مراتب الشهداء
شهداء الاخرة ـ 1
المكرمين بالرحمة والمغفرة بوعد الله تعالى وهم الاحياء عند ربهم لقوله جل وعلا:(وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ) البقرة : 154 وهم المحددون بفعل القتال في سبيل الله لا لغرض في الدنيا.
لقوله تعالى: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) النساء : 74
هذه الفئة من البشهداء كان وعد الله عليه حقا ان يدخلهم الجنة لقوله جل شأنه(إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة : 111.
2 - شهداء الدنيا
فاولئك ليس لهم عند الله خلاق ، فهم شهداء النفاق من يموتون دفاعا عن عقيدة سياسية او حزبية أو فداء لرئيس أو حبيب أو مادون ذلك. أو تحت رايات جاهلية أو عرقية.
وقد اتفق العلماء على أن الشهداء ثلاثة أقسام:
شهيد الدنيا والآخرة ـ1
فهو الشهيد الكامل الشهادة، والذي تجري عليه أحكام الدنيا والآخرة ، وهو أرفع الشهداء منزلة عند الله. وأفضلهم مقاماً في الجنة، وهو المسلم المكلف الطاهر، الذي قُتل في المعركة مخلصاً لله النية، مقبلاً غير مدبر، سواء قتله أهل الحرب أو البغي أو قطاع الطريق، أو وجد في المعركة وبه أثر القتل، أو قتله مسلم أو ذمي ظلماً بآلة جارحة ولم تجب بقتله دية وكان موته فور الإصابة، أو وُجد قتيلاً عند انكشاف الحرب ولم يُعلم سبب موته؛ سواء أكان عليه أثر دم أم لا، وسواء مات في الحال أو بقي زمناً ثم مات بعد ذلك، وسواء أ أكل وشرب ووصى أم لا، وسواء أكان رجلاً أو امرأة بالغاً أو غير بالغ. أو هو شهيد المعركة هو المسلم الذي وقع قتيلاً بين الأعداء في أثناء المعركة ومات فور إصابته. ولا فرق بين أن يكون قتله بقذيفة مدفع، أو صاروخ، أو رصاصة بندقية أو مسدس، أو قنبلة طائرة أو لغم في أرض أو سيف أو رمح أو سكين أو عصا أو دبابة تسير على جسده، أو بأي وسيلة أخرى مباشرة أو غير مباشرة في القتل. ولو كان المقاتل يركب سيارة أو دبابة أو طائرة، في أثناء المعركة، وهو قائم بعمل يتصل بالمعركة، وتدهورت السيارة أو الدبابة أو هوت الطائرة سواءكان ذلك بفعل العدو أو غير فعله، فقتل، فهو شهيد معركة، كذلك والأصل في ذلك شهداء أحد إذ لم يقتلوا كلهم بالسيف والسلاح بل منهم من دمغ رأسه بحجر، ومنهم من قتل بالعصا، ومع ذلك فقد عمّهم النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بترك الغسل.
ولو قاتل العدو المقاتلين حتى ألقاهم في بحر أو نهر أو بركة فماتوا أو مات بعضهم فهم شهداء معركة. ومن قتل المسلمون في المعركة خطأ، أو قتل نفسه في المعركة بيده خطأ، كأن رمى قنبلة على الأعداء فأصابته وقتلته فهو شهيد معركة. وإذا جُرِح أحد المقاتلين في المعركة وحُمِل حياً من ساحتها، ولم يعش عيشة مستقرة بعدها، كأن يبقى فاقد الوعي ثم مات، وهو على هذه الحال، فهو شهيد معركة. وإذا أغار العدو على جماعة من المسلمين سواء أكانوا عسكريين أم مدنيين، وسواء كانوا في معركة أو في مدينة أو في قرية أو في مضارب البدو فقتل منهم أناساً؛ فإن كل قتيل منهم شهيد، له حكم شهيد معركة.
وكذلك من طلب الشهادة بصدق نيته ولو مات على فرشه ، فعن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سأل الله الشهادة بصدق، بَلَّغه الله منازل الشهداء،وإن مات على فراشه) رواه مسلم
قال المناوي : " قيد السؤال بالصدق، لأنه معيار الأعمال،ومفتاح بركاتها وبه ترجى ثمراتها(بلَّغه الله منازل الشهداء):مجازاة له على صدق الطلب
وقال شيخي ابن عثيمين : " فإذا سأل الإنسان ربه وقال:اللهم إني أسألك الشهادة في سبيلك ولا تكون الشهادة إلا بالقتال؛ لتكون كلمة الله هي العليا فإن الله تعالى إذا علم منه صدق القول والنية، أنزله منازلالشهداء،وإن مات على فراشه " .
وقال الإمام ابن القيم : " ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربه في جميع أموره،ومن صدق الله في جميع أموره صنع الله له فوق ما يصنع لغيره".
شهيد الدنيا ـ 2
وهو الشهيد الذي تجري عليه أحكام الشهيد في الدنيا ، ولا تجري عليه في الآخرة ، كمن غل من الغنيمة أو مات مدبراً، أو من قاتل لتُعلم شجاعته، أو طلباً للغنيمة فقط.
ولعل كل قتيل في المعركة، لم يكن مخلصاً لله، فهو من شهداء الدنيا، فإذا كان الباعث له، ليس الجهاد في سبيل الله، وإنما شيء من أشياء الدنيا، فإنه
لا يحرم نفسه من الأجر والثواب فحسب، بل إنه، بذلك، يعَّرض نفسه للعذاب يوم القيامة، فعن أبي هريرة قال: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ) رواه مسلم،.
