أنت غير مسجل في مسلم أون لاين . للتسجيل الرجاء أضغط هنـا
 

الإعلانات النصية


الإهداءات

العودة   منتديات مسلم أون لاين العودة مسلم أون لاين للتدريب والتعليم العودة قسم التنمية البشرية وتطوير الذات

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  مشاركة رقم : 1  
قديم 11-02-2014
نعمة حكيم
قسم الاسرة والحياة الزوجية

رقم العضوية : 15
تاريخ التسجيل : Jul 2014
المشاركات : 1,113
بمعدل : 0.31 يوميا
معدل تقييم المستوى : 11
المستوى : نعمة حكيم نشيط

نعمة حكيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور نعمة حكيم



المنتدى : قسم التنمية البشرية وتطوير الذات
Education من أخطائنا الفكرية (عبد التواب مصطفى خالد)

1 ـ الرضا بالدون

في كثير من الأحيان يركن بعض الشباب إلى الاستسلام والرضا بأقل شيء مطلوب لتحقيق الغرض دون التفكير، أو المحاولة مرة أخرى ؛لتخطي العقبات التي تعرض الوصول إلى أعلى الأهداف، أو المرتبة العليا منها، وهذا في حد ذاته منعطف خطير في التفكير؛ لأنه يقضى على كل الملكات التي وهبها الله تعالى للإنسان واستعمالها في تحقيق أغراضه المشروعة،ويعطي انطباعاً أخطر من ذلك هو ترك طلب المعالي لشخص آخر ربما يكون أقل منك في القدرات والمواهب وفي نفس الوقت أخطر منك في التصرفات السلبية التي تعود على المجتمع بالشر المستطير إذا تمكن من الوصول لمعالي الأمور، وأماكن اتخاذ القرار.

والشيء المؤلم حقا أننا أصبحنا نعيش على المؤثرات الخارجية خصوصاً الدعوات المثبطة التي تنبعث من دعاة اليأس والقنوط ، وأصحاب التجارب الفاشلة ، أو الطموحات الرديئة ، والغايات المحدودة التي يقف منتاها عند حدود الاكتفاء بلقمة العيش ، وشربة الماء حتى لو اشتركنا في ذلك مع بقية الدواب التي تسير على أربع ،دون الانطلاق من الثوابت الداخلية التي تقوي الإرادة والعزيمة وترفع الهمة ، وتضع رقي الإنسان في مقدمة التكريم الذي اختاره الله تعالى لتميز الإنسان عن سائر الحيوانات.

ومن القصص الطريف لتقريب المعنى للذهن بصورة أكثر واقعية أن مجموعة من الضفادع اتفقت فيما بينها على خوض مسابقة لصعود برج مرتفع فتعالت صيحات بقية الضفادع سخرية واستهزاءا من التفكير في هذه المسابقة التي تقوم على الصعود لأعلى لأنه يتنافي مع قدرة الضفادع ،ولكن مجموعة المتسابقين لم تأبه لهذه الدعوات المثبطة ،وبدأت في المسابقة بالفعل وأثناء السير بدأت بعض الضفادع في التراجع من بداية الطريق مستجيبة لدعوات المشاهدين بعدم التواصل ،والبعض الآخر قطع نصف المسافة صعوداً ثم تراجع تعباً وأخيرا تراجع بقية المتسابقين إلا واحداً صغير الحجم ظل يتابع القفزات تلو القفزات حتى أستطاع الوصول إلى نهاية البرج وسط استغراب من الجميع ، وبعد انتهاء المسابقة عقد مؤتمر صحفى لسؤال الضفدع الصغير كيف وصل إلى نهاية البرج مع أن الصيحات كانت ترتفع من المشاهدين بعدم الصعود وإيثار السلامة إضافة إلى أن من حوله من المتسابقين قد تراجعوا وكانت الإجابة تتمثل في المفاجأة المدهشة للجميع ،وهى أن هذا الصغير كان أبكماً لايسمع أصلاً فلما بدأت المسابقة وعزم على الصعود لم يكن يسمع لأصوات المشاهدين المثبطين فلم يتأثر بهم فكانت النتيجة هى الوصول بينما باءت محاولات الآخرين بالفشل نتيجة التأثر بسماع دعوات المشاهدين.

هل يستطيع شبابنا اليوم أن يصم أذنه ليكون أكبر قدراً من الضفدعة الصغيرة حتى يصل بنفسه وأمته إلى مرتبة تجعله محل النظر والتقدير من الآخرين ؟

لقد شاهدت في التلفاز ذات مرة حلقة في برنامج مصري عرض صورة لامرأة مقطوعة الذراعين ، وتعمل كل شيء بأرجلها حتى وضع الخيط في ثقب أبرة الخياطة وخياطة الثوب فضلا عن صنع الطعام وطهيه وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن الإنسان لديه من الملكات والمواهب التي تحول بينه وبين العجز والكسل ولكننا نحاول بكل أسف إخماد حرارة تلك المواهب والملكات لتصبح متجمدة جمود الثلج تحتاج مزيدا من الوقت الحار حتى تصير لمرحلة الذوبان لكن بعد مضي وقت طويل لاينفع معه حرارة ولانار؛ لأن شيب العمر وكبر السن أقوى من حرارة الدنيا وما فيها.

على أن بعض المتفلسفين قد يتطاول بتفكيره الأرعن ويقول ألم يقل الرسول الكريم عليه السلام " وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، » : وهو جزء من حديث حسن عن أبي هريرة رضى الله عنه( انظر سنن الترمذي ت شاكر 4/551 رقم 2305) ،ولكن هذا التفكير سرعان ما يُدحض لو أنك قلت لصاحبه حال مرضه" أرض بما قسم الله لك " ؛ لأنه عندئذ يسخر منك ويجيب عليك أنه لابد من الذهاب للطبيب والأخذ بالأسباب حتى يكون الرضا بعد ذلك عن يقين لاعن شك في عدم الأخذ بالأسباب وقطع وساوس الشيطان.

إن المعنى الحقيقي للرضا بالدون والقليل من الأشياء يكون بعد بذل الوسع والاجتهاد في طلب معالى الأمور المعنوية والمادية ؛لأن الإنسان في نهاية الأمر له قدرة محدودة ومواهب محدودة تقف عند حد معين لا تتعداه ،والمشكلة كيف نصل إلى درجة المحدود من قدراتنا ومواهبنا بعد الاجتهاد وبذل الطاقة والقدرة ،أما أن نحكم على أنفسنا بأننا قد وصلنا إلى المحدود بدون عمل أو جهد فهذا هو طيش الفكر واعوجاج في منهج الانطلاق.

إن الإسلام يأبى أن يكون أتباعه من ذوي النظرات الدونية حتى ولو كانت الأحداث والوقائع تشهد من حيث الظاهر بالاستسلام لهذا الواقع ،بل إن الإسلام ربى أتباعه على اتخاذ هذا الواقع منطلقا لاستشراف المستقبل وبنائه، وطموحا لبناء مجد الأمة وحضارتها، ولم تكن شدة الأزمات ، وأحرج المواقف في حياة المسلم ذريعة لرفع راية الاستسلام ، وإنما هى في نظر المسلم بمثابة كبوة فرس ينطلق بعدها مسابقا ريح التغيير.

