عن أبي هريرةرضي الله عنهعن النبي صلىالله عليه وسلم قال:(اجتنبوا السبع الموبقات.قالوا : يا رسول الله وما هن؟.قال : الشرك بالله ، والسحر،وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم ،والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاريومسلم
الكبيرة السادسة:
التولي يوم الزحف
تعريف التولي :
لغة: مصدر تولى ، وأصله الثلاثي : ولي .
والتولي يأتي في اللغة بمعان كثيرة ، منها : النصرة : ويقال توليت فلانا أي اتخذته وليا . والاتباع والرضا ، يقال : توليته : أطعته . والتقلد والرجوع والإدبار والإعراض والإقبال : يقال : تولى إليه أي أقبل وتولى إذا عدي بعن لفظا أو تقديرا اقتضى معنى الإعراضوالتولي قد يكون بالجسم وقد يكون بترك الإصغاء والائتمار.
اصطلاحاً: ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن هذه المعاني اللغوية .
تعريف الزحف:
الدنو قليلا ، وأصله الاندفاع على الألية ، ثم سمي كل ماش في الحرب إلى الآخر زاحفا .
الفرار من الزحف :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن التولي يوم الزحف وهو الفرار من قتال الكفار حرام ، فلا يجوز للمسلم الذي حضر صف القتال أن ينصرف إذا التقى الجمعان وتدانى الصفان ؛ لقول الله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار، ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير )الأنفال: 15ـ 16
وقال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) الأنفال: 45
وقال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) الأنفال: 39
وقال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) البقرة: 193
نهى الله تعالى في الآيتين الأوليين في الذكر هنا عن الفرار من الكفار، وأمر في الآية الأخيرة بالثبات عند قتالهم ، فالتقى الأمر والنهي على سواء ، وهذا تأكيد على الوقوف للعدو والتجلد له .
واستثني من الحكم بتحريم التولي عند الزحف بنص الآية الكريمة المتحرف لقتال وهو : الذي يظهر الهزيمة وينصرف ليتبعه العدو فيكمن ويهجم عليه فيقتله، أو ينصرف من مضيق ليتبعه العدو إلى متسع سهل للقتال . . وذلك من مكايد الحرب وفنون القتال فلا وزر فيه ولا حرمة .
وكذلك استثنت الآية من تحريم التولي عند الزحف المتحيز إلى فئة وهو: الذي ينصرف عن العدو بنية الذهاب إلى فئة يستنجد ويستعين بها على القتال، ولا حرمة على من ينصرف بنية التحيز.
وقد عد رسول الله الفرار من الزحف من السبع الموبقات وكبيرة تكفرها التوبة بقوله : « اجتنبوا السبع الموبقات » ثم ذكر منها : «التولي يوم الزحف » وإنما يحرم الفرار والتولي . إذا لم يزد الكفار على مثلي عدد المسلمينلقول الله تعالى : (فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين)الأنفال:66
فإن زاد الكفار على مثلي المسلمين لم يحرم الفرار ، والصبر أحسن ، فقد وقف جيش مؤتة وهم ثلاثة آلاف في مقابلة مائتي ألف . واعتبر الشافعية وجمهور المالكية في تحريم الفرار العدد لا القوة والعدة ، وذهب ابن الماجشون: من المالكية وهو ما مال إليه القليوبي من الشافعية إلى اعتبار العدة والقوة ، فيجوز عندهما انصراف مائة منا ضعفاء عن مائتين إلا واحدا أقوياء ، أو مائة فارس من مائة فارس إذا علموا أن ما عند المشركين من النجدة والبسالة ضعف ما عندهم . وعلى قول الجمهور لا يحل فرار مائة مثلا إلا ما زاد على المائتين .
وزاد المالكية حالة أخرى يحرم فيها الفرار، وهي ما إذا بلغ عدد المسلمين اثنتي عشر ألفا ، فإن بلغوا هذا العدد لم يحل لهم الفرار ، وإن زاد عدد الكفار على المثلين لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة »فإن أكثر أهل العلم خصصوا هذا العدد بهذا الحديث من عموم الآية .
وقال المالكية : إنما يحرم الفرار إذا بلغوا اثنتي عشر ألفا ما لم تختلف كلمتهم ، وما لم يكن العدو بمحل مدده ولا مدد للمسلمين ، وإلا جاز ، وقد قيد بعضهم محل الحرمة أيضا : فيما إذا كان في الاثني عشر نكاية للعدو ، فإن لم يكن فيهم ذلك وظن المسلمون أن الكفار يقتلونهم جاز الفرار .
