بعد اعتذار مدير مكتب رئاسة الجمهوريّة في اليمن، أحمد عوض بن مبارك، عن تسلّم منصب رئيس حكومة الشراكة الوطنيّة، كلّف الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أمس الاثنين، المهندس خالد بحاح، بتشكيل الحكومة الجديدة، بعد تزكيته من كافة هيئة مستشاري الرئيس، خلال اجتماع ترأسه هادي، وفق ما أوردت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ".
ويشكّل تكليف بحاح مؤشراً على إصرار هادي، على أن يكون منصب رئيس الوزراء من حصّته، انطلاقاً من أنّ بحاح محسوب على الرئيس أكثر من أي طرف آخر، على الرغم من كونه شغل حقيبة النفط بين عامي 2006 و2008 عن حزب "المؤتمر الشعبي العام"، الذي يقوده الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وكان بحاح قد استقال من عضوية حزب "المؤتمر"، عقب مجزرة "جمعة الكرامة" في 18 مارس/آذار 2011، مؤيداً ثورة الشباب المطالبة برحيل صالح.
وتفيد معلومات بأنّ تخلّي بحاح عن حقيبة النفط في مايو/أيار 2008، جاء نتيجة رفضه الرضوخ لإملاءات النافذين من عائلة صالح، والذين تضاربت مصالحهم بين هذه الشركة وتلك في القطاع النفطي، إذ أيّد بعضهم بقاءه، فيما دفع آخرون لتغييره.
في بداية مشواره العملي، تنقّل بحاح بين مناصب عدة في القطاع الخاص، وتحديداً داخل شركات تابعة لرجل الأعمال اليمني، الحامل للجنسية السعودية عبد الله بقشان. ويؤكد مقربون من بحاح أن علاقة مميزة تربطه بالأخير.
وتلقى بحاح، الذي ولد في يناير/كانون الثاني 1965 في حي الديس الشرقية بمدينة المكلا، تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في محافظة عدن، وحصل على ماجستير تجارة إدارة أعمال وبنوك ومال من جامعة بونا في الهند، بعد حصوله على بكالوريوس من الجامعة نفسها عام 1990، وعقب تخرّجه، التحق بشركة نكسن الكندية للبترول، وعمل فى وظائف عليا في مجالات عدّة، منها التخطيط، والمشاريع المشتركة، والموارد البشرية، والميزانيات وعدد من الوظائف المالية والمحاسبية.
ومن سبتمبر/أيلول 2005 حتّى فبراير/شباط 2006، عمل بحاح مديراً لمكتب مشروع الشركة العربية اليمنية للأسمنت "مشروع مصنع أسمنت حضرموت"، وخلال الفترة الممتدة من فبراير/شباط 2006 حتّى مايو/أيار 2008، تولى قيادة وزارة النفط والمعادن. وعرف خلالها بإدارته الحازمة للوزارة، كما شارك في عدد من المؤتمرات والندوات البترولية والجيولوجية في كندا والولايات المتحدة وألمانيا والسعودية والأردن وإسبانيا وفرنسا واليابان، وإندونيسيا والهند والإمارات العربية المتحدة وكوريا واليمن.
ونتيجة علاقاته المميزة التي تربطه بالكنديين، بعد عمله في شركة نكسن النفطية، تمّ تعيينه سفيراً لليمن في كندا، حيث كان له حضور بارز وترأس جمعية الدبلوماسيين قبل أن يُعيّن نائباً لعميد السلك الدبلوماسي العربي. وتمكّن من نسج شبكة علاقات واسعة بين الدبلوماسيين العرب والأجانب.
في عهد هادي، عاد بحاح مجدداً وزيراً للنفط والمعادن في مارس/آذار الماضي، لكنّه لم يستمر بمنصبه سوى ثلاثة أشهر،. وتقول مصادر لـ"العربي الجديد"، إنّ "استقلالية الرجل وعدم رضوخه لضغوط القوى النافذة في النظام الجديد، كانت السبب في تركه الوزارة للمرة الثانية". وبعد أشهر على تخليه عن منصبه، عيّنه هادي، منتصف العام الجاري، ممثلاً لليمن في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وهو المنصب الأخير الذي شغله، قبل تكليفه بتشكيل الحكومة.