ففي شدة المواقف الحرجة وأثناء الحصار في الغزوات كان الرسول يعلمهم ويبشرهم ويطمئنهم أن المسقبل لهذا الدين تقدما وانتصارا ورقيا وعليهم أن يهيئوا أنفسهم لذلك حتى ولو كان الواقع المرئي والظاهري يقول إنهم محاصرون لايقدرون على شيء فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالْخَنْدَقِ، فَخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا وَجَدْنَا صَفَاةً، لَا نَسْتَطِيعُ حَفْرَهَا، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُمْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا أَتَى أَخَذَ الْمِعْوَلَ، فَضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً وَكَبَّرَ، فَسَمِعْتُ هَدَّةً لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهَا قَطُّ، فَقَالَ: «فُتِحَتْ فَارِسُ» ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى وَكَبَّرَ، فَسَمِعْتُ هَدَّةً، لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهَا قَطُّ، فَقَالَ: «فُتِحَتِ الرُّومُ» ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى وَكَبَّرَ، فَسَمِعْتُ هَدَّةً لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهَا قَطُّ، فَقَالَ: «جَاءَ اللهُ بِحِمْيَرَ، أَعْوَانًا وَأَنْصَارًا»( المعجم الكبير للطبراني 13/14 ص 47 وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/131) ، وقال: «رواه الطبراني بإسنادين، في أحدهما حيي بن عبد الله؛ وثقه ابن معين، وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح» .

لقد علمتنا تجارب الحياة أننا أثناء الصعود للسلم الطويل ننظر دائما لآخر درجة حتى نصل ، وأن من ينظر إلى أطراف أقدامه أثناء الصعود يصاب بالارتعاش والخوف من بُعْدِ المسافة فيؤثر السلامة قاعداً مع القاعدين .

إن الرضا بالدون مسبة في جبين المسلم يجب أن يربأ بنفسه أن يرعى مع الهمل، و أن يجعل لنفسه رَقْما في الوجود يعده العادون ولايجوز بحال أن يكون صفراً يمر عليه القاريء مر الكرام دون أن يعيره اهتماما سوى قرائته؛ فقراءة الأصفار لاتعني شيئا ولو كانت مليون صفر ولكن قراءة رقم واحد يعني شيئا ولو كان العدد رقم واحد فقط .

ولنا من بريق الشعر حكمة .
قال أبو فراس الحمداني
ونحن قوم لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر
تهون في المعالي نفوسنا ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر
وقال المعري:
وإني وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل
وقال أبو القاسم الشابي:
إذا ما طمحتُ إلى غاية ... ركبت المنى ونسيت الحذر"
"ولم أتجنب وعور الشعاب ... ولا كُبَّةَ اللهب المستعر"
"ومن لا يحب صعود الجبال ... يعش أبد الدهر بين الحفر"

أخي الشاب إياك أن ترضى بالدون فتحفر قبر حياتك بيدك ، بل اطلب المعالي وتطلع إليها ،فليس من وصل أكثر منك ذكاء ،ولا أنت أغبى منه عقلاً "


2 ـ تأخير العبادات إلى وقت الحاجة

تأخير العبادات إلى وقت الحاجة مفهوم خاطيء تسرب إلى عقول بعض شبابنا في عصرنا المنكوب بالمفاهيم الخاطئة التي غيرت مسار وجهته الصحيحة وجعلته يتردى كل يوم إلى مهاوي الشرور والآثام وأصبح عاجزاً عن النهوض بأداء العبادة في وقتها المطلوب بسبب وسوسة الشيطان وقوة سلطانه عليه فأصبحت العبادة حملا ثقيلاً تُؤدى بشق الأنفس مجرد طقوس خالية من روح الإخلاص ومهابة المعبود.

ومن مظاهر تلبيس إبليس لهذا المفهوم الخاطيء أنه اتخذ صوراً متعددة حتى إذا نجا من واحدة تناوشته الأخرى، فبعضهم يرى أدائها بعد الانتهاء من مرحلة الزواج، وبعضهم يرها بعد الانتهاء من الدراسة ، وثالث يراها بعد الخروج إلى سن المعاش، ورابع يرى أدائها في البيت ـ مثل الصلاة ـ بعد الانتهاء من العمل ومتاعبه، والخامس يرها بعد زواج الأولاد والتفرغ من مشاكلهم ، وسادس يرى أدائها بعد الانتهاء من الرحلة العلاجية ، وسابع يراها بعد أن يمن الله عليه بالتوبة النصوح، وثامن يراها بعد التخلص من ماله الحرام ، وتاسع يراها بعد تغيير نوع عمله ، وعاشر يراها من قضاء الله وقدره فلو شاء الله وفقه وإن لم يشأ فتلك مشيئته.

والفورية في فعل الخيرات من عبادات وغيرها من التكاليف الشرعية لم تكن محل خلاف بين الفقهاء ؛ لأن النصوص الشرعية جاءت حازمة وحاسمة في هذا الشأن ولم تدع مجالا للاختيار او التردد أو التواني والكسل.

فقد سأل الصحابي الجليل عبد الله بن عمر النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا» ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي (صحيح البخاري 1/ 112 رقم 527).

تأمل أخي الحبيب في قوله عليه السلام " الصلاة على وقتها" ترى أنها أحب الأعمال إلى الله تعالى وهذا معناه أن تأخير الصلاة بغير عذرـ وفق العمل بمفهوم المخالفة وهو معمول به عند جمهور الأصوليين ـ مبغوضاً مكروها عند الله تعالى.

وإذا كان هذا في أمر الصلاة عامة فإن النصوص الشرعية حثت بكل حسم على المواظبة على آحاد الصلاة في وقتها وبينت فضل أدائها فقد اعتبر الرسول عليه السلام من فاته صلاة العصر بمثابة خسران الأهل والمال

فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاَةُ العَصْرِ، كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ»( البخاري 1/115).

وعن فضل المسارعة للصف الأول ، والتهجير ، وصلاة العتمة والصبح قال عليه السلام:"لوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا»[صحيح البخاري عن أبي هريرة رضى الله عنه1/ 126 رقم 615]

وجاء في الحج عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حُجُّوا قَبْلَ أَنْ لَا تَحُجُّوا " قِيلَ فَمَا شَأْنُ الْحَجِّ؟ قَالَ: " يَقْعُدُ أَعْرَابُهَا عَلَى أَذْنَابِ أَوْدِيَتِهَا فَلَا يَصِلُ إِلَى الْحَجِّ أَحَدٌ "( السنن الكبرى للبيهقي 4/557 رقم 8702).

والزكاة دعا الإسلام إلى إخراجها إذا توافرت شروطها ، ومع ذلك أجاز العلماء بعض تقديمها عن موعدها لتحقيق غرض مشروع كسد خلة المحتاجين أو مساعدة المنكوبين الذين تعجز الدولة عن مساعدتهم استئناساً بما فعله النبي صلى الله عليه مع عمه العباس فعن عَلِيٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرَ: «إِنَّا قَدْ أَخَذْنَا زَكَاةَ العَبَّاسِ عَامَ الأَوَّلِ لِلْعَامِ»( سنن الترمذي تحقيق شاكر ج3/54 وحسنه الألباني).