وقال ابن عابدين: لا ينبغي للمسلمين أن يفروا إذا كانوا اثني عشر ألفا وإن كان العدو أكثر والحاصل : أنه إذا غلب على ظنه أنه يغلب لا بأس بأن يفر ، ولا بأس للواحد إذا لم يكن معه سلاح أن يفر من اثنين لهما سلاح ، ويكره للواحد القوي أن يفر من الكافرين ، والمائة من المائتين ، ولا بأس أن يفر الواحد من الثلاثة والمائة من الثلاثمائة .واشترط المالكية لجواز التحرف أو التحيز : كون المتحرف أو المتحيز غير أمير الجيش والإمام ، وأما هما فليس لهما التحرف ولا التحيز لحصول الخلل والمفسدة به ، وزاد الشافعية إلى المتحرف والمتحيز من عجز بمرض ونحوه فإن له الانصراف بكل حال .
ثم اختلفوا في تفصيل ذلك :
فذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه يحرم الفرار ، ويجب الثبات بشرطين
أحدهما : أن يكون الكفار لا يزيدون على ضعف المسلمين، فإن زادوا عليه جاز الفرار ؛ لقوله تعالى : (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين)الأنفال:66
والآية وإن كانت بلفظ الخبر فهو أمر ، بدليل قوله تعالى : (الآن خفف الله عنكم) ولو كان خبراً على حقيقته لم يكن ردنا من غلبة الواحد للعشرة إلى غلبة الاثنين تخفيفا ؛ ولأن خبر الله تعالى صدق لا يقع بخلاف مخبره ، وقد علم أن الظفر والغلبة لا يحصل للمسلمين في كل موطن يكون العدو فيه ضعف المسلمين فما دون ، فعلم أنه أمر وفرض ، ولم يأت شيء ينسخ هذه الآية لا في كتاب ولا سنة ، فوجب الحكم بها .قال ابن عباس: نزلت (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) فشق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم ألا يفر واحد من عشرة ، ثم جاء تخفيف فقال : (الآن خفف الله عنكم) ، فلما خفف الله عنهم من العدد نقص من الصبر بقدر ما خفف من العدد . وقد قال ابن عباس : من فر من اثنين فقد فر ، ومن فر من ثلاثة فما فر ، ويلزم المسلمين الثبات وإن ظنوا التلف ، لقوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره)الأنفال:15
الشرط الثاني: لوجوب الثبات أن لا يقصد بفراره التحيز إلى فئة ولا التحرف لقتال ، فإن قصد أحد هذين فالفرار مباح له ؛ لقوله تعالى : (إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة) .
ومعنى التحرف للقتال أن ينحاز إلى موضع يكون القتال فيه أمكن مثل أن ينحاز من مواجهة الشمس أو الريح إلى استدبارهما ، أو من نزلة إلى علو ، أو من معطشة إلى موضع ماء ، أو يفر بين أيديهم لتنتقض صفوفهم ، أو تنفرد خيلهم من رجالتهم ، أو ليجد فيهم فرصة ، أو ليستند إلى جبل ونحو ذلك مما جرت به عادة أهل الحرب .
وأما التحيز إلى فئة فهو أن يصير إلى فئة من المسلمين ليكون معهم فيقوى بهم على عدوهم ، وسواء أبعدت المسافة أم قربت ، فإن كانت الحرب بخراسان والفئة بالحجاز جاز التحيز إليها ، لأن ابن عمرروى « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذين فروا إلى المدينة وهو فيها : أنتم العكارون ، أنا فئة المسلمين » وكانوا بمكان بعيد عنه . وفيه دليل على أن المتحيز إلى فئة عكار ، وليس بفرار من الزحف ، فلا يلحقه الوعيد .
قال الدسوقي: وقيل : إن التحيز إلى فئة يكون إذا قرب المنحاز إليه بأن يكون انحيازه إلى فئة خرج معها ، أما لو خرجوا من بلد والأمير مقيم في بلدة فلا يجوز لأحد الفرار حتى ينحاز إليه ، وأمير الجيش لا يجوز له الفرار ولو على سبيل التحيز ولو أدى لهلاك نفسه وبقاء الجيش من غير أمير ، ما لم يعلم أن جميع الجيش يفر عند هلاكه .الفرار من الزحف عام:
اختلف الناس : هل الفرار يوم الزحف مخصوص بيوم بدر أم عام في الزحف كلها إلى يوم القيامة ؟ فروي عن أبي سعيد الخدري أن ذلك يوم بدر لم يكن لهم فئة إلا رسول الله ؛ وبه قال نافع، والحسن، وقتادة، ويزيد بن أبي حبيب، والضحاك. ويروى عن ابن عباس وسائر العلماء أن الآية باقية إلى يوم القيامة ، وإنما شذ من شذ بخصوص ذلك يوم بدر بقوله : (ومن يولهم يومئذ دبره) فظن قوم أن ذلك إشارة إلى يوم بدر ، وليس به ؛ وإنما ذلك إشارة إلى يوم الزحف .
