الكبيرة الثالثة :
السحـــر
تعريف السحر:
قال الأزهري : السحر عمل تقرب فيه إلى الشيطان وبمعونة منه ، وأصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره فكأن الساحر لما رأي الباطل في صورة الحق وخيل الشيء على غير حقيقته قد سحر الشيء عن وجهه (أي صرفه).
قال ابن قدامة المقدسي : هو عقد ورقى وكلام يتكلم به أو يكتبه ، أو يعمل شيئاً يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له ، وله حقيقة فمنه ما يقتل ، وما يمرض ، وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها ، ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه ، وما يبغض أحدهما إلى الآخر أو يحبب بين اثنين.
الأدلة على وجود السحر
أولا: الأدلة من القرآن الكريم:
قال تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَسُلَيْمَانُ وَلَـٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَوَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَايُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَاتَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِوَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِوَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِاشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِأَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) البقرة: ١٠٢
وقال تعالى:(قَالَ أَلْقُوافَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوابِسِحْرٍ عَظِيمٍ )الأعراف: 116
وقال تعالى:(وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ)الأعراف: ١٢٠
وقال تعالى: (قَالَ مُوسَىٰ أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَـٰذَا وَلَايُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) يونس: ٧٧﴾
وقال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُممُّوسَىٰ أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ، فَلَمَّا أَلْقَوْاقَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّـهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّاللَّـهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ )يونس: ٨٠ ـ ٨١
وقال تعالى: (قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْأَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ ،فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍمِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَاأَنتَ مَكَانًا سُوًى) طه: ٥٧ ـ ٥٨
وقال تعالى: (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى، قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى ، فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى ،قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى ، وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى ،فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَوَمُوسَىٰ) طه:65 ـ 70
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ , حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا , وَدَعَا ثُمَّ قَالَ : أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي ؟ أَتَانِي رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ , فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ : مَا وَجَعُ الرَّجُلِ ؟ قَالَ : مَطْبُوبٌ ؟ قَالَ : وَمَنْ طَبَّهُ ؟ قَالَ : لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ . قَالَ : فِيمَا ذَا ؟ قَالَ : فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ . قَالَ فَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ : فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ . فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ : نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ . فَقُلْتُ : اسْتَخْرَجْتَهُ ؟ فَقَالَ : لا , أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا , ثُمَّ دُفِنَتْ الْبِئْرُ)رواه البخاري ومسلم
تقسيم الراغب : قال السحر على معانٍ:
أحدهما : ما لطف ودق ومنه سحرت الصبي خادعته واستملته وكل من استمال شيئا فقد سحره ، ومنه إطلاق الشعراء سحر العيون لاستمالتها النفوس .
الثاني: ما يقع بخدع وتخيلات لا حقيقة لها نحو ما يفعله المشعوذ من صرف الأبصار عما يتعاطاه بخفة اليد.
الثالث: ما يحصل بمعاونة الشياطين بضرب من التقرب إليهم وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (وَلَـٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ).
الرابع: ما يحصل بمخاطبة الكواكب واستنزال روحانياتها بزعمهم.
قلت وهذا النوع ليس له وجود ولكن هناك بعض السحرة الماردة يربطون سحرهم على النجوم والكواكب.
السحرة لا يقومون بالسحر إلا بالاتفاق مع أحد أعوانه من الجن ، وكلما زاد الساحر كفراً. كثر أعوانه من الجن الذين سخروا له من قبل زعيمهم من القبيلة التي يتبعها الجن. فيقوم الساحر بتحضير الجن وتسخيره لأعمال الشر التي يردها الساحر . وهناك طرق لتحضيره منها:
1ـ الإقسام 2ـ الذبح 3ـ السفلية 4ـ النجاسة 5ـ التنكيس 6ـ التنجيم
إذا وجدت احد العلامات الواردة في ممن يدعون العلاج فهو ساحر.
1ـ يسأل المريض عن اسمه واسم أمه .
2ـ يطلب أثراً من آثار المريض من ملابسه.
4ـ يطلب حيواناً بصفات معينه ليذبحه.
5ـ يكبت أو يقوم بتلاوة العزائم والطلاسم الغير مفهومة مع بعض آيات القرآن الكريم.