وفي قضاء رمضان استحب العلماء التعجيل بالقضاء قبل إدراك رمضان الآخر والذين استدلوا على جواز تأخير القضاء بما رواه الترمذي وَابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: " مَا قَضَيْتُ شَيْئًا مِمَّا يَكُونُ عَلَيَّ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا فِي شَعْبَانَ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ".

فقد ناقش الإمام الشوكاني أقوال العلماء في الحديث وعقب عليها بقوله "جَوَازَ التَّأْخِيرِ مُقَيَّدًا بِالْعُذْرِ الْمُسَوِّغِ بِذَلِكَ" (نيل الأوطار 4/ 278)وهذا هو الراجح ؛لأن الإنسان لايدري أيدركه رمضان القادم أم لا؟ وهذا يتفق مع دعوة الرسول عليه السلام للمبادرة بالأعمال في قوله" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: الدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ، وَخُوَيْصَّةَ أَحَدِكُمْ "( صحيح مسلم 4/2267 رقم 129).

ولاتنس أخي الحبيب أن تأخير فعل الخيرات يتناقض مع وصف المؤمنين الذين وصفهم الله بقوله"إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ [الْأَنْبِيَاءِ: 90] وقوله" أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ " المؤمنون 61

قال العلماء المسارعة في الخيرات تحتمل وجهين :

الأول: أَنَّ الْمُرَادَ يَرْغَبُونَ فِي الطَّاعَاتِ أَشَدَّ الرَّغْبَةِ فَيُبَادِرُونَهَا لِئَلَّا تَفُوتَ عَنْ وقتها ولكيلا تفوتهم دون الاحترام.

وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ يَتَعَجَّلُونَ فِي الدُّنْيَا أَنْوَاعَ النَّفْعِ وَوُجُوهَ الْإِكْرَامِ.(الرازي 23/284).

وقد حذر سلفنا الصالح من تأخير العمل وذكروا أن سببه الحقيقي يرجع إلى استخدام إبليس سلاح التسويف استخداما ماهرا في حرمان الإنسان من المسارعة في فعل الطاعات .

روى الضَّحَّاكُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: " عِبَادَ الرَّحْمَنِ يُقَالُ لِأَحَدِنَا: " أَتُحِبُّ أَنْ تَمُوتَ؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيُقَالُ: وَلِمَ؟ فَيَقُولُ: حَتَّى أَعْمَلَ، وَيَقُولُ: سَوْفَ أَعْمَلُ فَلَا يُحِبُّ أَنْ يَمُوتَ، وَلَا يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ، وَأَحَبُّ شَيْءٍ إِلَيْهِ أَنْ يُؤَخِّرَ عَمَلَ اللهِ، وَلَا يُحِبُّ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ عَرَضُ الدُّنْيَا "[حلية الأولياء وطبقات الأصفياء أبو نعيم الأصبهاني 5/ 230].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " تَعَوَّدُوا الْخَيْرَ عَادَةً، وَإِيَّاكُمْ وَعَادَةَ السَّوَافِ مِنْ سَوْفَ إِلَى سَوْفَ "[شعب الإيمان 13/ 209].

ولنا في الشعر حكمة
قال جعفر بن عون سَمِعْتُ مِسْعَرًا، يَقُولُ:
نَهَارُكَ يَا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ ... وَلَيْلُكَ نَوْمٌ وَالرَّدَى لَكَ لَازِمُ
وَتَتْعَبُ فِيمَا سَوْفَ تَكْرَهُ غِبَّهُ ... كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا تَعِيشُ الْبَهَائِمُ»

[حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 7/ 220].

ومن كلام الحكماء " لاتؤجل عمل اليوم إلى الغد " و " خير البر عاجله "

وتذكر معي قول الرسول صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة رضى الله عنها في قوله تعالى وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) فقد فهمت رضى الله عنها أن الآية يراد منها الَّذِي" يَسْرِقُ وَيَزْنِي وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَهُوَ يَخَافُ اللَّهَ عز وجل" فقال عليه السلام : «لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ يَخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
» وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ «

(انظرتفسير ابن كثير ط العلمية 5/ 418)

فإذا كان هذا حال من يتصدق ويصوم ويخاف عدم قبول عمله فكيف حال من يؤخر العمل إلى وقت الحاجة؟

أخي الحبيب
لعلك الآن أيقنت خطأ هذه المفهوم ، فلاتغرنك صورته الشيطانية ، وانهض لعبادة ربك متى سمعت النداء ، وأد واجباته متى حان وقت الأداء، واعلم أنك مطلوب فأحسن إجابة الطالب. فإنك لاتدري متى تُنادى، واعلم أن علامة العبد المطيع أن ينادى وهو على خير عمل ، والعبد المسيء ينادى وقد تأخر عن العمل .
3 ـ تعميم الأحكام

من الأخطاء الجسيمة التي لايكاد يسلم منها إلا الراسخون في العلم تعميم الأحكام بوجه عام على الناس إذا كانوا مخالفين لنا في الرأي أو الفكر أو العقيدة، أو المذهب ،وهذا ظلم بينٌ يجب أن ندرب أنفسنا على التخلص منه ونتأدب في ذلك بأدب القرآن الكريم ، وسنة الرسول صاحب الخلق العظيم ،وسير الصحابة والتابعين في التعامل مع الغير وكيفية الحكم على الشخص نفسه دون تعميم أو تحميل وزره ونسبته للآخرين.


هناك أناس حملهم الطيش والغرور، أو سطحية التفكير ، أو التعصب الأعمى يعتقدون أن رأيهم حجة يجب الالتزام بها ولو كانت بغير دليل ،ورأي المخالفين لهم بدعة يجب اجتنابها ولو كان صحيح الدليل، وهذه العقلية أساءت للإسلام نفسه قبل أن تسيء لصاحبها، لأن علوم الشريعة أكبر من أن يحيط بها بشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أدري كيف سمح هؤلاء لأنفسهم الحق في تعميم الأحكام على الناس المخطيء منهم والمصيب، والمحسن والمسيء لمجرد أنهم لايشاركونهم الفكر أو المذهب أو العقيدة ؟.


تعال معي أخي القاري نتعلم من أسلوب القرآن الكريم في الحكم على أفعال الناس عامة المؤمن والمنافق ، والمشرك حيث إنه يستخدم أداة التبعيض " من" للحكم على بعض الناس دون تعميم وإليك بعض الاستدلالات لذلك.


