الحمد لله الذي أحاط ملكه بسياج القدرة والقهر...وتعددت أبسطة رحمته فكان منها البر والجو والبحر...وتسربلت في مكنون غيبه أسرار إيجاده للحصى والدر...
وتلوَّنت أطياف رحمانيته بخلقه فكان النفع والضر...ومكن التمييز في إدراك الكائنات معاشها بالحلو والمر...توجهت قلوبنا إليه بالشكر واللسان بالحمد أقر...
ورفعنا الأكف إليه ضراعة أن يرزقنا حين البلاء الصبر...
وأشهد أن لا إله إلا الله المنزه عن خواطر العقل وأوهام الفكر...المتفضل بإعلامنا أن من جملة أسمائه البر...المسبغ نعماءه على خلقه سواء ما خفي منها وما ظهر...الممتن على عباده بالدلالة على سبيل الخير وسبل الضرر...
...اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه السادة الغرر...
ما تعاقب الليل والنهار وكلما أشرقت الشمس أو بزغ القمر...
خرج الطفل (ريان) رحمه الله من ظلمة البئر إلى نور الجنة، وأراد الله أن يقبضه إليه ليكون عبرة ودرس للناس في هذا الزمان الذي طغت عليه الماديات وحب الدنيا والشهوات ونسوا الدار الآخرة ويوم الممات . لقد رأينا التعاطف واللهفة والمتابعة لاخبار هذا الطفل في المغرب وقلوب أقصى المشرق معه ، وهذه ميزة وعلامة صحة بأن هذه الأمة الخير فيها إلى يوم الدين وأن الشعوب العربية والإسلامية ممكن أن تكون على قلب رجل واحد في المواقف والقضايا .
ريان والضمير العالمي
ياترى هل لنا أن نتعاطف ونتعاون من أجل خروج كل ريان في بلاد الإسلام.
فما زال أطفالُ المسلمين في كل بقاع الأرض يستغيثون ..
هناك سبي للأطفال في تركستان ، وتشريد أطفال سوريا وموتهم من شدة البرد في الخيام ، قتل الأطفال وأسرهم في فلسطين المحتلة ، وقصفهم في أفغانستان ، تجويع الاطفال في افريقيا وتشيعيهم ، وإبادتهم في اليمن والعراق ، خطف أطفال المسلمين في السويد ، وحرقهم في الهند ومينامار.
أين منظمات حقوق الإنسان والحيوان ؟ أين الضمير العالمي الذي يرى ما يدور من ظلم وقهر وطغيان دون أن يحركوا ساكناً؟ ولكن أصبحت القرارت والمؤتمرات والبيانات تحكمها المصالح المشتركة والسياسة العفنة.
لكننا مع كل الابتلاءات واثقون من نصر الله ! سَنُخرجُ أطفال العالم بإذن الله من أحزانهم وآلامهم سيخرجُ من تلك الظلمات إلى النور بأذن ربهم وبهمة المخلصين في هذه الأمة المرحومة.
ظلمة الجب وظلمة الدنيا
وقع ريان في ظلمة الجب (البئر) العميق الذي يصل إلى 30 متر، خمسة أيام وهو في هذه الظلمة، وقد أشعل خبره قلوب الشعوب العربية والإسلامية متعاطفين معه بالدعاء والرجاء أن يخرج سالماً، وبعد كل المحاولات والجهود في انقاذه ، يشاء الله عز وجل أن يخرج ميتاً، قال تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ فالِقُ الحَبِّ وَالنَّوى يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَمُخرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ) وقال تعالى: (قُل مَن يَرزُقُكُم مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ أَمَّن يَملِكُ السَّمعَ وَالأَبصارَ وَمَن يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ). والله له الحكمة البالغة ولا معقب لحكمه ولا رد لقدره.
ولكن السؤال الذي يجب أن نسأله من المسؤول عن هذا الأهمال ، حتى يقع هذا الطفل في بئر بهذا العمق؟ ولماذا فقط في بلاد العرب والمسلمين إلا من رحم نجد عدم الاهتمام بقيمة الإنسان، وأن له حرمه عند الرب المنان ، ويجب علينا أن نحترمها ؟ لماذا أصبحنا كمسلمين لا نهتم بأداء الأمانة التى وكلها لنا الله عز وجل ولا نتقيه في أعمالنا ووظائفنا ؟ عن أم المؤمنين عَائِشَةَ بنت الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وعن أبيها أنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ). أن الفساد والمحسوبية والأهمال أصبحت ظاهرة من الظواهر الخطيرة التى انتشرت في معظم المجتمعات العربية والإسلامية.
جاء في الحديث الشريف أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن موعد قيام الساعة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها يا رسول الله قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) رواه البخاري.
الأبناء شفعاء لآبائهم
الشفاعات الثابتة ما جاء في شفاعة الولدان في آبائهم وأمهاتهم إذا احتسبوهم عند الله تعالى بنية صادقة، رحمة من الله تعالى وكرمًا منه؛ ليجبر قلوب الآباء والأمهات بما لحقهم من فقد أولادهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يموتُ لأحدٍ منَ المسلمينَ ثلاثةٌ منَ الولدِ فتمسَّهُ النَّارُ إلَّا تحلَّةَ القسمِ" رواه الترمذي.
وعن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " يقال للولدان يوم القيامة ادخلوا الجنة قال فيقولون يا رب حتى يدخل آباؤنا وأمهاتنا قال فيأتون قال فيقول الله عز وجل ما لي أراهم محبنطئين ادخلوا الجنة قال فيقولون يا رب آباؤنا وأمهاتنا قال فيقول ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم" رواه أحمد.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قالتِ النِّسَاءُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِن نَفْسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وأَمَرَهُنَّ، فَكانَ فِيما قَالَ لهنَّ: ما مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةً مِن ولَدِهَا، إلَّا كانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ فَقالتِ امْرَأَةٌ: واثْنَتَيْنِ؟ فَقَالَ: واثْنَتَيْنِ" رواه البخاري.
ريان في جبل في الجنة
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أطفالُ المؤمنينَ في جبلٍ في الجنةِ ، يكفلُهم إبراهيمُ و سارَّةُ ، حتى يردَّهم إلى آبائِهم يومَ القيامةِ) رواه ابن أبي الدنيا والحاكم.
في هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أطفالُ المؤمنينَ"، أي: الذين ماتوا وهم صِغارٌ، "في جَبلٍ في الجنَّةِ"، أي: بعدَ أنْ يَمُوتوا يكونونَ في جَبلٍ في الجنَّةِ، "يَكفُلُهم"، أي: يَرْعاهم ويقومُ على شأْنِهم، "إبراهيمُ" نَبِيُّ اللهِ، "وسارةُ" زَوجتُه، "حتى يَرُدَّهم إلى آبائِهم يومَ القِيامةِ"، أي: حتى يَدفَعَهم إبراهيمُ إلى أهْلِهم مرَّةً أُخرى في الآخِرةِ، وهذا مِن رَحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ بخلْقِه.
أخيراً:
اللهم أجعل أطفال المسلمين فرطاً لوالديهم وذخراً وسلفاً وأجراً، اللهم ثقل بهم موازين والديهم ، وأعظم بهم أجورهم.
اللهم آمين.
التعديل الأخير تم بواسطة محمد فرج الأصفر ; 02-06-2022 الساعة 11:56 PM.