السليمي: هذه الرسائل الخمس في خطاب الملك محمد السَّادس
أكثرُ من رسالةٍ بعثَ بهَا الملكُ محمدٌ السَّادس إلى الخارجِ، فِي معرضِ خطابه الأخير، بمناسبة الذكرى التاسعَة والثلاثِين للمسيرة الخضْراء. حينَ رسمَ الإطار الأممِي لمعالجَة ملفِّ الصحراء بكثيرٍ من الدقة؛ وقدْ فصلهُ بجزمٍ عن تصفية الاستعمار، وحملَ الجارَة الجزائر مسؤوليَّاتهَا، في صراعٍ تقُول إنَّ دورهَا فيه لا يعدُو دعمًا لحقٍّ "تحررِي".
خمس رسائل
الخطابُ الملكِي الذِي يأتِي صريحًا فِي تقديمه رؤية المملكة لحلِّ النزاع ودور الخارج، يخبرُ الأممَ المتحدَة أنَّ منحَ حكمٍ ذاتِي هُو أقصَى تنازلٍ يمكنُ أنْ يقدمَ عليه المغرب، يقول الدكتُور عبد الرحِيم المنار السليمي، الأستَاذ في جامعة محمد الخامس والباحث في الدراسات الأمنيَّة والاستراتيجيَّة.
لقدْ شددَ الخطابُ الملكِ، بحسب الباحث، للأمم المتحدَة وللقوَى الكبرى، على كون الصحراء قضيَّة وجُود بالنسبة إلى المغاربة، وسيادةً للدولة، يرتبطُ مصيرها بمصير كلِّ المناطق المغربيَّة الأخرى. وهوُ ما يزيحُ فرضيَّة صحراء بدُون سيادة مغربيَّة، من إمكانيَّات الحلول السياسيَّة الجارِي التفاوض بشأنهَا.
أمَّا الرسالة الثانيَة ذَات الصلَة بالخيانَة، فيرى الباحث أنَّها تظهر حجم المخاطر التي تهددُ الأمَّة – الدَّولة المغربيَّة، نظرًا إلى وجود ممارساتٍ تتآمر على الوطن؛ يستدلُّ الأستاذ السليمي عليها بِمناخ نقاشاتٍ تعتملُ في الفضاءات العموميَّة، وبإصرار لدَى بعض الأطراف على فرض أجنداتٍ خارجيَّة على الأجندات الوطنيَّة، تربكُ التمثُّلَ المشترك للوطن.
ويقدر السليمي أن التحولات التي يعيشها المغرب باتت تفرز ظواهر جماعية وفردية منظمة، و غير منظمة في أيحان أخرى، يحول معها البعض كل صراعاتهم الداخلية إلى مرافعات خارج الدولة وضدها، حتى وإن كانوا يعيشون فوق ترابها أوْ يحملون جنسيتها.
السليمي يردفُ أنَّ كل من يصادف مشكلا، قد يكون شخصيا في بعض الأحيان، يتحول إلى معارض يحرض ضد الدولة بحق أو بغير حق ، حتى أنَّ القوى الخارجية تحوله الى " بطل " ضد دولته، فِي ظاهرة تحتاج الى حفر سيكولوجي عميق، سيما أنَّ تراكم الظواهر من شأنه أن يخلق مشاكل في المستقبل ، ما لم يتم الانتباه إليها.
الخطابُ الملكِي نبَّه السياسيين إلى الانزلاقات التي اعترت مشروع الجهويَّة، بعدمَا مارس فيه ساسيُّون وبرلمانيُّون وحزبيُّون اصطفافاتٍ قبليَّة أوْ جهويَّة توحِي بوجودِ نوعٍ من العصبيَّة. فِي حين أنَّ الجهويَّة نمطٌ من التدبير الترابِي يمارسُ داخل الدَّولة - الأمَّة المغربيَّة الموحَّدة.
ثالثُ الرَّسائلِ التِي بعث بها الملكُ محمد السادس، الى مكونات المغرب كافَّة، تنمُّ عن كون عامِ 2015 عامًا حاسمًا في ملف الجهوية وملف الصحراء، لتكون بذلك دعوةً إلى التعبئة، كانت خطب ملكيَّة سابقة قدْ أتتْ على ذكرها، فيما يبدُو المجتمع السياسي والمدني مدعوًّا إلى الاستعداد الاستباقِي لسنة 2015.
أمَّا الرسالة الرابعة بالخطابِ، فموجهة الى الجزائر، بتحميلها المسؤولية في نزاع الصحراء، وإحاطتها بأنَّ دبلوماسية المشاورات والحشد ضد المغرب بالدولار، لا يمكنها أن تصمد أمام مبادئ الامة المغربية وحقوقها التاريخية والوجودية والسيادية على أقاليمها في الصحراء .
موازاةً مع الرسالة الموجهة إلى الجزائر، فإنَّ الملك المغربي يسائلُ في رسالةٍ خامسةٍ تأرجح الأمم المتحدة والقوى الكبرى، بحسب السليمي، وسلوكها المتناقض الذي يشيد بالنموذج المغربي في الديمقراطية وحقوق الإنسان ويظلُّ غامضا في الوقت طاته بخصوص ملف الصحراء.
مؤشرات أيَّام صعابٍ فِي 2015
ويرى السليمِي أنَّ خطابَ الملك، بمناسبة الذكرى الـ39 للمسيرة الخضراء، يرسمُ الخارطة الاستراتيجيَّة التي يجبُ أنْتضعها الدول الكبرى نصب أعينها لدى التعامل مع ملف الصحراء الذِي سيكون أمام اختبار صعبٍ فِي 2015.
مردُّ الصعوبة في عام 2015 على الصحراء على كون كلِّ السيناريُوهات محتملة، يقول السليمي، نظرًا لوجود مخاطر غير منتبه غليها، توحِي بها عدَّة مؤشراتٌ دوليَّة، في الوقت الذِي لا يبدُو المجتمع السياسي والحزبي والبرلمانِي منصرفًا منقسًا ومتصارعًا حول المقاعد الانتخابيَّة، زيادةً على الانشغَال بمعارضة حكُومة بنكيران، يردف الباحث.
النحو الذِي يشتغل به المجتمع السياسي والحزبي في المغرب، خطير، بحسب السليمي، ينذرُ بالأسوأ إذا ما غرق جهاز إدارة الديبلوماسية المغربية بالداخل في صراعات الانتخابات، حيثُ إنَّ وزير الخارجيَّة في المغرب أمينٌ عام لحزبٍ سياسي، سيكُون أمام اختبارٍ انتخابِي وآخر مقترن بملفٍّ الصحراء، في العام نفسه.