ففي مقام المؤمنين ذكر الله سبحانه أنهم ليسوا في درجة واحدة في وفائهم وثباتهم ، وحبهم للشهادة قال تعالى:{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} الأحزاب 23.قَالَ الْحَسَنُ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ يَعْنِي مَوْتَهُ عَلَى الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ الْمَوْتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُبَدِّلْ تَبْدِيلًا، [تفسير ابن كثير ط العلمية 6/ 353]


ومع أهل الكتاب يقول الله تبارك وتعالى:


{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ويقولون علَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }(75)آل عمران 75


فالآية الكريمة قسمت أهل الكتاب من حيث أداء الأمانة على قسمين: أصحاب أمانة ، وأصحاب خيانة قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوْدَعَ رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ أَلْفًا وَمِائَتَيْ أُوقِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَأَدَّى إِلَيْهِ، وَأَوْدَعَ آخَرُ فِنْحَاصَ بْنَ عَازُورَاءَ دِينَارًا فَخَانَهُ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ.(تفسير الرازي 8/262) وهذا معناه "أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ فِي غَايَةِ الْأَمَانَةِ حَتَّى لَوِ اؤْتُمِنَ عَلَى الْأَمْوَالِ الْكَثِيرَةِ أَدَّى الْأَمَانَةَ فِيهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي غَايَةِ الْخِيَانَةِ حَتَّى لَوِ اؤْتُمِنَ عَلَى الشَّيْءِ الْقَلِيلِ، فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ فِيهِ الْخِيَانَةَ"(تفسير الرازي 8/263).


ومع المنافقين نجد نفس الأسلوب في الحكم فلم يصنفهم درجة واحدة من حيث عداوتهم للإسلام ومن تصفح سورة التوبة يجد إنصاف القرآن في وصف المنافقين بحرف الجر من الذي يفيد التبعيض في قوله تعالى" ومنهم من يلمزك في الصدقات"(التوبة58) وقوله "ومنهم الذين يؤذون النبي "(التوبة 61) ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله " التوبة 75 وقوله "ومنهم من يقول إئذن لي ولاتفتني " التوبة 49


وهو نفس الوصف الذي اتبعه مع الأعراب في نفس السورة" ومن الأعراب من يتخذ ماينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر"( التوبة 98) وقوله " ومن الأعراب من يؤمن بالله وباليوم الآخر( التوبة99" وقوله " وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق"( التوبة 101).


وقد علمنا الرسول عليه السلام أن ننصف الناس ونعطي كل ذي حق حقه بصرف النظر عن عقيدته ومعتقده فنراه فيقول في عمرو بن عامر


«رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرِ بْنِ لُحَيٍّ الخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ»( صحيح البخاري 4/ 184 عن أبي هريرة رضى الله عنه)


وفي شاعر الجاهلية لبيد يقول صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ، كَلِمَةُ لَبِيدٍ:


أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللَّهَ بَاطِلٌ ... "( صحيح البخاري 5/42 عن ابي هريرة)


وفي امريء القيس يقول عليه السلام: " امْرُؤُ الْقَيْسِ صَاحِبُ لِوَاءِ الشُّعَرَاءِ إِلَى النَّارِ " ( مسند أحمد ط الرسالة 12/27).


ونراه عليه السلام يحكم بالظاهر دون عنت البحث عن ماضي الشخص وتاريخه أو دوافعه ويعاتب الصحابي أسامة بن زيد لأنه قتل رجلا نطق بالشهادتين أمام بريق السيف يقول أسامة رضى الله عنه: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَقَتَلْتَهُ؟» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: «أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: وَأَنَا وَاللهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ يَقُلِ اللهُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] ؟ فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ"(صحيح مسلم 1/96)


إن مبدأ تعميم الأحكام يجب أن يتخلى عنه كل مسلم والعلماء خاصة لأنه مناف لروح الدين ،ومنفر لغير المسلمين من اعتناقه أو التعاطف مع أتباعه ،فالخطيب أو الداعية الذي حمله غضبه على تعميم الدعاء على سائر المشركين بقوله مثلا


: اللهم أحصهم عددا ولاتبقي منهم أحدا" أو اللهم عليك بالكفار عامة هو في الواقع ـ مع تقديرنا لحماسته وحبه وغيرته لدينه ـ يسيء لهذا الدين من حيث لايشعر لأنه بكل بساطة يفقد من يتعاطفون معه ويناصرون قضاياه من غير عقيدته إذ كيف يقبل إنسان ان تدعو عليه وتنتظر منه أن يمد لك يد العون ، والوقوف بجانب قضاياك المصيرية ؟


والذين يتهمون بعض المجتمعات العربية بصفات رذيلة لمجرد خطأ حدث من بعض أفرادها مخطئون كذلك ؛لأن المجتمعات فيها الصالح والطالح ، والعالم والجاهل ، والمحسن والمسيء ، وقد كان في المجتمع النبوي ـ وهو النموذج الفريد في المثالية ـ زناة وسراق ولم نسمع واحدا من الصحابة ،أو التابعين حمَّل المجتمع وزرهم ؛ لأن أي مجتمع بشري مهما بلغ من النضج والوعي الفكري لابد أن يكون فيه شواذ، والشاذ لايقاس عليه ، ولو كان المجتمع كله صالحا لما كان هناك فائدة في آيات القرآن التي تتحدث عن المجرمين والسراق والزناة والمرابين والكاذبين والحاسدين والمفسدين ولما كان هناك فائدة أصلا في ذكر الحدود ، والتوبة عن المعاصي ونحوها .


والذين يتعصبون لمذهب إمامهم ويرونه أفضل المذاهب السنية اتباعا واقتداءً مخطئون كذلك لأن المذاهب الفقيه كلها نتاج بشري مهما كان صاحب المذهب من الورع والعلم والتقوى وكل المذاهب الفقهية خاضعة للتمحيص والتنقيح والبحث عن قوة الدليل مع خالص التقدير والاحترام والتوقير لأصحابها رضى الله عنهم جميعا ؛لأنهم افنوا حياتهم في خدمة دينهم وبيانه للناس علما أنهم لم يلزموا أحدا بالتعصب لهم بل نهوا عن تقليدهم بغير دليل وقد نقل ابن القيم الجوزية في كتابه إعلام الموقعين مُلَحاً من كلامهم رضى الله عنهم تحت عنوان:(نَهَى الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَنْ تَقْلِيدِهِمْ] . فقال رحمه الله:وَقَدْ نَهَى الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَنْ تَقْلِيدِهِمْ، وَذَمُّوا مَنْ أَخَذَ أَقْوَالَهُمْ بِغَيْرِ حُجَّةٍ؛ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَثَلُ الَّذِي يَطْلُبُ الْعِلْمَ بِلَا حُجَّةٍ كَمَثَلِ حَاطِبِ لَيْلٍ، يَحْمِلُ حُزْمَةَ حَطَبٍ وَفِيهِ أَفْعَى تَلْدَغُهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ.


وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيّ فِي أَوَّلِ مُخْتَصَرِهِ: اخْتَصَرَتْ هَذَا مِنْ عِلْمِ الشَّافِعِيِّ، وَمِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ، لِأُقَرِّبَهُ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ، مَعَ إعْلَامِيَّةِ نَهْيِهِ عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ لِيَنْظُرَ فِيهِ لِدِينِهِ وَيَحْتَاطُ فِيهِ لِنَفْسِهِ.