شهيد الآخرة ـ3
هو من أثبت له الشارع الشهادة ، ولم تجر عليه أحكامها في الدنيا، أي أنه كباقي الموتى يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن، وقد جعلهم الشارع في حكم
الشهداء، لخصلة خير اتصفوا بها، أو لمصيبة أصابتهم فقدوا فيها حياتهم. وقد ذكر العلماء، بناء على ما ورد من أحاديث، أن شهداء الآخرة كثيرون،
عدها السيوطي ثلاثين، وأوصلها بعضهم إلى الخمسين فمن ذلك:
طالب الشهادة، والمطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، وصاحب ذات الجنب، والحريق، والمرأة تموت بالنفاس، والمقتول دون ماله، والمقتول
دون مظلمته، أو دون دينه أو أهله أو دمه، والميت بالغربة، والمواظب على قراءة آخر سورة الحشر العامل بما فيها، وطالب العلم، والمقتول صبراً،
والمقتول بسبب قوله كلمة الحق للحاكم.
أحكام الشهداء
تعريف الشهيد الذي لا يُغسَّل ولا يصلى عليه
ذهب الفقهاء إلى أن: من قتله المشركون في القتال، أو وجد ميتاً في مكان المعركة وبه أثر جراحة أو دم، لا يُغسَّل لقوله صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد: (زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ)رواه أحمد. ولم ينقل خلاف في هذا
وذهب المالكية والشافعية إلى: أن كل مسلم مات بسبب قتال الكفار حال قيام القتال لا يغسل، سواء قتله كافر، أو أصابه سلاح مسلم خطأ، أوعاد إليه سلاحه، أو سقط عن دابته، أو رمحته دابة فمات، أو وجد قتيلاً بعد المعركة ولم يُعلم سبب موته، سواء كان عليه أثر دم أم لا، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، والحر والعبد، والبالغ والصبي.
إزالة النجاسة عن الشهيد
ذهب الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة إلى: أنه إذا كان على الشهيد نجاسة غير دم الشهادة تغسل عنه، وإن أدى ذلك إلى إزالة دم الشهادة، لأنها ليست من أثر العبادة، وفي قول عند الشافعية، ولا تغسل النجاسة إذا كانت تؤدي إلى إزالة دم الشهادة
غسل الشهيد وتكفينه
الشهيد الذي قُتل بأيدي الكفار في المعركة لا يُغسَّل، عند جمهور العلماء، وإن كان جُنباً، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يغسَّل حنظلة الراهب، وقد استشهد جُنباً. ويُكفَّن الشهيد في ثيابه الصالحة للكفن، ويُدفن في دمائه، ولا يُغسل شيء منها؛ لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا تُغَسِّلُوهُمْ
فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ أَوْ كُلَّ دَمٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ) رواه أحمد، وأمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( بدفن شهداءأُحد في دمائهم، ولم يغسَّلوا)رواه البخاري. وقال الشافعي: لعل ترك الغسل والصلاة لأنهم يلقون الله بكلومهم.
تكفين الشهيد
ذهب الحنفية: إلى أن شهيد المعركة ـ الذي قتله المشركون، أو وجد بالمعركة جريحاً، أو قتله المسلمون ظلماً ولم يجب فيه مال ـ يكفن في ثيابه، لقوله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (زَمِّلُوهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ) رواه أحمد، ، الثياب التي يكفن بها وتلبس للستر. ولأن الدفن بالسلاح وما ذكر
معه كان من عادة أهل الجاهلية، فإنهم كانوا يدفنون أبطالهم بما عليهم من الأسلحة وقد نهينا عن التشبه بهم.
وعند المالكية: أن شهيد المعركة يدفن بثيابه التي مات فيها وجوباً إن كانت مباحة وإلا فلا يدفن بها، ويشترط أن تستره كله فتمنع الزيادة عليها، فإن لم تستره زيد عليها ما يستره، فإن وجد عرياناً ستر جميع جسده. ولا يدفن الشهيد بآلة حرب وهي معه كدرع وسلاح.
وقال الحنابلة: إن شهيد المعركة يجب دفنه في ثيابه التي قتل فيها، ولو كانت حريراً على ظاهر المذهب، وينزع السلاح، ولا يزاد في ثياب الشهيد ولا
ينقص منها، ولو لم يحصل المسنون بها لنقصها أو زيادتها.
قال الشافعية: يكفن شهيد المعركة ندباً في ثيابه، لخبر أبي داود بإسناد حسن عن جابر ، قال: (رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فِي صَدْرِهِ أَوْ فِي حَلْقِهِ فَمَاتَ فَأُدْرِجَ فِي ثِيَابِهِ كَمَا هُوَ قَالَ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ) سنن أبو داود، والمراد ثيابه التي مات فيها واعتاد لبسها غالباً، وإن لم تكن ملطخة بالدم، ويفهم من عبارتهم أنه لا يجب تكفينه في ثيابه، التي كانت عليه وقت استشهاده، بل هو أمر مندوب إليه فيجوز أن يكفن كسائر الموتى، فإنلم يكن ما عليه سابغاً، أي ساتراً لجميع بدنه، تمم وجوباً، لأنه حق للميت، ويندب نزع آلة الحرب عنه كدرع، وكل ما لا يعتاد لبسه غالباً كجلد.
أما شهداء غير المعركة كالغريق والحريق والمبطون والمطعون فيكفنون كسائر الموتى وذلك باتفاق جميع الفقهاء
والله أعلى وأعلم