06-23-2015
|
|
|
|
|
|
|
|
|
المستوى :
|
|
|
|
المنتدى :
السيرة والتاريخ الإسلامي
من قصص الأنبياء ( 4 ) نبي الله نوح عليه السلام
نبي الله نوح عليه السلام الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى أصحابه من التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعــــــــد
الأنبياء هم مصابيح الهدى، الذين أناروا السبيل، وأضاءوا لنا الطريق، ودعونا إلى التوحيد صلوات الله وسلامة عليهم أجمعين. لقد جاؤوا لإنقاذ البشرية من غياهب الوثنية، وغيابات الشرك والضلال، الذي استشرى في النفوس، وتلوثت به الفطرة في دخائل الناس. فكان لابد من الأنبياء ليقوّموا السلوك المنحرف، ويهذّبوا الفطرة من أرجاس الضلال. وقصص الأنبياء قصص واقعية حقيقية، تمثلت في شخصيات بارزة في تاريخنا الطويل، لذلك كانت جديرة بالدراسة الواعية والقراءة الفاحصة العميقة لتنطلق العبرة والموعظة لنقلدهم في سلوكهم لأنهم القدوة والمثال وما أحوجنا لذلك في هذا الزمان.
نبي الله نوح عليه السلام
نسبه ومولده:
هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ وهو(إدريس) بن يرد بن مهلاييل بن قينن بن أنوش ابن شيث بن آدم أبي البشر عليه السلام.
وكان مولده بعد وفاة آدم بمائة وست وعشرين سنة، فيما ذكره ابن جرير وغيره.
وعلى تاريخ أهل الكتاب يكون بين مولد نوح وموت آدم مائة وست وأربعون سنة، وكان بينهما عشرة قرون كما قال بن حبان في صحيحه: " حدثنا معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام: سمعت أبا سلام، سمعت أبا أمامة: أن رجلاً قال: يا رسول الله .. أنبيّ كان آدم؟ قال: "نعم مكلم" . قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: "عشرة قرون"
ويقصد القرن الجيل من الناس أو مائة سنة
بدأ عبادة الأصنام:
ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الإسلام. ثم، بعد تلك القرون الصالحة حدثت أمور اقتضت أن آل الحال بأهل ذلك الزمان إلى عبادة الأصنام. وكان السبب في ذلك ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه، عند تفسير قوله تعالى: (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ) نوح:23
قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما ماتوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً، وسمُّوها بأسمائهم. ففعلوا، فلم تعبد، حتى مرت الأزمان وانتسخ العلم عُبدت. ثم صارت الأوثان فيما بعد في العرب.
قال ابن كثير: وقد ثبت في الصحيحين أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكرت عنده أم سلمة وأم حبيبة تلك الكنيسة التي رأينها بأرض الحبشة وذكرتا حسنها وما فيها من تصاوير، قال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ثم صوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله عز وجل.
والمقصود أنه لما انتشر الفساد في الأرض وعُبدت الأصنام، بعث الله عبده ورسوله نوحاً عليه السلام يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له وينهى عن عبادة ما سواه، فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض.دعوة نوح عليه السلام لقومه وتكذبيهم له:
قال ابن كثير: فدعا نوح عليه السلام قومه إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له، وألا يعبدوا معه صنماً ولا تمثالاً ولا طاغوتاً، فقال لهم: (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) الأعراف: 59 . فكانت دعوته لهم ليلاً ونهاراً، سراً وجهراً، بالترغيب تارة والترهيب أخرى. لكن أكثرهم لم يستجيبوا له، بل نصبوا له العداوة وتنقصوهُ، وتنقصوا من آمن به ونالوا منهم وتوعدوهم بالرجم والإخراج.قال تعالى: ( قال الملأ من قومه) أي السَّادةُ الكُبراء منهم ( إنَّا لنراك في ضلال مبين، قال يا قوم ليس بي ضلالةٌ ولكنَّي رَسُولُ من رب العالمين) الأعراف: 60ـ61
إصرار قومه على الكفر ودُعاؤه عليهم
طال الزمان والمجادلة بين نوح عليه السلام وقومه، كما قال تعالى: ( فلبث فيهم ألف سنةٍ إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفانُ وهم ظالمون) العنكبوت:14. وبالرَّغم من هذه المدة الطويلة، لم يؤمن به إلا القليل منهم وكان كُلما انقرض جيلٌ أوصى من بعده بعدم الإيمان به ومحاربته. وكان الوالدُ إذا بلغَ ولدُه وعقل كلامه، أوصاهُ ألا يؤمن بنوح ما عاش أبداً
قال تعالى: (قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهارًا، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاَّ فِرارًا، وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبارًا، ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهارًا، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرارًا، فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّارًا) نوح: 5ـ10.
فلما يئسَ نوح عليه السلام من صلاح قومه ورأى أنَّه لا خير فيهم، وآذوه وخالفُوه وكذَّبوه، دعا عليهم دعوة استجاب لها الله. قال تعالى: (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّارًا، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِرًا كَفَّارًا) نوح: 26ـ27.