وَقَالَ أَبُو دَاوُد: قُلْت لِأَحْمَدَ: الْأَوْزَاعِيُّ هُوَ أَتْبَعُ مِنْ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا تُقَلِّدْ دِينَك أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ، مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ فَخُذْ بِهِ، ثُمَّ التَّابِعِيُّ بَعْدَ الرَّجُلِ فِيهِ مُخَيَّرٌ.


وَقَدْ فَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَ التَّقْلِيدِ وَالِاتِّبَاعِ فَقَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعَتْهُ يَقُولُ: الِاتِّبَاعُ أَنْ يَتْبَعَ الرَّجُلُ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ هُوَ مِنْ بَعْدُ فِي التَّابِعِينَ مُخَيَّرٌ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا تُقَلِّدْنِي وَلَا تُقَلِّدْ مَالِكًا وَلَا الثَّوْرِيَّ وَلَا الْأَوْزَاعِيَّ، وَخُذْ مِنْ حَيْثُ أَخَذُوا.وَقَالَ: مِنْ قِلَّةِ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يُقَلِّدَ دِينَهُ الرِّجَالَ.(إعلام الموقعين عن رب العالمين 2/ 139)


فالواجب بعد هذا هو التناصح والتسامح وقبول الآخر ولو كان مخالفا لمذهبنا غير مسفهين لرأيه أو مقللين من شأنه ، أو مستكبرين عليه .


والواجب كذلك أن نحسن لمن يحسن لنا من غير عقيدتنا ، ونحترم من يحترمنا ، ويقف معنا ونقول للمحسن أحسنت وللمخطيء أخطأت .


ولامانع من التناصح بيننا نحن المسلمين ـ والبحث عن قوة الدليل ، وعند التناصح يجب أن نتخلى عن عصبيتنا المذهبية المقيتة ونتأدب بأدب النصيحة ونتذكر قوله الشاعر
تعمدني بنصحك في انفراد *** وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين القوم نوع *** من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت أمري *** فلا تحزن إذا لم تعط طاعة
ولايجب بحال أن نصدر أحكام عامة على الناس ونعطيها حكم اليقين فنجرم المجتمع بسبب بعض المجرمين فيه ، ونكفر المجتمع لبعض المخالفين فيه ، أو نهجر الوطن لفشو بعض مظاهر الفسق فيه. وأخيرا أذكرك بقول جمهور الأصوليين أن العام يفيد الظن ـ خلافا للأحناف رضى الله عنهم ـ لأنه ما من عام إلا له مخصص ، و بالمثل الإنجليزي:( كل تعميم هو خطأ بما فيه هذا التعميم (..


فليكن العمل والإصلاح والإرشاد والتوجيه نهجنا ،فإن الطبيب الذي ينهر المرضى لن يجد من يطببه ، ومن فتح باب التعميم فقد باب التعليم وناوشته سهام المخالفين وشغلته مساوئ المعاندين ،وباء بعداوة أقرب المقربين ،وخرج عن سنن المصلحين الأولين.


وإياك أن تظن أن مالك وسلطانك يرخص لك تعميم الأحكام ، ويخضع لك قلوب الأنام فلنا في ضعيف حديث أبي هريرة حسن الختام فقد قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم: لن تسعوا الناس بأموالكم، وَلكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق.


4ـ مفهوم الزهد في الدنيا

يبدو أن مفهوم الزهد عند بعض الناس مازال ملتبسا؛ لأنه يعني عندهم ترك الدنيا أو الاشتغال بها ؛ لأنها ضرة الآخرة لا يجتمعان في قلب مسلم أبدا ،وعلى المسلم ـ حسب رأيهم ـ أن يختار ،إما الزهد في الدنيا بكل مايحويه معنى الزهد من فقر وتقشف واستغناء عما في أيدي الناس ، وعدم الرغبة في إعمارها ولو بطريق مشروعة ،مع تحمل كل ألوان العنت والمشقة ؛للفوز بالجنة ونعيمها ؛لأنها الأصل المدخر والموعود المنتظر وهو خير وأبقى، وإما اختيار الدنيا والانشغال بها والسعي في تحصيل نعيمها ومتعها وهذه طريق غير مأمونة العواقب ، فقد فتحت الدنيا على أقوام ضلوا وأضلوا واغتروا وعتواً عتواً كبيراً وازدادوا بالإقبال عليها كفرا وشقاء وبؤسا وشابهوا أمماً قبلنا في الغي والضلال والفساد والإفساد فلم يبقى لهم نعيم يدخر ، أو جنة تنتظر .


والمختار عند هذا الفريق بداهة هو الرأي الأول خصوصا ورود أحاديث وآثار عن الصحابة والتابعين تشفع لهم منها ما روى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أرشد إلى هذه الطريق حينما دعا ربه طلبا للفقر والحشر في زمرة المساكين بقوله عليه السلام :" عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ المَسَاكِينِ يَوْمَ القِيَامَةِ» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا، يَا عَائِشَةُ لَا تَرُدِّي المِسْكِينَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، يَا عَائِشَةُ أَحِبِّي المَسَاكِينَ وَقَرِّبِيهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ يُقَرِّبُكِ يَوْمَ القِيَامَةِ» (سنن الترمذي ت شاكر 4/577 قال حديث حسن غريب وصححه الألباني)


وبما رواه أبوسعيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَتَوَفَّنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ، وَإِنَّ أَشْقَى الِأَشْقِيَاءِ مَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ فَقْرُ الدُّنْيَا وَعَذَابُ الْآخِرَةِ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "(المستدرك على الصحيحين للحاكم 4/358) وصححه الذهبي.


و عَن شَدَّاد بن أَوْس وَسَعِيد بن مَسْعُود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الْفقر بِالرجلِ الْمُؤمن أزين على الْمُؤمن مِنَ الْعَذَارِ الْحَسَنِ عَلَى خَدِّ الْفرس".( وسلسلة الْأَحَادِيث الضعيفة للألباني برقم 564).


أضف إلى ذلك بعض الآثار التي وردت عن السلف وتدعو بصراحة إلى فضيلة الفقر وبيان ما أعده الله لهم في الآخرة وهى روايات كثيرة مستفيضة في كتب الأخلاق والسلوك وعلى رأسها ما كتبه الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه "إحياء علوم الدين" فقد جاء في كتاب ذم الدنيا أن الله عز وجل قال لموسى عليه السلام "إذا رأيت الغني مقبلاً فقل ذنب عجلت عقوبته وإذا رأيت الفقر مقبلاً فقل مرحباً بشعار الصالحين ... وقال عيسى عليه السلام :إدامي الجوع وشعاري الخوف ولباسي الصوف وصلائي في الشتاء في مشارق الشمس وسراجي القمر ودابتي رجلاي وطعامي وفاكهتي ما أنبتت الأرض أبيت وليس لي شيء وأصبح وليس لي شيء وليس على الأرض أحد أغنى مني "( إحياء علوم الدين 3/212)


غير أن هذا الاختيار يقابله اختيار الفريق الثاني ـ أي تفضيل طلب المال وحب الغني ـ معضدا وجهة نظره بصحيح المأثور ومعترضاً على فهم أدلة الرأي الأول بأدلة أخرى منها: قوله (صلى الله عليه وسلم) : (إن المكثرين هم الأقلون، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا) . وبقوله (صلى الله عليه وسلم) : (لا حسد إلا فى اثنتين، أحدهما: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق) الحديث. وبقوله لسعد: (إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس) . وقال لأبى لبابة حين قال: يا رسول الله، إن توبتى أن أنخلع من مالى صدقةً إلى الله ورسوله: (أمسك عليك بعض مالك فإنه خير لك) . وقال فى معاوية: (إنه لصعلوك لا مال له) ، ولم يكن (صلى الله عليه وسلم) ليذمّ حالة فيها الفضل(شرح صحيح البخاري لابن بطال 10/167ـ168).