6ـ إعطاء المريض (حجاباً) يحتوى على كلام متداخل الحروف ومربعات فيها أرقام أو حروف .
7ـ يطلب من المريض العزلة أو عدم مس الماء لمدة معينه ، أو حرق أوراق يتبخر بها .
8ـ وضوح علامات المعصية والكفر والمخالفات الشرعية على شكل الساحر وهيئته أو في بيته.
1ـ سحرالتفريق والصد 2ـ سحر المحبة 3ـ سحرالتخيل 4ـ سحر الخمول 5ـ سحر الجنون 6ـ سحر المرض 7ـ سحر الهواتف 8ـ سحرتعطيل الزواج 9ـ سحرعدم التوفيق 10ـ سحر النزيف وعدم الحمل.
القول الأول: وهذا مذهب الجمهور والأئمة أبي حنيفة ومالك ورواية عن الامام أحمد وهذه الرواية هي المذهبعند الحنابلة. وقال به من الصحابة: عمر وعثمان وابن عمر وحفصة وأبو موسى الأشعريوالقرطبي إلى سبعة من التابعين ، على وجوب قتل الساحر من غير استتابة.
القول الثاني : وهو مذهب الامام الشافعي وقول الامام أحمد. بوجوب قتل الساحر كفرا إذا عمل بسحره ما يبلغ الكفر، فإن كان سحره بغير الكفر وقتلبسحره قتل قصاصا. وفي غير هاتين يعزر ولا يقتل.
عن ابن عباس عن النبي صلىالله عليه وسلم قال:(من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد مازاد) رواه أبو داود وإسناده صحيح
و عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عقد عقدة ثمنفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئا وكل إليه) رواه النسائي
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حد الساحر ضربه بالسيف) وصح عن أميرالمؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر بقتل السحرة من الرجال والنساء، وهكذاصح عن جندب الخير الأزدي رضي الله عنه أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم :(أنه قتلبعض السحرة) وصح عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لهاسحرتها فقتلت، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلمناس عن الكهان فقال ليسوا بشيء ؛ فقالوا يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانا بشيءفيكون حقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمة من الحق يخطفها من الجنيفيقرها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة) رواه البخاري
حكم من يأتي عرافاً أو ساحراً :
لا يجوز للمسلم إذا اصابه شيء من السحر أن يذهب للسحرة والمشعوذين للعلاج وأن يصدقهم بما يخبرونه ، لورود النهي والنكير على من يفعل ذلك .
عن أبي هريرة رضي الله عنهأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافا أو كاهنافصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) رواه أحمد وأهل السنن
عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: (مَنْ أَتَى عَرَّافًافَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى كاهنا فصدقه بما يقول أو أتى امرأة حائضا أو امرأةفي دبرها فقد برئ مماأنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) رواه البخاري
ذهب أهل العلم أنه لا يجوز تعلم السحر، ولا العمل به، بل يجب الحذر من ذلك، لأن تعلمه وتعليمه كفر، لأنه لا يتوفر إلا بعبادة الشياطين من دون الله، والاستغاثة بالجن ونحو ذلك، والله ذكر عن الملكين في سورة البقرة، قال سبحانه: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُر) ْالبقرة: 102
فبين أن تعلمه السحر من أمور الكفر، ومن نواقض الإسلام
وقال تعالى : (ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم ) سورة الأنعام:128
لحل السحر بالسحر طريقتان بالنشرة العربية
الطريقة الأولى : حل السحر بالقرآن وهي النشرة الجائزة ويكون بالأدعية والأدوية المباحة وبالقرآن ، فهذا جائز لا بأس به . ومنأحسن ما يقرأ به على المسحور : ( قُل أَعُوذُ بِرَبِ الفَلقِ ) { الفلق 1 } ( قُلأَعُوذُ بِرَبِ النَّاس ) { الناس 1 } ، فإنه ما تعوذ متعوذ بمثلهما .وكذلك قراءة آيات السحر في القرآن
الطريقة الثانية : حل السحر بالسحر وهي النشرة المحرمة، وهذا مختلف فيه سلفاً وخلفاً ، فمن العلماء منرخص فيه لما فيه لإزالة الشر عن المسحور ، ومنهم من منعه وقال : إنه لا يحل السحرإلا ساحر . وهذا شرك لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال : " هي من عمل الشيطان " وعملالشيطان هو ما كان بالسحر .
وللحديث بقية