الأمر بصُنع سفينة النّجاة: قال ابنُ كثير: لما اجتمع على قوم نوح خطاياهم من كُفرهم وفُجورهم ودعوة نبيهم عليهم، أمر الله نُوحاً عليه السلام أن يصنع الفلك وهي سفينة عظيمة لم يكن لها نظير قبلها ولا يكون بعدها. قال تعالى:(ويصنع الفلك وكلما مرَّ عليه مَلاٌ من قومه سخروا منهُ) أي استهزؤوا به استبعاداً لوقوع ما توعدهم به. قال تعالى: ( فإذا جاء أمرنا وفار التَّنُّور) أي صارت الأرض عُيُوناً تفور حتى أنَّ التَّنانير التي هي محالُّ النَّار تفُوُر ماءً
قال تعالى:(فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) المؤمنون:27 . أي أن الله عز وجل أمر نُوحاً عليه السلام أن يحمل في السفينة من كل زوجين اثنين من الحيوانات وسائر ما فيه رُوح لبقاء نسلها، وأنْ يحمل معه أل بيته ( إلا من سبق عليه القول منهم ) أي من كان كافراً، فإنًّه قد نفذت فيه الدًّعوة ووجب عليه حلُولُ البأس الذي لا يُرد، ومنهم ابنه يَام
الذي غرق، وأَمرهُ ألا يُراجعه فيهم إذا حلَّ بهم العذاب. وقد اختلف العلماء في عدد من كان مع نوح عليه السلام في السفينة، فعن ابن عباس أنهم كانوا ثمانين نفساً معهم نساؤهم. واختلفوا أيضا في امرأة نوح، فقيل إنها ماتت قبل الطوفان، وقيل إنها غرقت مع من غرق وكانت ممَّن سبق عليه القول لكفرها، وهي أم أولاده كلهم (حام ، وسام، ويافث، ويام ).
قال تعالى: ( فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجَّانا من القوم الظالمين، وقل رب أنزلني منزلا مباركاً وأنت خير المنزلين) المؤمنون: 28ـ29
فأمره الله أن يحمد ربه أن سخر له هذه السفينة فنجَّاه بها، وفتح بينه وبين قومه، وأقرَّ عينه مِمَّن خالفه وكذَّبه. وقد امتثل نوح عليه السلام لهذه الوصية، فقال: ( اركبُوا فيها بسم الله مجراها ومُرساها إنَّ ربي لغفورٌ رحيمٌ ) هود:41
حُصولُ الطُوفان:
قال تعالى: ( وهي تجري بهم في موج كالجبال ) هود: 42
قال ابن كثير: ذلك أن الله تعالى أرسل من المساء مطراً لم تعهده الأرض من قبل ولا تُمطرهُ من بعد، كان كأفواه القرب، وأمر الأرض فنبعت العيون من جميع فجاجها وسائر أرجائها، كما قال تعالى:( فدعا ربه أني مغلوب فانتصر، ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر، وفجرنا الأرض عيونا فالتقي الماء على أمر قد قدر، وحملناه على ذات ألواح ودسر، تجري بأعيننا، جزاء لمن كان كفر) القمر: 10ـ14.
قال بعض المفسرين: ارتفع الماء على أعلى جبل في الأرض، فعم جميع الأرض طولها وعرضها، جبالها وقفارها ورمالها، حتى لم يبق على وجهها ممن كان بها من الأحياء عين تطرف.
إنَّه ليس من أهلك!
قال تعالى: ( ونادى نوح ابنه وكان ي معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، قال سئاوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين) هود: 42ـ43.
قال ابن كثير: هذا الابن هو( يام ) وكان كافراً فهلك مع من هلك. وقد ذكر تعالى مُناشدة نوح ربه في ولده وسُوله له على وجه الاستعلام والاستكشاف فقال: ( ونادى نوح ربه قال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين، قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عملٌ غيرُ صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إن أعظُك أن تكون من الجاهلين، قال رب إني أعوذ بك أن أسائلك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) هود: 45ـ47.
انتهاء الطُّوفان وهلاك الكافرين:
قال تعالى: ( وقيل يا ارض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين ) هود: 44
لما فرغ من أهل الأرض ولم يبق بها أحدٌ ممن عبد غير الله عز وجل، أمر سبحانه الأرض أن تبلع ماءها والسماء أن تمسك عن المطر، وقد استجاب الله تعالة دعوة نبيه
قال تعالى: ( وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً ) نوح: 26ـ27.
النّزولُ من السفينة:
قال تعالى: ( قيل يا نوح اهبط بسلام منَّا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منَّا عذابٌ أليم ) هود: 48.
قال ابن كثير: لما نضب الماءُ عن وجه الأرض وأمكن الاستقرارُ عليها والسعي فيها، أمر الله نوحاً عليه السلام أن يهبط من السفينة التي كانت قد استقرَّت بعد سيرها على ظهر الجودي، وهو جبلٌ مشهور بأرض الجزيرة، فقال تعالى: (اهبط بسلام منَّا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك) أي اهبط سالما مباركا عليك وعلى أمم ممن سيولد بعد من أولادك. ذلك أن الله لم يجعل لأحد ممن كان مع نوح عليه السلام من المؤمنين نسلاً ولا عقبا سوى هو عليه السلام. قال تعالى: ( وجعلنا ذريته هم الباقين ) الصافات:77.
وفاة نُوح عليه السلام:
قال تعالى: ( ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً ) العنكبوت: 14.
وهذا يقتضي أن نوحاً عليه السلام مكث في قومه بعد البعثة وقبل الطوفان: ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً. فالله أعلم كم عاش قبل وبعد ذلك . وقد روى ابن جرير وغيره من التابعين مرسلاً، أن قبر نوح عليه السلام موجود بالمسجد الحرام.
وهذا أقوي أثر وأثبت من الذي يذكُره كثيرٌ من المتأخرين من أنه ببلدةٍ بالبقاع تعرف اليوم بكرك نوح. انتهى
والله أعلم
|
|
|
|
|