واعترضوا على أدلة الرأي الأول فقالوا : إن معنى الْمَسْكَنَةِ فِي قَوْلِهِ: "احْشُرْنِي مِسْكِينًا" التَّوَاضُع والإخبات.كَأَنَّهُ عليه السلام سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى، أَنْ لَا يَجْعَلَهُ مِنَ الْجَبَّارِينَ وَالْمُتَكَبِّرِينَ، وَلَا يَحْشُرَهُ فِي زُمْرَتِهِمْ.( تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة الدينوري ص 248).


أَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام : "إِنَّ الْفَقْرُ بِالْمُؤْمِنِ أَحْسَنُ مِنَ الْعِذَارِ الْحَسَنِ عَلَى خَدِّ الْفَرَسِ" فَإِنَّ الْفَقْرَ مُصِيبَةٌ مِنْ مَصَائِبِ الدُّنْيَا عَظِيمَةٌ وَآفَةٌ مِنْ آفَاتِهَا أَلِيمَةٌ، فَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْمُصِيبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَرَضِيَ بِقَسْمِهِ زَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَعْظَمَ لَهُ الثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ.(تأويل مختلف الحديث ص 249)


وقد ناقش ابن بطال رحمه الله أدلة كل فريق بعد عرضها ،ثم قال:


"وأحسن ما رأيت فى هذه المسألة ما قاله أحمد بن نصر الداودى قال: الفقر والغنى محنتان من الله تعالى وبليتان يبلو بهما أخيار عباده ليبدى صبر الصابرين وشكر الشاكرين وطغيان البطرين، وإنما أشكل ذلك على غير الراسخين، فوضع قوم الكتب فى تفضيل الغنى على الفقر، ووضع آخرون فى تفضيل الفقر، وأغفلوا الوجه الذى يجب الحض عليه والندب إليه"(شرح صحيح البخاري 10/168)


ثم انتصر للرأي الثاني بقوله::"ولم يأت فى الحديث، فيما علمنا، أن النبى (صلى الله عليه وسلم) كان يدعو على نفسه بالفقر، ولا يدعو بذلك على أحد يريد به الخير، بل كان يدعو بالكفاف ويستعيذ بالله من شرّ فتنة الفقر وفتنة الغنى، ولم يكن يدعو بالغنى إلا بشريطة يذكرها فى دعائه. فأماّ ما روى عنه أنه كان يقول: (اللهم أحينى مسكينًا وأمتنى مسكينًا، واحشرنى فى زمرة المساكين) . فإن ثبت فى النقل فمعناه ألا يجاوز به الكفاف، أو يريد به الاستكانة إلى الله ".(شرج صحيح البخاري لابن بطال 10/170ـ171)


وقد ثبت أنه دعا لأنس بن مالك وقال: (اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته) . قال أنس: فلقد أحصت ابنتى أنى قدّمت من ولد صُلبى مقدم الحجاج البصرة مائةً وبضعةً وعشرين نسمةً بدعوة رسول الله، وعاش بعد ذلك سنين وولد له) . فلم يدع له بكثرة المال إلا وقد أتبع ذلك بقوله: "وبارك له فيما أعطيته"(شرح صحيح الباري لابن بطال 10/171)


لكن الحقيقة التي يجب أن ندركها هنا أن الدنيا ليست مذمومة بإطلاق وإنما تذم حيث يعم فيها الباطل وينتشر فيها الكفر والإلحاد، ، وينشغل فيها الناس باللهو والأموال والأولاد ؛ فتصبح مصدرا للهو واللعب فلا إله يُعبد ويحمد ويشكر ،وفي ضوء انتشار هذه السلوكيات البشرية جاءت الآيات القرآنية بذم الدنيا والتحذير منها مثل قوله تعالى" نَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ "(محمد 37) وقوله"اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ"( الحديد20)


وقوله : أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)(التكاثر 1و2) .


وتُحمد الدنيا وتطلب حيث ، ترفرف عليها راية التوحيد فلايعبد إلا الله الواحد الأحد مصدر التلقي وإليه التعبد ويُسخَّر كل مافي الوجود لهذه الغاية وبذلك يعم الخير والصلاح ويسود العدل والإحسان، والأمن والاطمئنان ، والحرية والكرامة لكل إنسان، فتكون الدنيا خادمة لامخدومة ومقودة لاقائدة، فهي في نظر المؤمن نعل يدسه في التراب ،وقنطرة يعبر عليها الأمواج ،وسوق يشتري منه الضرورات، وشجرة يستظل بها قبل الرواح. وآيات القرآن الكريم جاءت لتبين هذا المعنى بل تحض عليه وتأمر به في قوله تعالى" الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (الحج 41) وقوله :" وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " (الذاريات57)، وقوله :"وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ : (البينة5)


وفي ضوء هذا الفهم نعلم أن الدنيا لم تذم لذاتها وإنما تذم بسسب أعمال العصاة ولهوهم فيها والاشتغال بها عن الأصل الذي خلقت له وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المكر ، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإعمارها بالخير والصلاح ،وكلها من ثمرات التمكين في الأرض ،ولا يجوز للمسلم أن يحيد عن هذا الأصل فيجعله فرعا فيتفرغ ليجعل الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه ومن هنا جاء التحذير من الوقوع في هذا المنزلق قال صلى الله عليه وسلم : "من كانت الآخرة همه جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه شتت الله شمله وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له، السعيد من اختار باقية يدوم نعيمها على بالية لا ينفد عذابها" ( رواه الترمذي في صفة القيامة باب 30 رقم 2465.) وكان في دعائه يحذر منها بقوله عليه السلام :"وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا" (سنن الترمذي 5/528)


ومن ثَم كان الزهد الحقيقي الدنيا يتثمل في تحقيق اليقين بموعود الله وقدره دون ريب أوشك قال العلماء :"فَمَنْ حَقَّقَ الْيَقِينَ، وَثِقَ بِاللَّهِ فِي أُمُورِهِ كُلِّهَا، وَرَضِيَ بِتَدْبِيرِهِ لَهُ، وَانْقَطَعَ عَنِ التَّعَلُّقِ بِالْمَخْلُوقِينَ رَجَاءً وَخَوْفًا، وَمَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ طَلَبِ الدُّنْيَا بِالْأَسْبَابِ الْمَكْرُوهَةِ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ زَاهِدًا فِي الدُّنْيَا حَقِيقَةً، وَكَانَ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا كَمَا قَالَ عَمَّارٌ: كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظًا، وَكَفَى بِالْيَقِينِ غِنًى، وَكَفَى بِالْعِبَادَةِ شُغُلًا.( جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط 2/ 181)


ولهذا رأينا سلفنا الصالح يضعون لنا عدة معاني للمعنى الحقيقي للزهد وسبب التعدد أن الزهد أمر قلبي لا يتعلق بالجوارح وإنما يتعلق بالقلوب والقلوب تختلف في درجات اليقين والثقة بموعود الله من شخص لآخر ومن ثم تتعد التعريفات.


