الحمد لله الذي طهًر بتأديبه من أهل تَقريبه نفوساَ ، وسقى أرباب مصافاته من شراب مناجاته كؤوساً ،
ودفع كيد الشيطان عن قلوب أهل الإيمان فأصبح عنها محبوساً ، وصرف عن أهل وداده بلطفه وإسعاده أذى وبُوساً ، وأذلَّ بقهره من شاء من خلقه أعناقاً ورؤوساً ،
وأعادَ ذِكر الأصنام بعزّ التوحيد مطموساً ، وجعل عدد السنين بجريان الشمس والقمر للحاسبين محروساً ، وكرًّم عشر المحرَّم وكلَّم في عاشوراء منه نبيَّه موسى.
أحمده على نعم لا تحصى عدداً ، وما أقضي بالحمد حقاً ، وأشكره ولم يزل الشكر مستحقاً ، وأشهد أنه الملك للرّقاب كلها رقّا ، كون الأشياء وأحكمها خلقاً ، وفتق السماء
والأرض وكانتا رَتقا ، وقسم العباد فأسعد وأشقى. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرق الخلائق خَلقاً وخُلقاً صلى الله عليه وسلم ،
وعلى صاحبه أبي بكر الصديق الذي حاز كل الفضائل سبقاً ، وعلى عمر العادل فما يُحابي خلقاً ، وعلى عثمان الذي استسلم للشهادة فما يتوقى ،
وعلى عليِّ بائع ما يفنى ومشترِي ما يبقى ، وعلى عمه العباس صِنو أبيه حقاً.
أما بعــــــد
اعلموا رحمكم الله أنَّ شهر المحرم شهر شريف القدر ، وإنما سمي المحرم لأنَّ القتال كان يحرم فيه وهو من الأشهر الحرم ، قال تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ
شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) التوبة : 36 ، وفيه يوم عاشوراء الذي عظم الله تعالى أجر من أطاعه فيه.
تسميته بيوم عاشوراء:
قال أكثر أهل العلم إنما سمي يوم عاشوراء ، لأنه عاشر يوم من أيام المحرم .وقال بعضهم : إنما سمي عاشوراء ، لأنه عاشر الكرامات التي أكرم الله عز وجل هذه الأمة بها : أولها : رجب . والثانية : شعبان . والثالثة : شهر رمضان والرابعة : ليلة القدر. والخامسة : يوم الفطر . والسادسة : أيام العشر . والسابعة : يوم عرفة . والثامنة : يوم النحر . والتاسعة : يوم الجمعة . والعاشرة : يوم عاشوراء. وقال بعضهم : إنما سمي عاشوراء ، لأن الله تعالى أكرم فيه عشرة من الأنبياء عليه السلام بعشر كرامات:
أحدها : أنه عز وجل تاب على آدم عليه السلام فيه. والثانية : رفع الله عز وجل إدريس النبي عليه السلام فيه مكاناً علياً . والثالثة : استوت سفينة نوح عليه السلام فيه على الجودي . والرابعة : ولد إبراهيم عليه السلام فيه ، واتخذه الله تعالى خليلاً وانجاه من نار النمرود فيه. والخامسة : تاب الله عز وجل على داود عليه السلام فيه ، ورد الملك على سليمان عليه السلام فيه . والسادسة : كشف الله ضر أيوب عليه السلام فيه . والسابعة : نجى الله عز وجل موسى عليه السلام من البحر ، وأغرق فرعون في البحر فيه . والثامنة : نجى الله عز وجل يونس عليه السلام من بطن الحوت فيه . والتاسعة : رفع الله عز وجل عيسى عليه السلام إلى السماء فيه . والعاشرة : ولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيه .
قـــــلت :
هذا كله من الأخبار التي لم تصلنا عنها أخبار صحيحة لا من كتاب ولا سنة ، ولكن هي من المرويات في كتب أهل العلم أو نقلاً عن إسرائيليات.
أي يوم هو من المحرم:
قال أكثر أهل العلم أنه يوم العاشر من محرم وهو الصحيح لما تقدم. وقال بعضهم : هو الحادي عشر منه ، ونقل عن عائشة رضي الله عنها أنه هو التاسع منه . وعن الحكيم بن الأعرج أنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن أي يوم يصام عاشوراء ؟ فقال : إذا رأيت هلال المحرم فاعدد ، ثم أصبح صائماً من تاسعه. قلت : أكذلك كان يصومه محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم .
فضل يوم عاشوراء:
إن عاشوراء من الأيام الفاضلة ، فهو يوم في شهر الله المحرم ، وكان أهل الجاهلية تصوم هذا اليوم ، كما أن اليهود كانت تُعظمه وتتخذه عيداً . فلما جاء الإسلام أبقى على الصيام .
فعن أبي قتادة رضي اللَّه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " صيام يوم عاشوراء أحتسب على اللَّه أن يكفر السنة التي قبله " . أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي ، وابن
ماجة وأحمد والبيهقي
صيام المحرم وتأكيد عاشوراء:
عن أبى هريرة قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أى الصلاة أفضل بعد المكتوبة ؟ ( قال الصلاة فى جوف الليل ) . قيل : ثم أى الصيام أفضل بعد رمضان ؟ قال : ( شهر الله الذى تدعونه المحرم ) رواه أحمد و مسلم وأبو داود
و عن معاوية ابن أبى سفيان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( إن هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء صام ومن شاء فليفطر)) متفق عليه
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينه فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال : ( ما هذا ؟ ) قالوا : يوم صالح نجى الله فيه موسى وبنى اسرائيل من عدوهم , فصامه موسى فقال صلى الله عليه وسلم (أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه) متفق عليه
و عن ابن عباس رضى الله عنهما قال لما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ,انه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال : (إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع ) قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم وأبو داود . وفى لفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ) ( يعنى مع يوم عاشوراء ) رواه احمد ومسلم
و عن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه قال : كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود و تتخذه عيدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( صوموه أنتم )متفق عليه
وعن عائشة رضى الله عنها قالت : (كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش فى الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه فلما قدم المدينة صام , وأمر الناس بصيامه فلما فُرض رمضان قال : من شاء صامه ومن شاء تركه) متفق عليه
قلـــــت:
إن صوم عاشوراء كان واجباً قبل فرض صيام رمضان ثم نسخ ، وقيل : بأنه لم يجب بحالٍ بدليل خبر معاوية ، وإنما نسخ تأكيد استحبابه.
ذكر العلماء في مراتب صيام عاشوراء
ذكر أهل العلم أن صيام يوم عاشوراء على ثلاث مراتب :-
* المرتبة الأولى : صوم ثلاثة أيام :التاسع , والعاشر , والحادى عشر .
* المرتبة التانية : صوم التاسع , والعاشر .
* المرتبة الثالثة : صوم العاشر وحده .
الرد على الروافض في شبهة صيام عاشوراء:
لقد طعن الروافض على من صام هذا اليوم العظيم وما ورد فيه من التعظيم وزعموا أنه لا يجوز صيامه لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما فيه . وقالا : ينبغي أن تكون المصيبة فيه عامة لجميع الناس لفقده فيه ، وأنتم تتخذونه يوم فرح وسرور وتأمرون فيه بالصيام والتوسعة على العيال والصدقة على الفقراء والمساكين ، وليس هذا من حق الحسين رضي الله عنه على جماعة المسلمين.
قلـــــت :
تباً لكم وهل ما تفعلون من اللطم على الخدود وشق الجيوب والضرب على الرؤوس بالسيوف والجلد والتعذيب الجسدي والعويل والضجيج رجال ونساء حول قبر الحسين في كربلاء وفي الحسينيات والساحات .
هل هذا من الدين ؟ بل هو خروج من الدين ، وهل أمر به ربنا الكريم الرحمن الرحيم بالإنسان ؟ وهل وصى به خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم ؟
إن الله تعالى اختار بسبط نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الشهادة في أشرف الأيام وأعظمها وأجلها وأرفعها عنده ، ليزيده بذلك رفعة في درجاته وكراماته ، ولو جاز أن يتخذ يوم موته يوم مصيبة لكان يوم أن قبض النبي صلى الله عليه وسلم أولى بذلك ، ولكنكم قوم بهتٍ وزور وضلالٍ مبين
وقد قال ابن شاهين : وممن بلغنا أنه كان يصوم يوم عاشوراء علي بن أبي طالب ، وأبو موسى الأشعري وعلي بن الحصين وسعيد بن جبير وطاوس وفي الجملة هو يوم عظيم فينبغي أن يفعل فيه ما يمكن من الخير فهو وأمثاله مواسم الخيرات فاغتنموها واحذروا الغفلات.
ونسأل الله القبول في شهر محرم وعاشوراء
ذلك اليوم المذكور
وأن يغفر لنا ولكم ولسائر المسلمين
الذنوب والزلات والكبائر والصغائر والعثرات
إنه هو الغفور الرحيم