مواجهة العدو بدون طعام أو شراب وكأن الصيام يدرب المسلم على كيفية الصبر وقوة التحمل ، حتى إذا كانت ساعة الجهاد يكون قد أعد نفسه .
فالصبر هو سلاح الصائم والمجاهد وينطبق عليهما قول الله تبارك وتعالى " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " (الزمر:10) .
رابعاً : التضحية من خصال الصائم والمجاهد :
يضحى الصائم بالطعام والشراب وغرائز النفس وكذلك بالمال متمثلاً في صدقة الفطر والصدقات التطوعية من أجل الثواب من الله عز وجل ، ولقد ورد في هذا الشأن الأحاديث الكثيرة منها قول الرسول صلى الله عليه: " الصيـــام والقــــرآن يشــــفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيـــام : أى رب منعته الطعام والشهوة فشــــفعنى فيه ، ويقول القرآن : أى رب منعته النوم بالليل فشـــفعنى فيه، قال : فيشفعان " (رواه الإمام أحمد والطبرانى)
ففى الصيام تضحية بأشياء محببة لدى النفس من اجل التقرب إلى الله عز وجل وكذلك المجاهد : يضحى بنفسه وبماله لله عز وجل ، مصداقاً لقوله تبارك وتعالى : " إنالله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " (التوبة : 111 ) .
كما أن المجاهد كذلك يضحى بالطعام والشراب والمال والبنين من اجل الجهاد في سبيل الله ولقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم , فقال : " من لم يغز ، أو يجهز غازياً ، أو يخلف غازياً في أهله بخير أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة " (رواه أبو داود ) ، وقال أيضاً : " وجاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم " (رواه أبو داود ) .
فالتضحية بالنفس والمال والمأكل والمشرب والشهوات من خصال الصائم والمجاهد في سبيل الله وهى أساس النصر على هوى النفس وعلى أعداء الإسلام ، ومن لم يستطع أن ينتصر على هوى نفسه لا يستطيع أن ينتصر على عدوه . …
شهر رمضان شهر الغزوات والفتوحات :
لقد ورد في الأثر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان كلما هم بغزوة من الغزوات تحرى أن تكون في شهر رمضان توطينا لنفسه الشريفة وللجنود على احتمال ما سوف يلاقيهم في سبيلها من جهاد ومشقة ، وتقرباً إلى الله عز وجل وإرشاداً للمسلمين إلى سبيل الاسـتعداد لاحتمال الشـدائد في الجهاد ، وهنا يجتمع لدى المجاهد الصائم مجاهـدة النفس ومجاهدة الأعداء فإذا انتصر تحقق له انتصاران : هما الانتصار على هوى النفس والانتصار على أعداء الله ، وإذا استشهد لقى الله سبحانه وتعالى وهو صائم ، وتحقق فيه قول الله تبارك وتعالى: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " التوبة:111) .
رمضان شهر انتصارات المجاهدين فى سبيل الله .
ففى شهر رمضان على سبيل المثال تمت الغزوات والفتوحات والإنتصارات الآتية :
(1) غزوة بدر الكبرى فى السنة الثانية من الهجرة .
(2) فتح مكة فى السنة الثامنة من الهجرة .
(3) معركة حطين ودخول المسلمين الأندلس .
(4) فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح .
(5) معركة عين جالوت حيث انتصر المسلمين على التتار . الصيام تربية للنفس على التضحية
الصيام تربية للنفس البشرية على التضحية بالخروج عن المألوف ومخالفة المعتاد وترك الشهوات والغرائز المتاحة له وهو مفطر ، فترك طعامه وشرابه كما أنه يؤدى زكاة ماله وزكاة الفطر ويكثر من الصدقات التطوعية فى هذا الشهر الكريم ، ليربى نفسه على التضحية فى سبيل الله الذى يحبه ، ومن أبرز أنواع التضحية فى فى شهر رمضان هو التضحية بالمال الذى يحبه الإنسان من أجل الله عز وجل الذى رزقه هذا المال ,وكذلك التضحية بترك المباحات طاعة لله وامتثالاً لأوامره ، وهذا ما سوف نوضحه فى الصفحات التالية .
الصيام يربى النفس على التضحية بالمال :
يضحي الصائم في شهر رمضان بالمال إما في صورة صدقات تطوعية أو صدقات مفروضــــة ( زكاة المال وصدقة الفطر ) من أجل تقديم الشكر لله الذي رزقه هذا المال وكذلك من أجل إقامة فريضة الزكاة ... ، ونـجد المسلمين في هذا الشهر أكثر جوداً وكرماً تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود الناس ، وكان أكثر ما يكون في رمضان حين كان يلقاه جبريل ليدارسه القرآن ... وهذا كله يدرب النفس البشرية على التضحية بالمال.
ولقد ورد في الحث على مزيد من التضحية بالمال في رمضان أحاديث نبوية شريفة منها قال ابن عباس رضى الله عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فالرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخيرمن الريح المرسلة "(رواه البخارىومسلم) ، وعن رسول ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : " ...... ومن فطر صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شئ ، قالوا : يا رسول الله ، ليس كلنا يجد ما يفطّر الصائم ، فقال : "يعطى الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن .... " ( رواه بن خزيمة ) .