فقد قال سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا قِصَرُ الْأَمَلِ، لَيْسَ بِأَكْلِ الْغَلِيظِ، وَلَا بِلُبْسِ الْعَبَاءِ. وَقَالَ: كَانَ مِنْ دُعَائِهِمْ: اللَّهُمَّ زَهِّدْنَا فِي الدُّنْيَا، وَوَسِّعْ عَلَيْنَا مِنْهَا، وَلَا تَزْوِهَا عَنَّا، فَتُرَغِّبْنَا فِيهَا.[جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط 2/ 184]


وَقَالَ رَبِيعَةُ: رَأْسُ الزَّهَادَةِ جَمْعُ الْأَشْيَاءِ بِحَقِّهَا، وَوَضْعُهَا فِي حَقِّهَا.


[جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط 2/ 184] .


وَقَالَ ابو سليمان: لَيْسَ الزَّاهِدُ مَنْ أَلْقَى هُمُومَ الدُّنْيَا، وَاسْتَرَاحَ مِنْهَا، إِنَّمَا الزَّاهِدُ مَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا، وَتَعِبَ فِيهَا لِلْآخِرَةِ.[جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط 2/ 198]


وما أحسن ما ذكره النووي رحمه في الزهد فقد قال" فَمَنْ أَخْرَجَ مِنْ قَلْبِهِ حُبَّ الرِّيَاسَةِ فِي الدُّنْيَا وَالتَّرَفُّعَ فِيهَا عَلَى النَّاسِ، فَهُوَ الزَّاهِدُ حَقًّا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَسْتَوِي عِنْدَهُ حَامِدُهُ وَذَامُّهُ فِي الْحَقِّ، وَكَقَوْلِ وُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ: الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا أَنْ لَا تَأْسَى عَلَى مَا فَاتَ مِنْهَا، وَلَا تَفْرَحَ بِمَا آتَاكَ مِنْهَا، قَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ: هَذَا هُوَ الزَّاهِدُ الْمُبْرِزُ فِي زُهْدِهِ.[جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط 2/ 183]


وأما الدنيا فلا يجوز لنا أن نذمها لذاتها ؛لأنها أرض الغرس للآخرة ، وموسم الحصاد ، وسوق التزود بالطاعات ومن هنا يكون حب الدنيا لاذمهاَ قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ الرَّازِيُّ: كَيْفَ لَا أُحِبُّ دُنْيَا قُدِّرَ لِي فِيهَا قُوتٌ أَكْتَسِبُ بِهَا حَيَاةً أُدْرِكُ بِهَا طَاعَةً أَنَالُ بِهَا الْآخِرَةَ. جامع العلوم والحكم 2/193


وقال بعض العارفين -: مَا هِيَ الدُّنْيَا الَّتِي ذَمَّهَا اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَجَنَّبَهَا؟ فَقَالَ: كُلُّ مَا أَصَبْتَ فِي الدُّنْيَا تُرِيدُ بِهِ الدُّنْيَا، فَهُوَ مَذْمُومٌ، وَكُلُّ مَا أَصَبْتَ فِيهَا تُرِيدُ بِهِ الْآخِرَةَ، فَلَيْسَ مِنْهَا.[جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط 2/ 193]


ويؤخذ مما عرضناه عن سلفنا الصالح أنه لايجوز لنا بحال أن نجعل الزهد سُلما لهجر الدنيا أو الاشتغال بها وتركها لغيرنا يتمتعون بخيراتها ويفسدونها بمعاصيهم ويقودونها بظلمهم وعتوهم ويكون لهم فيها الأمر والنهي ، والقيادة والريادة، ويصبح المسلم رهين سلطانهم ، مستعطفا رضاهم ، قانعا بفتاتهم بل الواجب على المسلمين أن يعمروا الدنيا بإقامة منهج الله الذي أمرهم به في كل نواحي الحياة ليعرف غيرنا كيف تكون الحياة التي أرادها الله في الدنيا ، إنها دنيا العدل ،والكرامة، والمساوة والقناعة والرضا ، المال فيها وإن كثر لايطغينا ، والدنيا إن أقبلت علينا لا تلهينا نجمع المال ياليد فلا يدخل القلب ، والغني ليس بكثرة المال وإنما بقناعة النفس ،والزهد الحقيقي أن نملك الدنيا بأيدينا لابقلوبنا نسكن القصور ولاننسى ظلمة القبور يستوي عندنا الحاكم والمحكوم ، والقائد والمقود ، والغني والفقير ، والقوي والضعيف فلا نحزن على مافات منها ولانفرح بما هو آت يستوي عندنا الوجود والعدم فهذا هو الزهد المطلوب ليعلم غيرُنا أن الإسلام دين الدنيا والآخرة وأن من تمتع في الدنيا المتاع الحسن وفق ما أراده الله فإنه يتمتع في الآخرة أيضا بالمتاع الحسن بالجنة ، ومن أساء دنياه أضر بآخرته .


وختاماً أقول إن الذين يتمسكون بالمفهوم الخاطيء للزهد ويحبون الفقر والانزواء عن الدنيا هؤلاء يساعدون ـ من حيث لايشعرون ـ أعداء الأمة على ترسيخ هذا المفهوم في كتاباتهم عن الإسلام ، بل تقديمه لعوام الناس على أنه الحق أو الأصل الذي ينطلق منه الإسلام


والنتيجة أو المحصلة من وراء ذلك أن أمة الإسلام تظل دوما عالة على غيرها ، وتركت قيادة الحياة لغيرها ،و اكتفت من أرض الحياة بقطعة أرض تسجد فيها سجدة ،ومن زينتها بثوب خلق ، وسبحة طويلة، ومن قوتها حبة تمر يتبعها شربة ماء.


ولو ظل فينا هذا الفهم للزهد والنظر للحياة فسوف يعز علينا حصول هذه الأشياء ويبقى باطن الأرض خير لنا من ظاهرها لكنه عند الله ليس بخير لنا.