منصب حضرمي
يُعدّ تكليف بحاح لتشكيل "حكومة الشراكة"، المنبثقة عن توقيع "اتفاق السلم والشراكة" بين المكونات السياسيّة اليمنيّة في 21 سبتمبر/أيلول الماضي، تكريساً للصورة النمطيّة التي بدأت في عهد صالح بجعل منصب رئيس الحكومة من محافظة حضرموت، التي تشكّل مساحتها ثلث اليمن، وتضم العديد من الثروات النفطية وغير النفطية، كما تنتمي إليها مجموعة هائلة من رؤوس الأموال، أغلبها مهاجر في دول الخليج وخصوصاً السعودية والإمارات.
وخلافاً لمقترح "الحزب الاشتراكي" اليمني، بجعل منصب رئيس الوزراء من نصيب المحافظات الشمالية، فقد جاء تكليف بحاح، ابن حضرموت، ليذهب ثاني أهم منصب في السلطة للجنوب بعد منصب رئيس الجمهورية، الذي يشغله هادي، ما يعني أنّه سيكون لبحاح نواب من أبناء المحافظات الشمالية.
مهمة صعبة
وللمفارقة، تزامن تكليف بحاح بتشكيل الحكومة مع سقوط مدينة الحديدة، غربي البلاد، بيد مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، التي كان لتصعيدها الأخير الدور الأساسي في إسقاط حكومة الوفاق الوطني برئاسة محمد سالم باسندوة، والإتيان بحكومة "شراكة وطنية"، وسط عواصف من التحديات الأمنية والاقتصادية المعقدة والمتشابكة يواجهها بحاح.
ولعل أكثر الملفات إلحاحاً على طاولة رئيس الوزراء الجديد هو الأزمة مع جماعة الحوثيين، الذين تنتشر نقاط مسلحيهم في صنعاء، بعد سيطرتهم عليها في 21 سبتمبر/أيلول الماضي في عملية وصفت بأنها "تسليم للعاصمة" أكثر من كونها عملية "إسقاط".
وكان لافتاً ترحيب الحوثيين بتكليف بحاح، بعد أن شكلوا حجر عثرة أمام الشخصيّة التي كُلفت قبله، أحمد عوض بن مبارك، الذي اعتذر عن قبول المنصب قبل أن تبصر مهمّته النور. وكانت جماعة عبد الملك الحوثي أعلنت موافقتها على القرار الرئاسي بتكليف بحاح أمس، على لسان القيادي في مكتبها السياسي علي العماد، الذي نقلت عنه وكالة "الأناضول" قوله إنّ "الجماعة وافقت على بحاح الذي طرح اسمه الرئيس اليمني، رئيساً للحكومة الجديدة".
ويرى مراقبون أنّ قبول الحوثيين بتكليف بحاح لا يعني بالضرورة انتهاء عوائق التشكيل الحكومي المرتقب، إذ يتجاوز اليمن مع تكليفه عقبة تسمية رئيس الوزراء، لينتقل إلى العقبة التالية المتمثلة بتسمية الوزراء وحصص المكوّنات السياسية المشاركة في الحكومة. لكنّ المؤكد أن اليمن يخسر بمرور الوقت، كلما تأخر في تجاوز أزمة التشكيل الحكومي، وخصوصاً أنّ الحوثيين يفرضون بقوة السلاح واقعاً جديداً على الأرض قد يجعل من كل هذا الهرج في مسألة تشكيل الحكومة مجرد تضييع للوقت لا أكثر.
وعلى مقربة مما يقوم به الحوثيون في الشمال، تنشط خطوات الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال عن صنعاء، وترتفع الأصوات الجنوبية المنادية بتقرير مصير الجنوب بمعزل عن الشمال بعدما باتت عاصمة البلاد في قبضة الحوثيين.