الصيام يربى النفس على التضحية بالشهوات
يربى الصوم النفس البشرية على التضحية بالمألوف من الغرائز والشهوات المباحة له شرعاً فى غير أوقات الصيام ، عبادة وطاعة وامتثالاً لأمر الله عز وجل الذى فرض عليه الصيام الذى قال : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ، لعلكم تتقون " ( البقرة : 183) ، وفى هذه الأية الكريمة إشارة إلى أن فريضة الصيام تربى النفوس على الطاعة وتطهير القلوب من اتباع الهوى .
وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أى رب منعته الطعام والشهوة فشفعنى فيه : ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعنى فيه : فيشـــــفعان " ( رواه أحمد والطبرانى والحاكم ) .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل عمل ابن آدم له ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، قال الله : إلاّ الصوم فهو لى وأنا أجزى به ، يدع الطعام من أجلى ، ويدع الشراب من أجلى ، ويدع لذته من أجلى ، ويدع زوجته من أجلى ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، وللصائم فرحتان : فرحة حين يفطر ، وفرحة حين يلقى ربّــــه " ( رواية ابن خزيمة) وفى رواية لمسلم : " كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، قال الله تعالى : إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به ، يدع شهوته وطعامه من أجلى ، للصائم فرحتان : فرحة حين فطره ، وفرحة عند لقاء ربه ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " ( رواه أحمد )
ومن الأشياء التى يضحى بها الصائم وهى مباحة له فى غير أوقات الصيام :
- جماع الزوجـة والطعام والشراب و الحــجـامـة .
الصيام يربى النفس على التضحية بالنوم من أجل العبادات
يحافظ الصائم على وقته فى رمضان بين العمل الجاد المنتج للحصول على الكسب الطيب ويضاعف من وقت العبادة لله عز وجل ، فنجده فى شهر رمضان يقضى وقتاً كبيراً فى صلاة القيام وفى قراءة القرآن ، وفى صلاة التهجد وفى الاعتكاف بدون أن يتعدى على وقت العمل ، ولقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " (رواه البخارى ) .
وطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإجتهاد فى العشر الأواخر من رمضان ، فقد أخرج الإمام أحمد أن النبى صلى الله عليه وسلم " كان إذا دخل العشر الأواخر ، أحيى الليل وأيقظ أهله وشد المئزر " ( رواه أحمد ) ، وعن عائشة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجتهد فى العشر الأواخر ما لا يجتهد فى غيره " (البخارى ). بما يجزى الله الصائمين مقابل تضحياتهم ؟
يضحى الصائم بالشهوات وبالمال وبالوقت وبكل عزيز عنده من أجل رضاء الله وتقواه ، ويكافئ الله هذا الصائم بجزاء كبير هو الجنة والزحزحة عن النار ، وهذا هو جزاء المتقين ، فمن صام رمضان إيمانا واحتساباً لله عز وجل أن جزاؤه عند الله ، فهو القائل : " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به " (رواه البخارى) .
كيف يحسب جزاء أعمال الصائمين ؟
يختلف حساب ثواب الأعمال فى شهر الصيام عنها فى الشهور الأخرى فإذا كانت الصدقة التطوعية بعشر أمثالها إلى سبعمائة فى حالة الإنفاق فى سبيل الله ، فإن ثواب هذه الصدقة التطوعية فى رمضان تعدل ثواب فريضة الزكاة ، وثواب النافلة فى شهر رمضان يعدل ثواب الفريضة فى غير رمضان وثواب الفريضة فى شهر رمضان يعدل ثواب سبعين فريضة فى غير رمضان وثواب العمرة فى رمضان يعدل ثواب الحجة ......وهكذا .
ربح الصائـم مـع الله
الإنسان بطبيعته لا يضحى بشئ إلا إذا كان العائد أغلى وأثمن وأفضل من المضحى به ، فالمشترى يضحى بالمال مقابل السلعة التى تزيد قيمتها عن المال ، وهذا أمر غرائزى عند كل البشر ، وحتى يحفز الله عز وجل عباده على الإكثار من التضحية فى سبيله جعل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وفى رمضان وضع خاص للصائمين ....... بمقابل التضحيات الجنة ....... إن سلعة الله غالية ، إن سلعة الله غالية ، إن سلعة الله غالية ، هى الجنة . نعم الرابح مع الله عز وجل فى شهر الصيام هو الذى يقدر ثمن الجنة ، ويقارن بين ماله ، ووقته ، وإشباع شهواته وغرائزه وبين مقابل ذلك وهو الجنة .
ولقد حسم القرآن الكريم ذلك فقال : " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ، ذلك متاع الحياة الدنيا ، والله عنده حسن المآب ، قل أؤنبؤكم بخير من ذلك للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد " ( آل عمران : 14, 15 ) .
والخاسر فى شهر رمضان هو الذى يبخل بماله ، أو يضيع وقته فى النوم أو أمام التفاز بحجة تسلية الصيام ، أو يقضى ليله فى السهر فيما يغضب الله ، فقد خسر خسراناً مبيناً .
ألم يأن للصائمين المضحين بمالهم ووقتهم وشهواتهم أن يقيموا ما أعده الله لهم من الجزاء ، ويخرجوا من موسم الصيام بالربح الروحى المدخر لهم يوم يلقون الله ويدخلون الجنة من باب الريان .