5 ـ تأخير الزكاة إلى شهر رمضان
موقع لها أون لاين يوم الجمعة 11 شوال 1435هـ الموافق 8 أغسطس 2014م


الزكاة فريضة معلومة ، ومقدرة في حق كل مسلم غني له مال بلغة نصاباً معيناً وحال عليه الحول ، عملاً بقوله تعالى : وفِى أموالهم حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لَّلسَّائِلِ والمحروم }( ) وقوله تعالى{ خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا } ( ) وقوله تعالى:{ وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ } ( )


غير أن بعض الأغنياء من المسلمين تدفعه الرغبة في ازدياد الأجر إلى تأخير إخراج هذا الحق المعلوم بعد حولان الحول انتظاراً لشهر رمضان ظناً أن توزيع الزكاة في رمضان يترتب عليه زيادة الأجر والمثوبة عن بقية الأشهر ،وهذا فهم مغلوط؛ لأن الزكاة في الحقيقة مرتبطة بالحول وببلوغ النصاب ولا علاقة بينها وبين الأشهر فلا فضل لشهر على شهر في إخراج الزكاة، ففي كل شهر فقراء ومساكين وليس من الحكمة أن نقول للمستحقين انتظروا حقكم في رمضان ؛لأنه شهر الفقراء والمساكين ، والعكس هو الذي ينبغي أن يراعى بمعنى أن شهر رمضان فيه أصلاً زكاة الفطر فهو شهر زكاة على جميع لمسلمين الذكر والأنثى والحر والعبد ، والكبير والصغير،فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة» ( ) .


وعلى هذا فالقراء في شهر رمضان ليسوا بحاجة ماسة لأموال الزكاة بقدر ماهم بحاجة إليها في غير شهر رمضان حيث يشح العطاء، وتقتر الأيدي ،وينشغل الأغنياء بتجارتهم ، وجمع أموالهم وربما لو أعطى الغني الفقير حقه في موعده المحدد في غير رمضان نال من الأجر والمثوبة أضعاف ما لو أخر هذ الحق وأخرجه في رمضان ،لأن شدة المحتاج في غير رمضان أعظم منها في غير رمضان فقد يكون الفقير بحاجة لثوب يستر عورته ،أو قيمة إيجار مسكن يأوي أسرته،أو طالب علم يحتاج مالا لدرس يتعلمه ، أو مصاريف مدرسة تهدده بعقوبة حرمان من امتحان، أو يتيما فاقد أبويه، أو أرملة عفيفة لا تمد يديها استحياءاً أو مريضا ينتظر قيمة علاج يبريء سقمه ...إلخ.


هل يستطيع الغني الذي وجبت عليه الزكاة في شهر رجب أن يقول للفقير المريض المستحق للزكاة انتظر وتحمل ألم المرض حتى يأتي شهر رمضان فتأخذ حقك ليضاعف لى الأجر والثواب؟


وماذا لو علم هذا الغني أن هذا المريض قد فارق الحياة قبل شهر رمضان من شدة الألم؟ وماذا لو كان المريض مريضاً بالقلب أو يحتاج إلى غسيل كلوي كل شهر؟ فهل يشفع زيادة الأجر في رمضان للغني أمام الاختصام مع الفقير بين يدي الله الواحد القهار ويُعفى من المسؤولية؟ وماذا لو فارق الغني نفسه الحياة قبل حلول شهر رمضان والزكاة أصبحت دينا في عنقه يقابل به ربه؟


إن إخراج الزكاة حق مرتبط بوقت ببلوغ المال النصاب وحولان الحول ولها مصارفها الثمانية المعروفة ولا علاقة له بالعواطف والمشاعر، والرغبات ، والأهواء، وحسن النيات ،إنه فرض إذا حان وقته وجب أداؤه مثل فرض الصلاة إذا حان وقتها وجب أداؤها ومثل الحج إذا حان وقته وجب على من استطاع إليه سبيلا أداءه.


ختاماً اقرأ معي هذا الحديث الشريف الصحيح وتأمل ما فيه من تهديد ووعيد لمانع الزكاة أومؤخرها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار»


قيل: يا رسول الله، فالإبل؟ قال: «ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها، إلا إذا كان يوم القيامة، بطح لها بقاع قرقر، أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلا واحدا، تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار»


قيل: يا رسول الله، فالبقر والغنم؟ قال: «ولا صاحب بقر، ولا غنم، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، لا يفقد منها شيئا، ليس فيها عقصاء، ولا جلحاء، ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار»


قيل: يا رسول الله، فالخيل؟ قال: " الخيل ثلاثة: هي لرجل وزر، وهي لرجل ستر، وهي لرجل أجر، فأما التي هي له وزر، فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء على أهل الإسلام، فهي له وزر، وأما التي هي له ستر، فرجل ربطها في سبيل الله، ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها، فهي له ستر وأما التي هي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام، في مرج وروضة، فما أكلت من ذلك المرج، أو الروضة من شيء، إلا كتب له، عدد ما أكلت حسنات، وكتب له، عدد أرواثها وأبوالها، حسنات، ولا تقطع طولها فاستنت شرفا، أو شرفين، إلا كتب الله له عدد آثارها وأرواثها حسنات، ولا مر بها صاحبها على نهر، فشربت منه ولا يريد أن يسقيها، إلا كتب الله له، عدد ما شربت، حسنات "


قيل: يا رسول الله، فالحمر؟ قال: «ما أنزل علي في الحمر شيء، إلا هذه الآية الفاذة الجامعة»: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}( ) .


ربما تقول إنني لا أمنع الزكاة أنا أؤخر فقط ولاوجه للاستدلال بالحديث هنا ،والجواب أن الحديث نفسه حذر من التأخير والمنع معاً تدبر معي قوله عليه السلام في الإبل قيل: يا رسول الله، فالإبل؟ قال: «ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها" فقوله يوم ورودها يدل على عدم التأخير فعلم بذلك أن الحديث يشمل التهديد للنوعين معاً المنع والتأخير.


أخي القاريء والمزكي لم يرد في كتب السنة حديث واحد ولا على لسان الفقهاء قول يدل على أفضلية تأخير الزكاة عن موعدها إلى شهر رمضان بل الذي ورد هو تقديم إخراجها عن موعدها لظروف طارئة يقدرها ولى الأمر عندما تعجز ورادات الدولة مواجهة هذه الظروف.


أما تأخيرها عن وقتها انتظارا للبركة وزيادة الأجر في رشهر رمضان فهو فهم مغلوط يجب أن نصححه في فكرنا .


أسأل الله أن يتقبل منا صومنا ويجعله شهر رحمة وغفران وعتق من النيران اللهم آمين.

  مشاركة رقم : 2  
قديم 12-17-2021
عابرة سبيل
الصورة الرمزية عابرة سبيل


رقم العضوية : 933
تاريخ التسجيل : Jul 2021
الدولة : الوطن العربي
المشاركات : 3,131
بمعدل : 3.21 يوميا
معدل تقييم المستوى : 6
المستوى : عابرة سبيل نشيط

عابرة سبيل غير متواجد حالياً عرض البوم صور عابرة سبيل



كاتب الموضوع : نعمة حكيم المنتدى : قسم التنمية البشرية وتطوير الذات
افتراضي رد: من أخطائنا الفكرية (عبد التواب مصطفى خالد)



توقيع عابرة سبيل

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها



إضافة رد


مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(عبد, أخطائنا, مصطفى, التواب, الفكرية, خالد)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الساعة الآن 06:50 PM.

Powered by vBulletin® Version v3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef
ما يطرح بالمنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وإنما تعبر عن وجهة نظر كاتبها أو قائلها