والدليل عليه أن الآية نزلت بعد القتال وانقضاء الحرب، وذهاب اليوم بما فيه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حسبما قدمناه في الحديث الصحيح أن الكبائر كذا . وعند الفرار يوم الزحف . وهذا نص في المسألة يرفع الخلاف ، ويبين الحكم .
وأما يوم بدر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجز لهم أن يفروا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ، ولا يسلموه لأعدائه حتى لا يبقى منهم على الأرض عين تطرف.الجهاد في سبيل الله:
فضائل الجهاد
1ـ الجهاد افضل الاعمال: قال تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)التوبة: 19
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : " لسفرة في سبيل الله افضل من خمسين حجة " رواه ابن أبي شيبة
وقال انس بن مالك رضي الله عنه: "غزوة في سبيل الله افضل من عشر حج لمن قد حج" رواه ابن أبي شيبة
,عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "ما يَعْدِلُ الْجِهَادَ في سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل قال لَا تستطيعوه قال فَأَعَادُوا عليه مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا كُلُّ ذلك يقول لَا تَسْتَطِيعُونَهُ وقال في الثَّالِثَةِ مَثَلُ الْمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَفْتُرُ من صِيَامٍ ولا صَلَاةٍ حتى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ في سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى " مسلم
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال" أَيُّ الناس أَفْضَلُ فقال رَجُلٌ يُجَاهِدُ في سَبِيلِ اللَّهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ قال ثُمَّ من قال مُؤْمِنٌ في شِعْبٍ من الشِّعَابِ يَعْبُدُ اللَّهَ رَبَّهُ وَيَدَعُ الناس من شَرِّهِ" رواه مسلم
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" رواه مسلم
وذكر الغزو امام احمد بن حنبل ,فبكى وقال : ما من أعمال البر أفضل منه وقال عنه غيره ليس يعدل لقاء العدو شيء ومباشرة القتال بنفسه أفضل الأعمال ,والذين يقاتلون العدو هم الذين يدفعون عن الإسلام وعن حريمهم فأي عمل أفضل منه الناس آمنون وهم خائفون قد بذلوا مهج أنفسهم." ابن قدامة
2ـ الجهاد في سبيل الله تجارة رابحة: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) الصف: 10ـ12
وقال تعالى: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) سورة النساء 71–78
وقال تعالى:(اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة: 111
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الله ابتاعَ من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنة (وعدًا عليه حقًّا) يقول: وعدهم الجنة جل ثناؤه، وعدًا عليه حقًّا أن يوفِّي لهم به، في كتبه المنزلة: التوراة والإنجيل والقرآن، إذا هم وَفَوا بما عاهدوا الله، فقاتلوا في سبيله ونصرةِ دينه أعداءَه، فقَتَلوا وقُتِلوا (ومن أوفى بعهده من الله)، يقول جل ثناؤه: ومن أحسن وفاءً بما ضمن وشرط من الله (فاستبشروا)، يقول ذلك للمؤمنين: (فاستبشروا، أيها المؤمنون، الذين صَدَقوا الله فيما عاهدوا، ببيعكم أنفسكم وأموالكم بالذي بعتموها من ربكم به، فإن ذلك هو الفوز العظيم).
وقال ابن كثير في تفسير هذه الاية"يخبر تعالى أنه عاوض عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في سبيله بالجنة، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه، فإنه قبل العوض عما يملكه بما تفضل به على عباده المطيعين له؛ ولهذا قال الحسن البصري وقتادة: بايعهم والله فأغلى ثمنهم.
وقال شَمِر بن عطية: ما من مسلم إلا ولله، عز وجل، في عُنُقه بيعة، وفَّى بها أو مات عليها، ثم تلا هذه الآية.
ولهذا يقال: من حمل في سبيل الله بايع الله، أي: قَبِل هذا العقد ووفى به.
وقال محمد بن كعب القُرَظي وغيره: قال عبد الله بن رواحة، رضي الله عنه، لرسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني ليلة العقبةِ : اشترط لربك ولنفسك ما شئت! فقال: "أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم". قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: "الجنة". قالوا: رَبِح البيعُ، لا نُقِيل ولا نستقيل، فنزلت: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } الآية.
وقال ابن كثير: وقوله: { يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } أي: سواء قتلوا أو قُتلوا، أو اجتمع لهم هذا وهذا، فقد وجبت لهم الجنة؛ ولهذا جاء في الصحيحين: "وتكفل الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي، وتصديق برسلي، بأن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه، نائلا ما نال من أجر أو غنيمة".وللحديث بقية